النزاعات والجوع وجهان لعملة واحدة

النزاعات والجوع وجهان لعملة واحدة

0_433336265

تعقد «منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة» (فاو) هذا الأسبوع في روما مؤتمرها الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا والذي تشارك فيه 30 دولة من موريتانيا إلى إيران ومن تركيا إلى الصومال، وذلك على مدى يومين تجري خلالها مراجعة إنجازات وتحديات وأولويات الأمن الغذائي والتنمية الزراعية المستدامة.

وفي خضم الأوقات العصيبة التي تشهدها حالياً المنطقة، أدت النزاعات والأزمات الطويلة المتكررة إلى معاناة هائلة لسكان المنطقة. وعلى رغم التقدم الذي حققته الدول على المستوى الفردي في بلورة الأهداف الإنمائية للألفية، إلا أن عدد من يعانون نقص التغذية تضاعف بين 1990 و2015، فيما اتسع انتشار نقص التغذية بنسبة 30 في المئة.

وفي الحقيقة، فإن النزاعات والجوع مرتبطان ارتباطاً قوياً. وتظهر الأدلة أن الدول التي تعاني أعلى مستويات انعدام الأمن الغذائي هي الدول الأكثر تأثراً بالنزاعات، كما أن العنف والجوع يدوران في الحلقات المفرغة ذاتها فيؤدي كل منهما إلى الآخر.

في سورية وحدها، يوجد نحو 6.5 مليون نازح، بينما فر أكثر من 4.8 مليون آخرين إلى الدول المجاورة حيث أصبحوا لاجئين، وتزايدت أعداد الفارين منهم إلى أوروبا. أما نصف عدد السكان الذين بقوا في البلاد فهم في حاجة إلى مساعدات غذائية.

وقدرت قيمة الأضرار التي لحقت بالثروة الحيوانية في سورية بنحو 70 بليون دولار. وكانت للنزاع آثار مدمرة على هذا البلد الذي خسر نصف ثروته الحيوانية، بينما يكاد إنتاجه الزراعي لا يصل إلى 40 في المئة من مستوياته قبل الأزمة. وتحمل الأزمة السورية الدول المجاورة تكاليف باهظة. فبالنسبة إلى لبنان، وصلت كلفة إيواء اللاجئين السوريين إلى 1.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي سنوياً بسبب الخسارة في التجارة والتأثيرات السلبية في السياحة والبنى التحتية. أما الأردن، فيشارك موارده الطبيعية حوالى مليون لاجئ سوري إضافة إلى اللاجئين الذين فروا كذلك من العراق وغزة في وقت سابق.

ويحدث كل ذلك في منطقة تعتبر من الأكثر جفافاً في العالم وتواجه تصاعداً غير مسبوق في ندرة المياه. فمعدل توفر المياه العذبة لكل شخص لا يتعدى 10 في المئة من المعدل العالمي، ويُتوقع أن ينخفض في شكل أكبر نتيجة تزايد الاحتياجات وتأثيرات التغير المناخي.

سيواصل انعدام الأمن الغذائي وندرة الموارد الطبيعية والبطالة والهجرة إضافة إلى فقر المناطق الريفية تأثيره السلبي في زعزعة الاستقرار والسلام، إذا لم تُطبَّق حلول مستدامة في شكل عاجل. وهذا هو ما يحدد عمل «فاو» مع الدول الأعضاء فيها في المنطقة.

ومعاً أطلقنا مبادرات إقليمية لمعالجة تحديات ندرة المياه وانعدام الأمن الغذائي وبناء الصمود في الأزمات ومعالجة الأسباب الجذرية لفقر المناطق الريفية والبطالة بين النساء والشباب. وحان الوقت لإعطاء الأولوية للاستثمار في صمود المزارعين والمجتمعات الريفية.

ويجب علينا أن نستثمر في شكل كبير في البنى التحتية والثروة البشرية والحماية الاجتماعية في المناطق الريفية، وتأمين الظروف لتنويع مصادر النمو الاقتصادي، وسد الفجوة المكانية في انعدام المساواة ووقف ديناميكيات الهجرة.

ويجب أن نضع استراتيجيات شاملة لتخفيض الفقر المدقع في المناطق الريفية لدعم الأسر الزراعية وزيادة إنتاج الحيازات الصغيرة والربط بينها وبين الأسواق وتحسين مهنية منظمات المنتجين. ويجب علينا وقف زيادة ندرة المياه من خلال تعزيز حوكمة قطاع المياه وتعزيز دور المزارعين والمجتمعات في إدارة المياه، وزيادة توافر التكنولوجيا وأفضل الممارسات الزراعية التي تحسن إنتاج المياه الزراعية وتحافظ على جودة المياه.

لإقليم الشرق الأدنى والشرق الأوسط القدرات على الخروج أقوى من سلسلة الأزمات والنزاعات الحالية. ونجحت دول في الأقاليم الأخرى في الماضي في تحقيق ذلك على رغم كل الصعوبات. ويتطلب ذلك عملاً مشتركاً لاستعادة الثقة وبناء رؤية مشتركة بين الدول الأعضاء في الإقليم. ويحتاج إلى دعم جميع شركائنا وأصدقائنا، ومنظمة «فاو» ملتزمة بالقيام بدورها لدعم هذه المساعي.

جوزيه غرازيانو دا سيلفا

*المدير العام لـ «منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة» (فاو)

نقلا عن الحياة