ترامب مرشحًا للرئاسة الأميركية ..المعنى والتداعيات

ترامب مرشحًا للرئاسة الأميركية ..المعنى والتداعيات

349
مع إعلان دونالد ترامب مرشحاً للانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجري في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، يقف الحزب الجمهوري على مفترق طرق، قد يسفر عن انقسامه وتشرذمه، جرّاء سيطرة “الشعبوية” عليه. ولا تتوقف تداعيات احتمال أن يصبح ترامب رئيساً على حزبه وعلى الولايات المتحدة، بل قد تشمل العالم كلّه، خصوصاً مع حديث ترامب عن إعادة تعريف الدور الأميركي عالمياً، وإعادة صوغ أسس العلاقة مع الخصوم والحلفاء، على حدٍ سواء.
ومن المفترض أن يصبح ترامب مرشحاً عن الحزب الجمهوري، بعد فوزه في انتخابات ولاية إنديانا التمهيدية في الثالث من أيار/ مايو الجاري، وانسحاب آخر منافسيه، السيناتور عن ولاية تكساس، تيد كروز، وحاكم ولاية أوهايو، جون كيسيك. وبانسحاب كلٍ من كروز وكيسيك، تكون رهانات مؤسسة الحزب التقليدية Establishment لوقف صعود ترامب قد سقطت؛ وللتخلص منه عبر صفقات سياسية، سعت مؤسسة الحزب إلى منع ترامب من الحصول على 1237 مندوباً يحتاج إليهم ليكون مرشحاً رسمياً عن الحزب، في مؤتمر مفتوح Contested Convention في كليفلاند/ أوهايو، في شهر تموز/ يوليو المقبل.

استحواذ على الحزب الجمهوري
بحسب بعض المراقبين، تمثّل الانتخابات التمهيدية في الحزب الجمهوري “استحواذ” أقصى اليمين و”الشعبويين” على واحدٍ من الحزبين الأساسيَين في الولايات المتحدة؛ فترامب الذي كان ديمقراطياً وذا مواقف متقلّبة من القضايا الجوهرية لدى الحزب الجمهوري، حق الإجهاض

مثلًا، تمكّن من تقمّص غضب “الأميركي الأبيض” ذي الميول الجمهورية تجاه الهجرة والمهاجرين والاقتصاد والديمقراطيين ومؤسسة الحزب الجمهوري التقليدية التي يراها أقصى اليمين في الحزب متواطئةً مع الديمقراطيين وإدارة الرئيس باراك أوباما. ليس ترامب محافظاً أيديولوجياً، ولا محافظاً جديداً، بل هو سياسي وصولي شعبوي، يخاطب غرائز الجمهور المناهض للديمقراطيين ومخاوفه الدفينة من تغيّر طابع الولايات المتحدة. ولذلك، فإنّ خطابه غير متّسق. وما يجمع بين تصريحاته كلّها ليس فكراً وبرنامجاً موحّدا، بل هو منطق الرجال في الحانة ومكان العمل، وتذمّرهم من السياسيين، ونفورهم من المثقفين. إنّه يتملق مشاعر الجمهور الأبيض من الطبقتين المتوسطة والدنيا؛ ذلك الجمهور الذي يحمل مواقفَ محافظة، لا يعبّر عنها بصراحة. لقد ترشّح للانتخابات رجل أعمال لا يتردد في التعبير، بصراحةٍ تامةٍ، عمّا يجول في خواطرهم، وما يفكّرون فيه في دواخلهم. ويذهب مراقبين إلى تشبيه انتصار ترامب وتيار “الغضب الأبيض” بين كبار السن من الذكور الأميركيين، بتنامي نسبة التأييد للحركات اليمينية في أوروبا. وهو ما أطلق أجراس الإنذار في الولايات المتحدة والعالم، خصوصاً وأنّ ترامب لم يُخفِ مشاعر العداء نحو الأقليات غير البيضاء، كالسود واللاتينيين والمسلمين. ويَعدُ ترامب تلك الشريحة اليمينية “الشعبوية” التي استحوذت على الحزب الجمهوري بمزيدٍ من الحمائية التجارية على الصعيد الداخلي، والانعزالية السياسية على المستوى الدولي، غير أنّ خطابه “الشعبوي” اليميني المتطرف قد يؤدي إلى انفضاض جزءٍ كبير من القاعدة المعتدلة للحزب عنه.

