تغير محدود: دلالات التقارب الحذر بين واشنطن وأنقرة حول أزمة سوريا

تغير محدود: دلالات التقارب الحذر بين واشنطن وأنقرة حول أزمة سوريا

4605

يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى تقليص حدة التوتر مع تركيا بسبب التباين في التعامل مع تطورات الأزمة السورية، حيث تصر تركيا على إقامة منطقة آمنة بالتوازي مع رفع مستوى تسليح قوى المعارضة من أجل إسقاط نظام الأسد، في حين ما زالت واشنطن تمنح الأولوية لمحاربة تنظيم “داعش” وتعترض على تقديم أسلحة متطورة للمعارضة، وهو ما سوف يضع، على الأرجح، حدودًا لأى تغير محتمل في السياسة الأمريكية تجاه الأزمة السورية.

مؤشرات عديدة:

تتجه كل من واشنطن وأنقرة تدريجيًا نحو تقريب وجهات النظر حول تطورات الأزمة السورية، وهو ما يبدو جليًا في مؤشرات عديدة. فقد أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 3 أبريل 2016، إلى تقارب في المواقف الأمريكية والتركية حول أكراد سوريا، حيث قال أن كلا من نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير الخارجية جون كيري وعداه بعدم السماح بإقامة دولة يُديرها “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي” في سوريا. وقد مثل الموقف من أكراد سوريا أحد محاور الخلاف بين الطرفين خلال المرحلة الماضية، خاصة في ظل حرص واشنطن على دعم دورهم في الحرب ضد “داعش”، في الوقت الذي تتهمهم أنقرة بممارسة أنشطة إرهابية.

فضلا عن ذلك، اتفقت كل من واشنطن وأنقرة، في 26 أبريل 2016، على نشر قاذفات صواريخ أمريكية على الحدود التركية- السورية لمواجهة تهديدات تنظيم “داعش” الذي يقوم بقصف بعض المناطق داخل تركيا، فضلا عن إغلاق منطقة حول بلدة منبج السورية يستخدمها التنظيم لنقل الإمدادات وعبور العناصر الجديدة التي يقوم بتجنيدها.

عوامل مختلفة:

يمكن تفسير هذه الخطوات الأمريكية في ضوء عدد من العوامل الرئيسية. إذ يبدو أن واشنطن تسعى إلى رفع مستوى التنسيق مع أنقرة في الحرب ضد تنظيم “داعش” في سوريا والعراق التي تكتسب أهمية خاصة بالنسبة لها، وهو ما انعكس في اتجاه واشنطن إلى زيادة عدد القوات الأمريكية الخاصة في سوريا إلى 300 عنصر.

كما أن واشنطن تحاول احتواء الخلافات التي تصاعدت مع أنقرة في الفترة الماضية، بسبب الدعم المستمر الذي تقدمه لأكراد سوريا باعتبارهم طرفًا مهمًا في الحرب ضد “داعش”، حيث ترغب واشنطن في عدم خسارة تركيا كحليف لها، لا سيما بعد أن أصبحت تركيا تمارس دورًا رئيسيًا في حل أزمة اللاجئين التي باتت تفرض تداعيات أمنية واقتصادية عديدة على الدول الغربية، بعد أن توصلت إلى اتفاق مع الدول الأوروبية في هذا الشأن.

واللافت في هذا السياق، هو أن هذه الخطوات التي اتخذتها واشنطن توازت مع اتجاه أنقرة إلى محاولة رفع مستوى التنسيق مع الأولى من جديد، في ظل عدم نجاح سياستها في سوريا في تحقيق أهدافها، فضلا عن تصاعد حدة الضغوط التي يفرضها اتساع نطاق الخلافات مع روسيا بسبب إسقاطها للمقاتلة الروسية في نوفمبر 2015.

حدود فاصلة:

لكن رغم هذا التقارب الحذر الذي يبدو جليًا بين الطرفين في الأزمة السورية، فإن ذلك لا ينفي أن ثمة تحديات عديدة قد تحد من تأثيراته المحتملة. إذ أن اقتراب فترة رئاسة أوباما من نهايتها ربما يضعف تدريجيًا من قدرة إدارته على إجراء تغيير رئيسي في هذا الصدد.

 فضلا عن أن واشنطن باتت حريصة على الوصول إلى تفاهمات مع موسكو، بالتوازي مع المفاوضات التي تجري بين وفد المعارضة السورية والنظام السوري في جنيف، بشكل قد لا ينتج تداعيات إيجابية على مصالح أنقرة، في ظل خلافاتها المتعددة مع موسكو، والتي يبدو أنها سوف تستمر في المرحلة القادمة دون الوصول إلى تسوية لها. وقد حرصت واشنطن في هذا السياق على إبداء دعمها للجهود التي تبذلها روسيا من أجل مواصلة تطبيق اتفاق وقف الأعمال العدائية في سوريا من جديد.

كما أن الدعم الأمريكي لأكراد سوريا ما زال مستمرًّا رغم الجهود التي تبذلها تركيا من أجل تقليصه. وقد بدا لافتًا في هذا السياق، أن واشنطن حرصت على تجديد رفضها إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا مرة أخرى، وهو الهدف الذي بذلت تركيا جهودًا حثيثة من أجل تحقيقه، حيث رفض الرئيس أوباما خلال زيارته لألمانيا، في 24 أبريل 2016، الإقدام على تلك الخطوة، معتبرًا أن هذا الرفض ليس مرتبطًا بأسباب “أيديولوجية” بل “عملية”.

وقد أشارت اتجاهات عديدة إلى أن الخلافات الملحوظة في سياسات الطرفين تبدو منطقية إلى حد ما، في ضوء الأهمية التي تبديها كل منهما للأزمة السورية، حيث يبدو أن أنقرة تسعى إلى دفع واشنطن نحو رفع مستوى الانخراط العسكري فيها، في الوقت الذي تحرص فيه الأخيرة على عدم التورط في تلك الأزمة، لاعتبارات لا ترتبط فقط باقتراب فترة الرئيس أوباما من نهايتها، وإنما ترتبط أيضًا بالتداعيات السلبية العديدة التي يمكن أن تفرضها تلك الخطوة على مصالح واشنطن.

ويمكن القول في النهاية، إن واشنطن لا تتبنى حتى الآن استراتيجية واضحة للتعامل مع الأزمة السورية، ويبدو أن ذلك سوف يستمر خلال الفترة القادمة، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهو ما سوف يضع، في الغالب، حدودًا لتوافقها “المؤقت” مع تركيا.

المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية