تطلعات الشراكة: دوافع ومسار تطور العلاقات الصينية الإسرائيلية

تطلعات الشراكة: دوافع ومسار تطور العلاقات الصينية الإسرائيلية

052016- larg

في 28 إبريل 2016، قامت شركة “هاینان إیرلاین” الصینیة بتسيير أولى رحلاتها الجوية المباشرة من بكین إلى تل أبیب، مُعلنة أنها سوف تقوم بتسيير ثلاث رحلات أسبوعياً بين العاصمتين عبر طائرات من طراز “إيرباص أيه-330”. وتعد هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها شركة صينية، وهي أكبر شركة طيران خاصة في الصين ورابع أكبر شركة بعد ثلاث شركات تملكها الحكومة الصينية وهي “تشاينا ايسترن ايرلاينز، اير تشاينا، وشركة طيران جنوب الصين”، بتسيير رحلات مباشرة إلى إسرائيل منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية في عام 1948، حيث كانت رحلات الطيران بين بكين وتل أبيب تمر عادة عبر العاصمة التايلاندية بانكوك.

تعزيز العلاقات التجارية والسياحية

ثمة توقعات أن يؤدي زيادة رحلات الطيران المباشر بين الجانبين الصيني والإسرائيلي، إلى إعطاء دفعة قوية للعلاقات المتنامية بين الجانبين، خاصةً فيما يتعلق بتشجيع التعاون السياحي والتجاري بينهما، وذلك كالتالي:

1- التعاون السياحي:

من المرجح أن تساهم هذه الرحلات في زيادة عدد السياح الصينيين الراغبين في زيارة إسرائيل، بعدما ارتفع هذا العدد بشكل مستمر خلال السنوات الأخيرة. وتشير إحصاءات أصدرتها وزارة السياحة الإسرائيلية إلى قيام حوالي 47400 سائح صيني بزيارة إسرائيل في عام 2015، بزيادة أكثر من 30% عن عام 2014.

ويُشار إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية أصبحت تُعول كثيراً على السياحة الصينية من أجل إنعاش اقتصادها المتدهور، حيث قامت هذه الحكومة مؤخراً بتكييف البنية التحتية السياحية لاستقبال السياح الصينيين، وذلك من خلال اتخاذ العديد من الإجراءات، لعل من أبرزها: تدريب مرشدين سياحيين يتكلمون باللغة الصينية، وتدريب الطهاة في الفنادق والمطاعم على إعداد الأطعمة الصينية، وإطلاق موقع إلكتروني باللغة الصينية. كما قللت الحكومة الإسرائيلية أيضاً المدة الزمنية اللازمة لإصدار التأشيرات السياحية للصينيين بمقدار الثلثين، ورفعت موازنة الترويج السياحي في الصين، بمقدار عشرة أضعاف لتصبح 15 مليون شيكل (حوالي 4 ملايين دولار) في عام 2016.

2- العلاقات التجارية:

من المتوقع أن يساهم الطيران المباشر بين بكين وتل أبيب في تعزيز التعاون بينهما، حيث سيتمكن رجال الأعمال من التنقل بين البلدين بشكل سريع، وبالتالي سيكون بمقدورهم تعزيز أعمالهم، خاصةً إذا ما تم الانتهاء من المفاوضات الجارية حالياً من أجل التوصل إلى اتفاقية تجارة حرة بين الجانبين.

ويراهن الإسرائيليون على أن يسهم التوصل لهذه الاتفاقية مع بكين في تحسين أوضاعهم الاقتصادية وتعزيز مكانتهم العالمية، خاصةً بعد زيادة الآثار السلبية الناجمة عن حملات المقاطعة الأوروبية والعربية للمنتجات الإسرائيلية. إذ طلبت المفوضية الأوروبية من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في نوفمبر 2015، وضع ملصقات لتمييز المنتجات القادمة من المستوطنات الإسرائيلية في أسواق الاتحاد الأوروبي.

وفي هذا السياق، توقع مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، أن تفضي اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وإسرائيل، بعد التوقيع عليها بشكل نهائي والبدء في تطبيقها، إلى مضاعفة حجم التبادل التجاري بين البلدين، ليقفز من 8 مليارات دولار خلال عام 2015 إلى 16 مليار دولار.

وكانت الصين، التي تعد ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل، بعد الولايات المتحدة، قد منحت تل أبيب مؤخراً أفضلية في التعاون التقني والتبادل التجاري، إلى جانب كل من الاتحاد الأوروبي وكندا.

وسيحقق زيادة التبادل التجاري بين إسرائيل والصين منفعة متبادلة للبلدين، حيث تسعى الشركات الصينية إلى شراء التكنولوجيات الإسرائيلية (خاصةً في مجالات الزراعة والطاقة المتجددة، والطب البيولوجي، والإليكترونيات، والاتصالات، وتحلية مياه البحر) من أجل مواصلة تنميتها الاقتصادية السريعة، فيما تحاول الشركات الإسرائيلية دخول السوق المحلية الصينية الشاسعة و”المذهلة”. كما تبحث الشركات الإسرائيلية أيضاً عن شركاء صينيين يستطيعون تقديم التمويل لتوسعها عالمياً، وأيضاً شركاء للتطوير التكنولوجي المستمر.

