الآمن في العراق: غياب الاداء والمهنية‏

الآمن في العراق: غياب الاداء والمهنية‏

مدينة-الصدر

شهدت العاصمة العراقية (بغداد) في الأيام الأخيرة وضعا أمنيا مترديا، اثر عدد من التفجيرات التي طالت مناطق سكنية ومحلات تجارية ومؤسسات حكومية، اسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا بين قتيل وجريح .

وأشرت هذه الأحداث الى عمق الانفلات الأمني، وضعف المؤسسات الأمنية والاستخباراتية وعدم امتلاكها للرؤية الواقعية الميدانية التي تتمكن من خلالها من متابعة المعلومة الاستخباراتية وملاحقة الفاعلين، وكشف مخططاتهم وتفكيك خلاياهم، والقبض على عناصرهم وافشال توجهاتهم واحباط نواياهم في اصابة الجبهة الداخلية للبلد واضعافها.

من المعلوم أن الأجهزة الأمنية تشكل العمود الفقري لأي نظام سياسي في العالم، وهي الأداة الخفية التي تتمكن فيها اي دولة من تأمين استقلالها السياسي والاقتصادي وحماية أمنها الاجتماعي والبيئي والحضاري، وتوفير الأمن والاستقرار لشعوبها وأبنائها، والحفاظ على أمنهم وممتلكاتهم، وتعزيز العلاقة الوطيدة بين القيادات السياسية والشعب ، هذه العلاقة التي لا يمكن أن تستديم وتتقدم الا بوضع أمني جيد يكسب المواطن عوامل الثقة بنظامه السياسي وحكومته ورجالاتها ومؤسساتها الأمنية والاستخباراتية .

من هنا فان الدول المتقدمة والمتحضرة تسعى الى تعزيز المكانة اللائقة لأجهزتها الأمنية برفدها بعناصر كفؤة مخلصة وفية لبلدها مؤمنة بإخلاصها، وولائها لنظامها السياسي، ساعية الى توفير الآمن والطمأنينة لشعبها من خلال توفير كل مستلزمات النجاح والتقدم، والمساندة والدعم المالي والتسليحي، وانشاء المراكز البحثية الأمنية وإقامة الدورات التدريبية والتنسيق المشترك بين جميع الأجهزة التنفيذية في البلد وصولا الى صورة ناصعة ناجحة تهيئ لأرضية واقعية بأهداف، وأطر مشتركة غايتها وطموحاتها الحفاظ على أمن البلد وحماية من الخروقات والعمليات الارهابية، وتأمين الحماية للنظام السياسي الحاكم فيه .

ان الأجهزة الأمنية في أي بلد من بلدان العالم تعد الداعم الأساسي لحفظ أمن المواطن وسلامته، والسهر على راحته وتحقيق الأمن الوطني له بمنع الاعداء ومخططاتهم من النيل من سيادة وأمن البلد الذي يعيش فيه ،على أن تمتلك هذه الأجهزة منهجية لتحقيق ما تقدم ذكره ممثلة بخطط استراتيجية محكمة تتعلق بكيفية رسم الأطر الاساسية، وتحقيق الامن في تحجيم الأعمال المعادية، وايجاد فعاليات لإفشال أي مخطط يراد منه المس بالآمن الوطني والقومي للبلد .

ومنذ عام 2003 أضحى العراق وأمنه وسيادته تحت نفوذ وأهواء من يحكمه، ومن يتسلط عليه بفعل الغزو الاميركي، والنفوذ الايراني والتلاعب بمقدراته وامكاناته السياسية والعسكرية والامنية، وبسبب هذه الاوضاع اصبحت الاجهزة الامنية العراقية محل تساؤل عن مدى جديتها في معالجة تدهور الاوضاع الامنية وسوئها في البلاد .

ان تبعيات كل هذه المعايير جاءت بسبب السياسات الخاطئة والهيمنة الشخصية، واسلوب التعامل السطحي الذي سلكه رئيس وزراء العراق السابق نوري المالكي الذي حكم العراق مدة ثماني سنوات في تعامله مع قيادات الاجهزة الامنية، واختيار قيادات ضعيفة فاسدة غير كفؤة، ولم يستطع خلفه حيدر العبادي ان يغير من السياسات
والقيادات الامنية في العراق، ولهذا فقد اتسمت بالظواهر التالية :

1.افتقار الاجهزة الامنية لاستراتيجية أمنية واضحة ودقيقة تحاكي الوضع الامني الميداني الذي يعيشه العراق وابناء شعبه، وانعدام الرؤية الامنية، وافتقارها لنظرية متكاملة تحدد مسارات حفظ الامن .

