من الذي قتل القائد العسكري لـ«حزب الله» في سوريا؟

من الذي قتل القائد العسكري لـ«حزب الله» في سوريا؟

16qpt999

اعتاد جمهور «حزب الله» نسبة كل ضربة يصاب بها الحزب إلى إسرائيل، فالصراع الاستخباراتي والعسكري بين الجهتين معلوم، واستمرّ لسنوات طويلة، وكانت حرب تموز/يوليو 2006 نقطة رئيسية فيه.
ضمّت قائمة الاغتيالات شخصيات كبيرة مسؤولة عن الجانب العسكري والأمني للحزب كان على رأسها عماد مغنيّة، القائد الشهير، الذي قُتل في دمشق عام 2008.
جرت بعد ذلك عدة ضربات موجعة لقادة آخرين هم حسان اللقيس الذي تمت تصفيته، بحسب مصادر الحزب، بعملية أمنية عام 2013، وجهاد مغنية، الذي قتل برفقة جنرالات إيرانيين عام 2015 بغارة جوّية إسرائيلية، وسمير القنطار الذي اغتيل في الشهر الأخير من العام نفسه في منطقة جرمانا القريبة من العاصمة السورية.
حظي مقتل مصطفى بدر الدين، صهر عماد مغنيّة، والقائد العسكريّ المخوّل إدارة الجبهة السورية، الثلاثاء الماضي، بداية، بالإعلان المعهود من الحزب عن مسؤولية إسرائيل، لكن نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم طلب إمهال التنظيم ساعات لتبيّن الأمر، ثم تبع ذلك صدور بيان جديد للحزب يوم السبت الماضي اتهم «التكفيريين» (من دون تحديد أي جهة منهم بالتحديد) بقتل بدر الدين بقصف مدفعي.
البيان الأخير كذّب عمليّاً ما ذكرته صحيفة تابعة للحزب نشرت تقريرا تحدثت فيه عن أن بدر الدين قتل بصاروخ موجّه شديد التطور يعمل «وفق آلية تجعل منه أقرب إلى القنبلة الفراغية»، واستند تقرير الصحيفة إلى أن القتيل لم تبد عليه الإصابات التي تنتج عن انفجار بل مجرد نزف في الأنف والعينين.
تغيير إفادة الحزب عن المتسبّب بقتل بدر الدين والبلبلة التي أثارها تقرير الجريدة المذكورة ساهمت في نشر الغموض وخصوصا بسبب التناقض في روايات الحزب، ومنها أن انفجاراً ضخماً وقع في مكان الحادث، ثم تم تغيير الرواية بالحديث عن قذيفة، وكذلك ما ذكره عن مقتل القائد العسكري وحده رغم وجوده مع مجموعة من المقاتلين.
وإذا عطفنا هذه المعلومة على أن أقرب نقطة للمعارضة السورية تبعد 8 إلى 10 كيلومترات عن موقع الاغتيال، وهي لا تملك عملياً مدافع تصل إلى هذا المدى، إضافة إلى ضرورة أن يملك القاصفون الإحداثيات الدقيقة تماماً لموقع يُفترض أن يكون فائق السرّية، نكون قد وقعنا على معادلة بعدّة مجهولات لا يمكن للفرضيّات العسكرية وحدها أن تحلّها.
للأسباب الآنفة فإن حلّ شبكة الألغاز يمكن أن يكون سياسيّاً وليس أمنيّاً فحسب، وتقع في صلب هذا الحلّ وقائع مهمّة جدّاً.
أول هذه الوقائع هو اختلاف الأولويات في الاستراتيجيات الثلاث للنظام السوريّ وحليفيه الروسيّ والإيراني، والذي كان إعلان انسحاب جزء من القوّات والطائرات الروسية بعضاً من علاماته، والذي تبعه، مباشرة، نقل وحدات من «الحرس الثوري» الإيراني وبعض الميليشيات التابعة له إلى سوريا كشكل من أشكال التعويض العسكري الذي يؤكّد على اختلاف واضح في رؤية البلدين المختلفين أيديولوجيا وعسكرياً وسياسيا، كما تدخل فيه ما يتمّ تناقله أحياناً من خلافات بين «حزب الله» وقادة النظام، والتي كان «ترفيع» ماهر الأسد أحد حلقاتها، وما يقال عن وجود سجون «شيعيّة» في سوريا تمارس أوامر اعتقالاتها وطقوس تعذيبها الخاصة التي لا تتقاطع بالضرورة مع مصالح أجهزة النظام.
ويجيء استهداف إسرائيل المتكرر والناجح لقادة «حزب الله» رغم وجود منظومة الدفاع الصاروخي إس 400 الروسية ليرفع سقف الأسئلة ويوسّع شقّة الخلافات بين الأطراف الثلاثة، كما أنه يوجّه الشكوك على وجود تنسيق أمنيّ للروس (أو للطرف المقرّب منهم داخل النظام) مع الإسرائيليين يوفّر الإحداثيات لعمليات الاغتيال.
أيّا كانت الأجوبة على شبكة الألغاز فالحقيقة التي تكشفها وقائع الاغتيالات المتتالية هذه أن قادة «حزب الله» ليسوا آمنين على أرواحهم داخل سوريا وهذا يوضح عمق المأزق الذي أوقع الحزب اللبناني نفسه فيه.

صحيفة القدس العربي