دوافع سياسية واستراتيجية

إلى جانب المنافع السياحية والتجارية المتوقعة من وراء تطوير العلاقات الصينية – الإسرائيلية، توجد العديد من الدوافع السياسية والاستراتيجية لدى صُناع القرار في الدولتين لدفع وتعزيز هذه العلاقات. وربما تكون هذه الدوافع هي التي حفزت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على اختيار الصين لتصبح ثاني دولة في العالم يزورها بعد زيارته الولايات المتحدة في مارس 2013، في إشارة لأهمية بكين في سياسته الخارجية. فخلال هذه الزيارة، أكد نتنياهو على أنه يتطلع إلى إقامة “شراكة مثالية” بين إسرائيل والصين، مشيراً إلى أن “الصين قوة اقتصادية عالمية، وإسرائيل مركز عالمي للبحوث والتطوير، ومن ثم توجد إمكانية للتكامل بين الجانبين لضمان سوق الغد”.

ويمكن إجمال الدوافع السياسية والاستراتيجية لدى الجانبين الإسرائيلي والصيني لتطوير علاقتهما، على النحو التالي:

1- دوافع الجانب الإسرئيلي:

أ- يدرك الإسرائيليون جيداً أن الصين واحدة من القوى الصاعدة اقتصادياً وسياسياً في النظام الدولي؛ الأمر الذي يقتضي نسج علاقات مع هذه القوة وتطويرها لبناء علاقات وثيقة تجعل الصين أكثر اقتراباً من التوجهات الإسرائيلية، لاسيما في لحظات الأزمات؛ فالصين دولة نووية، وهي الأكبر في عدد السكان عالمياً، ونموها الاقتصادي يشير إلى أنها ستكون بحلول عام 2030 صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، علاوة عن أن الصين لديها مقعد دائم في مجلس الأمن، بكل ما لهذه المعطيات من آثار سياسية لا يمكن إغفالها.

ب- السوق الصيني هو الأكبر في العالم، مما يفتح الباب واسعاً أمام رؤوس الأموال والاستثمارات والمنتجات الإسرائيلية، خاصةً مع بروز فرص استثمارية وتجارية كبيرة بعد إنشاء البنك الآسيوي للاسثتمار في البنية التحتية، وقبول إسرائيل كعضو مؤسس به في 29 يونيو 2015، وبعد مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينج “حزام واحد وطريق واحد”، والتي طرحها في أواخر 2013. وفي هذا السياق، توقع هاجاي شاجرير، مدير إدارة شمال شرقي آسيا بوزارة الخارجية الإسرائيلية، أن تجلب هذه المبادرة المزيد من فرص الأعمال للشركات الإسرائيلية في مجال مشروعات البنية الأساسية، مشيراً إلى أن إسرائيل تعتبر نفسها جزء من طريق الحرير البحري للقرن الـ21 الذي يشق طريقه من بحر الصين الجنوبي إلى البحر المتوسط.

ج- ربما يرغب الإسرائيليون أيضاً من تطوير علاقاتهم مع الصين في كبح المبيعات العسكرية، وخاصةً الصواريخ، من الصين لدول عربية معينة، حيث يعتقدون أن بعضاً من هذه الصواريخ يصل إلى حزب الله اللبناني، مما يمثل تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي.

د- توجد رغبة إسرائيلية واضحة في حشد التأييد الصيني لمواجهة ما تسميه “الإرهاب” الدولي، خاصةً مع وجود مشكلات متزايدة بين الحكومة الصينية وبين مسلمي مقاطعة سينكيانج (تركستان الشرقية) في غرب الصين (وعددهم حوالي 21 مليون). وقد تزايدت حدة هذه المشكلات مع عودة بعض هؤلاء من القتال في صفوف تنظيم “داعش” في سوريا والعراق للقيام بأنشطة إرهابية في الصين، خاصةً بعد ان أصبحت نسبة كبيرة من الشعب الصيني تربط بين حركة “حماس” وما يجري في إقليم سينكيانج المضطرب. إذ تُظهر التعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي في الصين أن العرب والفلسطينيين بصفة خاصة أصبحوا يمثلون “خطراً”، لأنهم يشتركون في الدين مع قاطني سينكيانج، بينما يظهر الإسرائيليون بمظهر المدافع عنهم والحامي لهم من خطر ما يسمونه “الإرهاب الإسلامي”.

2- دوافع الجانب الصيني:

أ- يرى الصينيون أن إسرائيل تتمتع بموقع جيو- سياسي، وقدرات تكنولوجية، ولديها بنية تحتية علمية، تجعل منها لاعباً أساسياً في منطقة الشرق الأوسط، وشريكاً مُفضلاً في علاقاتهما الاقتصادية.

