حلب.. استنزاف ينتظر التسوية

حلب.. استنزاف ينتظر التسوية

Untitled-1-450
مدينة حلب التي قدّمها الناشطون إلى العالم على شكل لصاقة حمراء قانية، وتحذير بسيط، لكنه عميق وجاد، يقول “حلب تحترق”، واقعة تحت وابل من الحمم يصبّها جيش النظام كيفما اتفق، تقابله رشقاتٌ مضادّة تفتقر إلى التركيز.
أراد النظام أن تكون هذه الهجمات بدايةً لمعركةٍ سخّر لها إعلامه وأبواقه، وحشد لها الجانب الإيراني بقوة وكثافة، وسط ركود وترقب روسي، ضغطوا خلاله على النظام، لقبول هدنةٍ جديدة في حلب. لم يحترم الهدنة أحد، لكن المعركة التي يشتهيها النظام وإيران لم تبدأ بعد.
حلب بموقعها المهم المتاخم للحدود التركية، ووقوفها على مفترق الطريق الواصل إلى الرقة، وإشرافها الجغرافي على المناطق الكردية، وسمعتها التاريخية والصناعية العريقة، تمثل موقفاً تفاوضياً، تهرول كل الأطراف للإمساك به، بعد أن أصبح معروفاً أن المجتمع الدولي يسعى إلى ما يشبه تسويةً، توزَّع فيها السلطة بين أمراء الحرب، ويُسوق هذه التسوية بمسمى “الحل السلمي”.

يرغب الائتلاف الواقع تحت تأثيرات وضغوط كثيرة أن تكون حلب كلها تحت سيطرة كتائب معتدلة، ليدخل إلى قاعة المفاوضات “بعين قوية”، تساند الأحقية الأخلاقية التي يمتلكها، والنظام لا يكف عن اللف والدوران والتحليق حول فكرةٍ وحيدة، هي تمديد سنوات بشار الأسد في السلطة، ووجود مدينة مثل حلب في جيب بشار الجعفري ستعطيه دفعةً بلاغيةً جديدةً في أثناء المفاوضات. لذلك، ارتفعت حرارة جبهة حلب مع الاستعداد لبدء فصل حواري جديد.
توضح نتائج المعارك الفاصلة في الصراعات المحلية، عادةً، قبل بدء إطلاق الرصاص، مثل معركة اليرزة في العام 1990، والتي جرى بعدها إسقاط ميشيل عون وتسليم لبنان لحافظ الأسد في عمليةٍ “سوّيت” فيها الحرب الأهلية اللبنانية. تتم هندسة مثل هذه النتيجة في غرف الفنادق الجانبية، حيث تتفق الأطراف الراعية للصراع على شكل النهاية المتوقع.
لا يبدو المناخ السياسي، ولا حتى الاقتصادي، ملائماً لعقد اجتماع التسوية، فهذا يحتاج إلى توافق وثيق وعميق، وربما نهائي، بين الولايات المتحدة وروسيا. ومن غير المحتمل أن يتم مثل هذا التوافق في الفترة المتبقية لحكم الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ويتطلب إنجاحه بذل جهد إقليمي من تركيا والسعودية، وهما دولتان أساسيتان في المحور المتمسك برحيل الأسد في أقرب فرصة ممكنة.
قد يتطلب الأمر، أيضاً، رسم خرائط لخطوط التماس بين الكتائب المعتدلة وجبهة النصرة، والفصل النهائي بينها، وهذه مهمة معقدة أخرى، تحتاج إلى معارك صغيرة، قبل المعركة الكبرى لحسمها، وإن لم تنجز بشكل داخلي، قد يقوم مجلس الأمن بتسويتها، وقد يُسمح للطائرات الروسية بقصف مواقع “النصرة”، وهي محطة عسكرية مفجعة جديدة في الطريق إلى المعركة “التسوية”. وربما جاء رفض إدراج “أحرار الشام” ضمن المنظمات الإرهابية واحداً من ملامحها. ويعاني جانب النظام من مصاعب في تدمر التي يبدو الحفاظ عليها عمليةً أصعب بكثير من دخولها، وقد تحاصَر قواته في داخلها، إن نجح تنظيم الدولة الإسلامية في قطع طريق حمص، وأحكم السيطرة على حقول شاعر الغازية.. كما لا يبدو الجانب الإيراني على وفاق تام مع الروس، وقد تكون خسائره الفادحة في خان طومان من أشكال الخلاف. وروسيا التي أبدت رغبة بإبقاء وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، راضياً أطول فترة ممكنة، لا تبدو متشجعةً لدخول معركة حسم، أما كيري فلا يخفي رضىً عن بقاء الروس في حالة استنزاف سورية دائمة، عبر عنها رئيسُ دولته. لا يؤمّن هذا التشكيل العسكري السياسي المشوّش قاعدة الحد الأدنى المطلوب لخوض معركةٍ عسكريةٍ ناجحة، وانتظار جميع الأطراف لشروط بدء جديدة أمرٌ شبه محتم.
حتى ذلك الوقت، سيبقى الحال على ما هو، وسيساعد هذا الوقت الضائع على تفريغ المدينة من أهلها الذين تقول تقارير إن من بقي منهم لا يزيد عن ثلاثمئة ألف شخص، ما يعني أن الحسم ستقتصر إنجازاته على احتلال الخراب الذي تركه الحلبيون وراءهم.

فاطمة ياسين
صحيفة العربي الجديد