انقسام الجمهوريين

على الرغم من أنّ ترامب هو المرشح المفترض للحزب رسمياً اليوم، فلم يَعْن ذلك تسليم المؤسسة التقليدية للحزب وقياداته بهذه الحقيقة المُرَّة؛ إذ ثمة انقسامٌ واضح بين من يرون أنّ ترامب سيلحق ضرراً لا يمكن إصلاحه بالحزب وصورته، وأولئك الذين يرون أنّه نال التفويض الحزبي، ومن ثمّ، ينبغي دعمه. وكان من اللافت أن يعلن أكبر مسؤول في الحزب الجمهوري، بول راين رئيس مجلس النواب، الأسبوع الماضي، أنّه “غير مستعد بعد” لدعم ترامب، إلّا بشروط تتمثّل بالعمل على “توحيد الحزب” الجمهوري، واحترام قيم الحزب ومواقفه، وتراجعه عن التصريحات المستفزة. وقد ردّ ترامب على تصريحات راين بالقول إنّه غير مستعد أيضاً لدعم “أجندة” راين بوصفه رئيساً لمجلس النواب، وأعلن أنّه ليس في حاجةٍ إلى توحيد الحزب الجمهوري للفوز في الانتخابات الرئاسية، مذكّرًا إياه بأنّه هو من يمثّل خيار الناخبين الجمهوريين، وبأنّه فاز في الانتخابات التمهيدية، على الرغم من معارضة المؤسسة التقليدية للحزب. وقد دفع هذا التجاذب راين إلى إعلان استعداده للتنازل عن رئاسة المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في كليفلاند في شهر تموز/ يوليو المقبل. وسيُعلن ترامب، في هذا المؤتمر، مرشحًا رسميًا للحزب، غير أنّ ترامب وراين خفّفا من حدة لهجتيهما ضد بعضهما لاحقاً.
ويرى مراقبون أنّ موقف راين هو محاولة لإيجاد غطاء لكثيرين من أعضاء مجلس النواب الجمهوريين الذين يخشون الترشح على القائمة الجمهورية في دوائرهم، وفي مقدمتها ترامب، والترشح على قائمة جمهورية يكون هو عنوانها لضمان المحافظة على الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب الأميركي، غير أنّ خلاف ترامب – راين لا يتوقع أن ينتهي قريبًا، خصوصاً وأنّ حاكمة ولاية ألاسكا السابقة، الجمهورية سارة بيلين، المؤيدة ترامب، أعلنت أنّها ستدعم مرشحاً منافسًا لراين في دائرته في ولاية ويسكونسن.
وأعلن رئيسان جمهوريان سابقان، هما جورج بوش الأب وجورج بوش الابن، مقاطعتهما

مؤتمر الحزب الوطني هذا العام، احتجاجاً على تسمية ترامب مرشحاً عنه. وأعلن، أيضاً، مرشحان رئاسيان سابقان عن الحزب، هما السناتور جون ماكين وميت رومني، عزوفهما عن المشاركة في مؤتمر الحزب. وأعلن منافسون سابقون لترامب في الانتخابات التمهيدية أنّهم لن يصوّتوا له؛ مثل حاكم ولاية فلوريدا السابق، جيب بوش، والسيناتور عن ولاية شمال كارولينا، ليندسي غراهام. أمّا المرشح الخاسر، السيناتور عن ولاية فلوريدا، ماركو روبيو، فقد أعلن أنّه لن يقبل أن يكون مرشحاً بوصفه نائباً رئيسًا لترامب. ويبدو أنّ تيد كروز يرفض أن يسمح للمندوبين الذين يمثّلونه في المؤتمر بالانضواء تحت حملة ترامب.
في المقابل، ثمة أعضاء بارزون في الحزب الجمهوري أعلنوا دعمهم ترامب مرشحاً للحزب، يتقدمهم نائب الرئيس الأميركي السابق، ديك تشيني، ورئيس الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، والمرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري عام 1996، بوب دول، وحاكم ولاية تكساس السابق، ريك بيري.

حزب ثالث

أمام فشل مؤسسة الحزب التقليدية في التخلّص من ترامب في الانتخابات التمهيدية، فإنّ عددًا من أعمدتها ورموزها أعاد إحياء مخططٍ سابقٍ يقوم على تشكيل حزبٍ ثالثٍ يقدّم مرشحاً رئاسياً محسوباً على التيار السائد في الحزب الجمهوري، وينضوي تحته عددٌ من أعضاء الكونغرس الجمهوريين، بمجلسيه، غير الراغبين في الترشح في قائمةٍ يرأسها ترامب. ويتزعم هذا الاتجاه كلٌ من ميت رومني، وعضو مجلس الشيوخ عن ولاية نبراسكا، بن ساس، والكاتبان المحافظان، وليام كريستول وإريك إريكسون، غير أنّ أصحاب هذا الخيار لم يجدوا بعد شخصاً وازناً يقبل الترشح لمنصب الرئاسة منافساً لترامب، وللمرشحة الديمقراطية المفترضة، هيلاري كلينتون؛ فرومني وساس مترددان في قبول ذلك، على الرغم من أنّهما من أنصار الفكرة. أضف إلى ذلك أنّ ثمة شكوكًا تثار حول ما إذا كان يمكن تسجيل أيّ مرشح ثالث الآن في خمسين ولاية؛ إذ لم يتبق إلّا بضعة أشهر على الانتخابات الرئاسية.

حاجة ترامب إلى مؤسسة الحزب الجمهوري
على الرغم من مزاعم ترامب عن قدرته على الفوز في الانتخابات الرئاسية من دون دعم الحزب الجمهوري، فإنّ ذلك يبدو غير ممكن من دون دعم البنية التحتية، المالية والسياسية، للّجنة الوطنية للحزب الجمهوري؛ فقد أنفقت حملة ترامب إلى اليوم مثلًا نحو 40 مليون دولار، معظمها من ثروته الشخصية. وبحسب ترامب نفسه، فإنّ حملته في حاجة إلى نحو مليار ونصف المليار دولار للانتخابات العامة. ولذلك، هو في حاجة إلى دعم الحزب. وعلى الرغم من أنّ مسؤولين في حملته يعكفون، الآن، مع مسؤولين في اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، على صوغ اتفاقٍ لجمع الأموال المشتركة للّجنة وحملته الرئاسية، فلا يعني ذلك أنّ العقبات أمام حملة ترامب ستذلَّل بسهولة؛ فالفترة المتبقية للانتخابات العامة ستة أشهر. وهي مدة غير كافية لجمع مبالغَ طائلة تتطلبها الحملات الرئاسية؛ والأهم أنّ انقسام مؤسسة الحزب حول ترامب يجعل تحقيق الهدف المالي الذي تسعى إليه حملته أمراً صعباً. ويتردد كثيرون من داعمي الحزب الجمهوري التقليديين في تقديم أيّ تعهدات مالية لحملة الحزب الرئاسية هذا العام بسبب ترامب؛ ومن هؤلاء شبكة “الأشقاء كوش” التي كانت تعهّدت بتسعمائة مليون دولار لحملة الحزب الرئاسية، غير أنّها الآن تربط أيّ دعم تقدّمه بتغيير ترامب أسلوبه وخطابه.
فوق ذلك، تحتاج حملة ترامب إلى بنية الحزب التحتية للمنافسة في الولايات المختلفة، خصوصاً الولايات الترجيحية، كأوهايو وفلوريدا؛ فحملة ترامب غير تقليدية موجّهة لجمهور الحزب، وقد نجحت في استقطاب القاعدة اليمينية داخله، معتمدةً على شهرته وتصريحاته النارية، وليس على مؤسسة، غير أنّ ذلك لن يكفي في الانتخابات العامة التي سيحتاج فيها ترامب إلى الاعتماد على البنية التحتية للحزب، وموظفيه، ومتطوّعيه، وبياناته، إن أراد الفوز بالرئاسة.
احتمالات فوز بالرئاسة
على الرغم من كلّ الانقسامات التي يعانيها الحزب الجمهوري بسبب ترامب، فذلك لا يعني أنّ

هيلاري كلينتون، بوصفها مرشحة مفترضة عن الحزب الديمقراطي، ضمنت الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ فكلينتون وترامب من أقل المرشحين الرئاسيين في تاريخ الولايات المتحدة شعبيةً، من حيث نظرة الناخبين السلبية لهما. إضافةً إلى أنّ كلينتون والديمقراطيين سيواجهون في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل مرشحاً من نوع مختلف، يصعب التكهّن بمواقفه، أو تكتيكاته الانتخابية، أو اللغة التي سيستخدمها. وقد أثبتت الانتخابات التمهيدية أنّ أياً من التصريحات النارية والمسيئة الصادرة عنه لم يؤثّر في حظوظه، بل على العكس، عزّزها. فضلًا عن ذلك، تبدو كلينتون أيضاً عاجزة عن توحيد حزبها وراءها، وهي لا تثير حماسة القاعدة الانتخابية الديمقراطية. وقد عبّر عن هذه المعطيات استطلاعٌ أجرته، أخيراً، جامعة كوينيبياك، أظهرت نتائجه أنّ كلينتون وترامب متعادلان تقريبًا في ثلاث ولايات ترجيحية حاسمة؛ هي فلوريدا وبنسلفانيا وأوهايو. وعلى الرغم من أنّ كلينتون متقدمة بين النساء على المستوى الوطني، وفي تلك الولايات الثلاث، فترامب متقدّم بين الرجال البيض على المستوى الوطني، وفي الولايات الثلاث. أضف إلى ذلك أنّ ترامب يتقدم عند السؤال عن الأقدر على التعامل مع الاقتصاد والإرهاب، في حين أنّ كلينتون متقدمة عند السؤال عن الذكاء والمعايير الأخلاقية، وامتلاك الرصانة للتعامل مع الأزمات الدولية.
صحيح أنّ المعادلة الديمغرافية الانتخابية الأميركية في مصلحة كلينتون مبدئيًا؛ فغالبية الأقليات من السود واللاتينيين وغيرهم، إضافةً إلى النساء، تؤيّدها، غير أنّ ترامب يحقق اختراقات مهمة بين هؤلاء أيضاً، وقد يجتذب ديمقراطيين مؤيدين للسيناتور عن ولاية فيرمونت، بيرني ساندرز، بسبب معارضتهم اتفاقات التجارة الدولية التي أيّدتها كلينتون. ومن هنا، فإنّ أيّ حديث عن فوزٍ مضمون للديمقراطيين يبدو غير واقعي، مع بقاء الأفضلية لكلينتون.

خلاصة
في انتظار ما ستسفر عنه نتائج الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، يقف الحزب الجمهوري، ومعه الولايات المتحدة، وربما العالم، على مفترق طرق. وكان لافتًا للنظر أن يسارع بعض زعماء العالم الذين سخروا من ترامب، في الأمس، إلى محاولة تعديل نبرتهم نحوه بصورة أكثر تصالحية؛ كما فعل رئيس وزراء بريطانيا، ديفيد كاميرون، في ما يتعلق باستنكاره مقترحه منع المسلمين من دخول أميركا، ورئيس المكسيك السابق، فيسينتي فوكس، في ما يتعلق ببناء سورٍ على الحدود مع المكسيك والولايات المتحدة، وبخصوص تصريحاته المتكررة عن التجارة بين الصين والولايات المتحدة.
يتبنّى ترامب مقاربة سياسية خارجية أكثر انعزاليةً مقارنةً مع ما هي عليه اليوم تحت إدارة أوباما، أو ما كانت عليه تحت إدارة سلفه الجمهوري، جورج بوش، وهو ما يثير قلق الحلفاء الأميركيين؛ الأوروبيين والآسيويين والشرق أوسطيين. وفي خطاب له، أواخر شهر نيسان/ أبريل الماضي، تطرّق فيه إلى ملامح السياسة الخارجية الأميركية تحت إدارته، طالب ترامب هؤلاء الحلفاء بأن يقدّموا مزيداً من المساهمة، وتحمّل الأعباء مع الولايات المتحدة، إن كانوا يريدون الاستمرار في الاعتماد على مظلتها الحمائية. وهذا لا يوضح الكثير ممّا يريده هذا الرجل على المستوى الدولي.
مع إمكانية وصول ترامب إلى كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، قد يتحوّل الكابوس الذي كانت تخشاه أميركا والعالم، قبل أسابيع قليلة، إلى حقيقة.

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات