الموصل بعد داعش

الموصل بعد داعش

NB-102960-635381613307856745

أفرزت الأحداث التي تعرّض لها العراق عموماً، ومدينة الموصل خصوصاً، منعطفاً تاريخياً غيّر المشهد السياسي واﻻجتماعي فيها، فما شهدته المدينة من عمليات عسكرية وصراع طائفي وعرقي أحدث صدعاً كبيراً بين مكونات أبناء هذه المدينة الكبيرة.
الموصل، ثاني أكبر مدن العراق بعد العاصمة بغداد، ويقارب عدد سكانها 4 مليون نسمة، يشكل العرب السنة الغالبية العظمى من السكان، ويعيش، إلى جانب العرب السنة الأكراد الذين ينتمون إلى المذهب السني أيضاً، فيما يوجد عدد من الأعراق والديانات الأخرى من المسيحيين والإيزيديين والشبك والتركمان، والذين يكونون 5% من مجموع سكان المدينة.
تعرّضت الأقليات الدينية في المدينة إلى عمليات قتل وتهجير وسبي للنساء من عناصر داعش، بعد سيطرتهم على المدينة في يونيو/ حزيران 2014، وأحدثت هذه الأحداث صدعاً بين مكونات هذا المجتمع، وجعل من الصعب جداً عودة بعض هذه المكونات والعيش مع بعضها واﻻنسجام بعد هذه الأحداث.
نتحدث، اليوم، عن ثلاث مكونات رئيسية، كانت تعيش في المدينة بجانب المسلمين، وما سيكون مستقبلهم في المدينة، ما بعد داعش، بعد أن انفرط العقد الذي كان يجمع هذه المكونات.
المسيحيون هم السكان الأصليون لهذه المدينة التاريخية، عاشوا بجانب المسلمين، منذ مئات السنين. ومن السهل عودتهم وتأقلمهم من جديد، لرغبتهم بالعودة إلى مدينتهم، كما ﻻ يوجد تشدّد في ديانتهم، فضلاً عن أن اﻻنسجام الكبير والتصاهر مع المسلمين على مر العصور يجعلهم راغبين بالعودة إلى المدينة في مناطق سهل نينوى.

الإيزيديون مجتمع منغلق ومتدين إلى حد كبير، تعرّض هذا المكون إلى القتل والتهجير وسبي النساء من تنظيم داعش عند سيطرته على مدينة سنجار شمال غرب الموصل. ما مر به الإيزيديون يجعل من الصعب جداً عودة هذا المكون، والعيش إلى جانب المكونات الأخرى في المدينة، خصوصاً وأن إيزيديين كثيرين ينظرون إلى المسلمين نظرة واحدة، أي اتهامهم بكل ما حصل، بل إن لدى اﻻيزيديين مشكلات حتى مع الأكراد الذين يدعون أن الإيزيديين من أصول كردية، ومازال التنافس على النفوذ قائماً بين الحشد الإيزيدي وقوات البيشمركة الكردية، فمدينة سنجار، بعد استعادة السيطرة عليها، أصبحت منقسمة إلى نصفين، بين الحشد الإيزيدي الرافض للوجود الكردي وقوات البيشمركة الكردية، ووصل الأمر إلى صدامات مسلحة بينهم.
الشيعة، وغالبيتهم من التركمان، وتكاد المدينة تخلو من الشيعة العرب، وكانت أولى الصدامات الطائفية التي حصلت في المدينة بين أبناء المكون التركماني، ويقطن التركمان في مدينة تلعفر غرب مدينة الموصل. التركمان مجتمع منقسم إلى شيعة وسنة، وقد نالت الحرب الطائفية من أبناء هذه القومية، واستمر النزاع الطائفي المسلح فيها سنوات، إلى حين تمكن الشيعة في السلطة، حيث قاموا بتسليح الشيعة في تلعفر واضطهاد وقمع المكون السني فيها، ما جعل كثيرون من السنة التركمان يهاجرون ويتركون مدينتهم، وكان آخرون قد التحقوا بصفوف تنظيم القاعدة لأغراض انتقامية، وتصفيات حساب.
بعد سيطرة تنظيم الدولة على مدينة الموصل في يونيو/ حزيران 2014، تمكّن من السيطرة على مدينة تلعفر، ما جعل شيعة المدينة يهربون ويتركون وراءهم ممتلكاتهم ومنازلهم التي أصبحت غنيمة لعناصر التنظيم الذي قام بتدمير أغلب منازل الشيعة في المدينة، وأصبحت المدينة خالية تماماً من الشيعة، وهي، الآن، بانتظار حربٍ تتأهب القوات العراقية لخوض غمارها ضد عناصر التنظيم.
ما حصل من صراع طائفي بين مكونات هذه المدينة جعلها تكون على مفترق طرق، ومن أبرز الخيارات المتاحة تقسيم المدينة إلى ثلاث محافظات أو أربع، محافظة سهل نينوى، وتكون مدينة للمسيحيين الذين يعيش أغلبهم في هذه المناطق، ويتركّز وجودهم في قضاء الحمدانية، ويبقى إنشاء هذا القضاء ضعيفاً، ومن أبرز الأسباب التي يمتنع المسيحيون أن يجعلوا مناطقهم محافظة عدم رغبتهم باﻻنفصال عن مدينتهم التاريخية، نينوى.
محافظة سنجار، وهي أكبر تجمع للإيزيديين، وهناك رغبة كبيرة للمكون الإيزيدي بتحويل قضاء سنجار إلى محافظة. ولكن، سيكون للعرب الأكثرية في هذه المحافظة، بسبب انتشارهم في الأقضية والقصبات والقرى التابعة لقضاء سنجار، كما أن إقليم كردستان يرغب بضم هذا القضاء إلى الإقليم، وهو ما يرفضه الإيزيديون والعرب باﻻنضمام إلى إقليم كردستان، ويفضلون بقاؤهم ضمن المركز.
محافظة تلعفر، مشروع تحويل هذا القضاء إلى محافظةٍ، تم طرحه في وقت سابق. ولكن أسباباً سياسية حالت دون تمرير هذا المقترح، وهو ﻻ يختلف كثيراً عن قضاء سنجار، فالعرب السنة منتشرون في القضاء، وفي القرى والبلدات، أما الشيعة فهم من المكون التركماني، ويقطنون القضاء مع التركمان السنة، إذ أصبح من الصعب جداً إعادة جمع هذه المكونات في القضاء مجدداً، لما شهده القضاء من صراعات طائفية سنوات.

عمر الجبوري

صحيفة العرب اللندنية