معركة الفلوجة رهن المزايدات السياسية والحسابات الطائفية

معركة الفلوجة رهن المزايدات السياسية والحسابات الطائفية

_80089_ira3

تتواتر أنباء مروّعة بشأن الوضع الإنساني داخل مدينة الفلوجة العراقية الواقعة تحت سيطرة تنظيم داعش والمحاصرة من الخارج من قبل القوات الحكومية وميليشيات الحشد الشعبي، دون ظهور بوادر عن بدء عملية استعادتها من التنظيم رغم مضي أكثر من شهر على إعلان لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي أوائل أبريل الماضي عن “قرب تحرير المدينة شبه الساقطة عسكريا” بحسب توصيف اللجنة ذاتها.

ويعاني سكان المدينة نقصا حادّا في مختلف مستلزمات الحياة من غذاء ودواء، ويتعرّضون بشكل مستمر لضغط شديد من عناصر تنظيم داعش لمنعهم من المغادرة والإبقاء عليهم دروعا بشرية.

واشتدّ ذلك الضغط بعد فشل انتفاضة مسلّحة حاول شبان بعض العشائر القاطنة بالفلّوجة تفجيرها بوجه داعش في فبراير الماضي، حيث تمكّنوا من السيطرة على أجزاء من أحياء الجولان والنزال والعسكري مع تسرّب أنباء إليهم بأن القوات العراقية تستعد لهجوم شامل على المدينة وهو ما لم يتم ليجد المنتفضون أنفسهم بمواجهة داعش وهم عزّل بعد نفاد ذخائرهم ما سهّل على التنظيم اعتقال العشرات من الشبان وإعدام أغلبهم.

وحسب مطّلعين على الأوضاع في الفلّوجة، فإن تلك الانتفاضة رغم ما انطوت عليه من مقامرة خطرة، جاءت انعكاسا للأوضاع المأساوية التي يعانيها السكان المحاصرون وحالة اليأس التي وصلوا إليها، والتي تعكسها كثرة حالات الانتحار في صفوفهم.

ودشّن تنظيم داعش بداية هذه الأسبوع حملة اعتقال جماعي للعوائل ببعض ضواحي المدينة بهدف نقلهم إلى داخلها للاحتماء بهم بعد رصده تحركات عسكرية حول الفلوجة أوحت بقرب هجوم القوات الحكومية والميليشيات الشيعية عليها.

وكشف مدير مركز شرطة العامرية عارف الجنابي عن انتحار امرأتين من قرية البوهوى بجنوب الفلوجة بعد رفضهما الاستسلام للتنظيم وإخلاء منزليهما والانتقال إلى مركز المدينة.

ومن جهته قال الشيخ محمد نوري نائب رئيس مجلس علماء الرباط المحمدي -مجلس علماء دين في محافظة الأنبار-لـ”العرب” إن “مدينة الفلوجة باتت مقطوعة الطرق من كل مكان، وأن سكانها يواجهون مجاعة كبيرة”، مضيفا أن المدنيين وقعوا أسرى بين داعش من جهة والقوات العراقية من جهة مقابلة.

ويضاعف معاناة السكان ما تتعرض له بعض الأحياء من قصف عشوائي بالمدافع والطائرات “تمهيدا لاقتحام المدينة”، وفق ما تعلنه القوات العراقية بشكل متكرّر.

ولا يبدو لمراقبين مبرّر الخوف على المدنيين سببا مقنعا لتأخير عملية استعادة مدينة الفلّوجة من يد تنظيم داعش، على اعتبار أنّ مدنا عراقية أخرى لم تكن أفضل حالا من هذه المدينة لجهة استحكام مقاتلي التنظيم بداخلها وتفخيخهم عددا كبيرا من مبانيها، وهو ما لم يمنع القوات الحكومية وميليشيات الحشد الشعبي من الزحف عليها على غرار مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين ومدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار التي يدلّ حجم الدمار الذي لحقها جرّاء عملية اقتحامها واستعادتها على مقدار تحصّن داعش داخلها.وعلى هذه الخلفية تتواتر الشكوك بشأن وجود دوافع سياسية، وحتى نوازع طائفية، وراء ترك أهل الفلوجة لمصيرهم وإطالة معاناتهم.

وأشار إلى ذلك بشكل صريح، المتحدث الأمني باسم الحشد الشعبي يوسف الكلابي بقوله “إن هناك فيتو سياسيا من قبل البعض على تحرير الفلوجة” بحسب ما نقل عنه الأربعاء موقع السومرية الإخباري.

ولم يشرح الكلابي ماهية هذا الفيتو ودوافعه، لكنّ مطّلعين على الشأن العراقي يؤكّدون أنّ الحشد الشعبي بحدّ ذاته جزء من تعطيل قرار بدء معركة الفلّوجة الفاصلة، بفعل إصرار قادته على الزج به في المعركة، فيما ترفض جهات سياسية محسوبة على الطائفة السنية، وأخرى تنتمي لعشائر الأنبار دخول الميليشيات الشيعية المكوّنة للحشد المدينة التي تعتبر مركزا للتدين السني في العراق، وقطبا لمعارضة حكم الأحزاب الشيعية التي جاءت بها العملية السياسية التي أطلقها الاحتلال الأميركي والذي كانت الفلوجة أيضا مركزا كبيرا لمقاومته والتصدّي له.

وباتت الولايات المتحدة بحدّ ذاتها متحكّمة في زمام الحرب على داعش في العراق، وفي تحديد مواعيدها ومن يشارك فيها. وقال ناشط عراقي على مواقع التواصل الاجتماعي “إنه لو كان لواشنطن أن تختار موعدا لتخليص الفلّوجة من داعش لاختارت أن تترك سكانها إلى الأبد في قبضة هذا التنظيم”.

وترى شخصيات محلّية من الأنبار أنّ التعويل على عشائر المحافظة في استعادة الفلّوجة سيكون ناجعا في كسب المعركة بأخف الأضرار.

وأكّد الشيخ خضير الراشد عضو مجلس ناحية عامرية الفلوجة لـ“العرب” أن “الحشد الشعائري والجيش في العامرية بانتظار الأوامر للتقدم باتجاه الفلوجة لاستعادة الأرض وتخليص الناس من داعش”.

صحيفة العرب اللندنية