ب- ترغب بعض دوائر صنع القرار الصيني في جعل تل أبيب بوابة لمد نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، خاصةً بعد تزايد أهمية هذه المنطقة، وتراجع التدخل الأمريكي لتحقيق الأمن والاستقرار فيها.

ج- يرغب الصينيون في استثمار اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة بشكل خاص والنفوذ اليهودي في العالم بشكل عام؛ من أجل إدارة علاقاتهم المتوترة مع واشنطن. فهم يدركون أن للوبي اليهودي ثقلاً كبيراً في صنع القرارات الأمريكية، وبالتالي يشكل تطوير العلاقات مع إسرائيل عاملاً لدفع تل أبيب لتوظيف علاقتها مع اللوبي اليهودي لاتخاذ قرارات لصالح الصين في المؤسسات الأمريكية المهمة، وخاصةً الكونجرس الأمريكي.

د- يرغب الصينيون في استثمار رؤوس الأموال اليهودية في العالم، من خلال جذبها إلى السوق الصيني، لاسيما أن لإسرائيل دورها في تشجيع المشروعات المشتركة بين رأس المال اليهودي والصيني.

عقبات أمام الشراكة

بالتأكيد يمثل إطلاق أول رحلة طيران مباشرة بين بكين وتل أبيب “حدثاً بارزاً”، وخطوة رئيسية نحو توثيق العلاقات بين الصين وإسرائيل، إلا أن ذلك لا يعني أن العلاقات بين البلدين سوف تشهد “تحولاً كبيراً” في الأيام المقبلة، حيث توجد العديد من العقبات أمام تنامي هذه العلاقات في المستقبل القريب، لعل من أبرزها ما يلي:

1- ارتفاع الأصوات المعارضة والمتحفظة على تنمیة العلاقات بين البلدين، خاصةً في المجالات الاستراتیجیة، حيث أطلق عدد من القادة العسكریین والأمنیین الإسرائيليين تصریحات یتحفظون فيها على الاندفاع خلف “الدولة العملاقة التي تقیم أقوى تحالفات مع أعداء إسرائیل”، في إشارة إلى الدول العربية وإيران.

وحذر هؤلاء القادة أيضاً من أن تنمية العلاقات مع العملاق الصيني سوف تؤدي إلى إغضاب حلفاء إسرائیل في الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص. وقال أفرایم هلیفي، الرئیس الأسبق لجهاز “الموساد”، إنه قلق من كمیة ونوعیة المشاریع مع الصين، لأنها تعد مساساً بالسیاسة الاستراتیجیة لإسرائیل، مثل تدخل الشركات الصینیة في تخطیط وتنفیذ خط القطار من تل أبیب إلى إیلات، مشيراً إلى أن الصین تقیم علاقات سیاسیة وعسكریة وأمنیة مع إیران وجمیع الدول العربیة.

2- وعي بكين التام بأن تعزيز التعاون مع إسرائيل في الوقت الحالي سوف يضر بعلاقاتها مع عدد من الدول العربية الرئيسية، خاصةً مع تشدد مواقف حكومة نتنياهو، التي تصر على مواصلة الاستيطان والتهويد وحسم مصير الأراضي الفلسطينية المحتلة عبر سياسة الأمر الواقع. كما أن الصينيين ينظرون أيضاً بغضب إلى مواقف الإسرائيليين السلبية من استمرار العلاقات التجارية والعسكرية مع تايوان، وزيارة شخصيات حزبية أو أكاديمية إسرائيلية لها، واستقبال إسرائيل للدلاي لاما.

ختاماً، يمكن القول إن العلاقات الصينية – الإسرائيلية رغم أنها تشهد نمواً متواصلاً، عكسه تسيير خط طيران مباشر من بكين إلى تل أبيب، إلا أن العقبات التي تعترض هذه العلاقات في الوقت الراهن تشير إلى صعوبة وصول هذه العلاقات إلى مستوى “الشراكة المثالية”، التي يرغب رئيس الوزراء الإسرائيلي في الوصول إليها.

ومع ذلك، يمكن للصين اغتنام فرصة قرب حلول الذكرى الخامسة والعشرين لتدشين العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في عام 1992، لمراجعة سياساتها تجاه تل أبيب، بما يضمن ألا يكون التعاون الاقتصادي والسياسي مع إسرائيل على حساب المبادئ والاخلاق الذي تنادي بها السياسة الخارجية الصينية، وفي مقدمتها احترام قرارات الشرعية الدولية وحل المنازعات بالطرق السلمية.

بعبارة أخرى، نأمل ألا يؤثر تنامي العلاقات الصينية – الإسرائيلية بشكل سلبي على تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وأن تلعب الصين دوراً أكبر في تدعيم الاستقرار بالمنطقة، وفي حث الإسرائيليين على التوصل إلى سلام عادل وشامل ودائم وفق قرارات الشرعية الدولية.

د. أحمد قنديل

مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة