محنة اللاجئات في الوطن العربي

محنة اللاجئات في الوطن العربي

Refugee-girl_GiftWellness20134-1024x583

عقدت منظمة المرأة العربية من الثالث إلى الخامس من الشهر الجاري مؤتمراً بعنوان «قضايا اللاجئات والنازحات في المنطقة العربية: الواقع والمستقبل»؛ بهدف توفير فهم أفضل لمحنة اللجوء الراهنة، ومن ثم زيادة الفاعلية في مواجهتها، وقد مثل المؤتمر نقلة نوعية في هذا الصدد بفضل النهج الشامل الذي اتبع في إعداده، فقد جمع بين البدء بإجراء دراسة ميدانية رائدة عن المشكلة، وكذلك دراسات أكاديمية في جوانب المشكلة كافة، والاستماع إلى دروس الخبرة العملية من مشاركين على أعلى المستويات الرسمية وفي منظمات المجتمع المدني الوطنية والعربية والدولية، وقد امتد الشمول إلى المشاركين في المؤتمر، إذ تكاد لا تجد دولة عربية إلا وكانت ممثلة فيه إما رسمياً أو من خلال منظمات المجتمع المدني أو على مستوى الخبراء. كما تميز المؤتمر بأنه لم يكن فحسب حديثاً عن اللاجئات، وإنما كان أيضاً حديثاً من اللاجئات اللاتي حضرن المؤتمر وشاركن بفاعلية وجرأة في مناقشاته. وأخيراً وليس آخراً، فإن منظمة المرأة العربية حرصت على أن تشرك معها الجهات ذات الصلة في منظومة العمل العربي المشترك والأمم المتحدة، ولهذا الشمول في نهج المؤتمر كان طبيعياً أن يمثل نقلة نوعية في الاهتمام بمحنة اللجوء الراهنة.

لقد عانى الوطن العربي محنة اللجوء في تاريخه المعاصر منذ نشأة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين في 1948، وعلى رغم أن هذه المحنة تبدو أخطر الحلقات في هذا الصدد بحكم ارتباطها بمشروع استيطاني إحلالي اقتلع شعباً من جذوره، إلا أن المحنة الراهنة تتفرد بأنها الأكبر حجماً والأوسع نطاقاً، فقد اقتصرت محنة فلسطين عليها ولم يصل عدد اللاجئين بعد اكتمال المؤامرة إلى مليون لاجئ بأرقام وكالة الغوث الدولية في عام 1950، أما الآن فنحن نتحدث عن لاجئين من ستة بلدان عربية على الأقل! وباستثناء الحالة الفلسطينية والعراقية بعد الغزو الأميركي للعراق في 2003 فإن باقي مصادر اللجوء قد ترتبت على صراعات داخلية استفحلت في أعقاب ما عُرف بـ«الربيع العربي». ونظراً لأن هذه الصراعات ما زالت قائمة، لم تجد طريقها للتسوية بعد، بل إن احتمالات تصعيدها ما زالت واردة، فإن علينا أن نتوقع أن المحنة باقية معنا لسنوات قد تطول. ومن هنا، الأهمية الاستثنائية لما دار في المؤتمر من مناقشات شاملة واقتراحات خلاقة لا يُمكن لأي مهتم بهذه القضية التي تمس أمن الإنسان العربي وكرامته، وبصفة خاصة المرأة العربية، التي أجمع الكل على أنها الضحية الرئيسة للمحنة والأساس الصلب في مواجهتها في الوقت نفسه، إلا أن يأخذ في اعتباره ما دار في المؤتمر من مناقشات وما طُرح خلاله من رؤى.

وكما اتصف نهج المؤتمر بالشمول، فإن توصياته قد اتسمت بالصفة ذاتها بما في ذلك طابعها العملي، والتوصية الأهم من وجهة نظري تتعلق بضرورة مواصلة الدراسة الميدانية للمشكلة لما ثبت من جدواها الفائقة في تحقيق الهدف من المؤتمر. كما يلفت النظر النهج التنموي الذي دعا إليه المؤتمر في التعامل مع قضية اللاجئات، فليست المسألة مجرد جهود للإغاثة تفقد فاعليتها بنضوب موارد التمويل وإنما تأسيس قدراتهن إلى أن يحين أوان عودتهن. ولا تقل عن ذلك أهمية دعوة المؤتمر لكسر الحاجز النفسي بين اللاجئات والمجتمعات المضيفة لهن وإشراكهن في عملية صنع القرارات المرتبطة بهن. وامتدت توصيات المؤتمر إلى آفاق أشمل بالدعوة إلى تطوير قدرات المنظومة العربية في المجالات كافة التي ترتبط بالتعامل مع المحنة الراهنة سواء في مجال الإغاثة أو مراقبة وقف إطلاق النار في الصراعات المحتدمة عندما يتم التوصل إليه، وكذلك مراقبة الانتخابات وحفظ السلام بعد التوصل إلى التسويات السياسية. وكذلك بتأكيد الحرص على رفع توصيات المؤتمر إلى القمة العالمية للعمل الإنساني التي تُعقد في هذا الشهر والقمة الأممية حول اللاجئين في سبتمبر من هذا العام. وإلى جانب التوصيات بالغة الأهمية للمؤتمر، كانت أيضاً لفتة رائعة أن يُنظم على هامشه معرض لمنتجات اللاجئات السوريات في مصر، ليكون خير شاهد على صمودهن، وأكرم وسيلة لدعمهن في مواجهة المحنة؛ ولهذا كله تستحق السفيرة مرفت التلاوي المديرة القديرة لمنظمة المرأة العربية وفريقها الرائع كل تحية واحترام.

د. أحمد يوسف أحمد

*نقلا عن صحيفة الاتحاد