2.اتباع سياسة التسييس في ادارة الاجهزة الامنية، وزج عناصر محسوبة على احزاب وكتل سياسية للانخراط والعمل في اقسامها بدواعي الولاء والانتساب لهذه الاحزاب، أو بفعل العلاقات والمصالح الفئوية والطائفية ، التي بدورها اضعفت كفاءة ومهنية هذه الاجهزة .

3.انعدام المسالة القانونية والمهنية، وضعف متابعة القيادات الامنية في تصرفاتها وعدم سؤالهم، أو احالتهم للتحقيق واستجوابهم عند حدوث اي اختراقات امنية، مهما كانت نتائجها وتضحياتها بين ابناء الشعب .

4.ابتعاد القيادات الامنية عن معطيات الواقع الميداني، وعدم تعزيز علاقتهم بالمواطن الذي بدا لا يثق بالاجهزة الامنية والاستخباراتية بل بدا يستشعر ويجاهر بانها وراء هذه الاحداث بسبب اهمالها، وانعدام خططها الامنية .

5.غياب الانتماء الوطني والحرص على أمن البلد بسبب الولاءات الطائفية والحزبية والعرقية والاثنية، التي تتسم بها العملية السياسية في العراق، ووجود المصالح الذاتية التي اصبحت المعيار الاساسي في حياة العاملين في هذه الاجهزة .

6.فقدان المبادئ الاساسية لقواعد الضبط والانضباط العسكري الذي تتصف به المؤسسات الامنية والعسكرية، وعدم استيعاب الكثير من العاملين في هذه الاجهزة لهذه القواعد أو الالتزام بها ،بحيث انعكس سلبيا على عملية الاعداد والتدريب المهني والحرفي لعمل هذه الاجهزة .

7.اختيار جميع رؤساء الاجهزة الامنية من قيادات تعمل ضمن تنظيمات حزب الدعوة، والتي تتسم بضعفها وعدم جديتها وقابليتها المحدودة لكنها تجتمع على تأييد قيادة حزب الدعوة والولاء لها .

8.غياب القيادات المهنية القادرة على تحقيق الاهداف الامنية الاستراتيجية التي تتمتع بأعلى درجات الرشد والموضوعية؛ ليصار الى تحديد المسؤوليات والمهام، ودعم الالتزام بالقوانين والانظمة بما يسهم في بناء جسر من التواصل مع المواطنين .

9.تدور سياقات عمل هذه الاجهزة بعيدا عن حماية المواطن، وتحقيق امنه بقدر سعيها لتحقيق أمن الحاكم، وتسخير جميع امكانياتها لخدمته واسناد حكمه .

10.لا وجود لأي سياسة واضحة في جميع الاجهزة الامنية فضلا عن فسادها الامني وعدم جديتها بالعمل وانتشار الرشوة والمحسوبية بينهم، وانعدام الصلة الحية بين المواطن والاجهزة الامنية؛ ليكون عين الدولة ومجس استشعار لها يساعدها في كشف اي خلل أمني في البلد .

11. كثرة السجون والمعتقلات، وتزايد حملات الاعتقال التي اجتاحت العراق خلال فترة حكم المالكي كنتيجة طبيعية لسياسته الفاشلة، وعدم استيعاب حقيقة الخطر الامني الخارجي الذي يواجه العراق اذ اقتصر دور الاجهزة الامنية في متابعة حركة المواطن، وامعان الاذى به وبحياته وانتزاع حريته ومنعه من الادلاء بآرائه ومعتقداته الفكرية .
ان هذه المؤشرات والدلائل انما تؤكد حقيقة ان العراق لا يزال يعيش مرحلة صناعة الامن، وان امامه الكثير من الاليات، والخطط الاستراتيجية التي عليه ان ينتهجها والعمل بموجبها للوصول لتأمين الاستقرار لشعبه، وبناء قاعدة أمنية رصينة قوامها المهنية والحرفية الامنية بعيدا عن المحاصصة الحزبية والطائفية، والعمل بتوجه ووعي وطني قوامه حب العراق والدفاع عنه .

وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للابحاث والدراسات الاستراتيجية