قوس الاستفزاز بين الناتو وروسيا يتسع نحو بحر البلطيق

قوس الاستفزاز بين الناتو وروسيا يتسع نحو بحر البلطيق

_80526_67

لم يمر حدث وجود طائرة روسية من نوع “إي أن 22” فوق الأجواء الدولية لبحر البلطيق الأسبوع الماضي مرورا عاديا بالنسبة إلى قوات حلف شمال الأطلسي التي كثفت من مراقبة المنطقة منذ انضمام لاتفيا وإستونيا إلى الحلف سنة 2004. فالأمر قد أصبح ضمن النشاط اليومي لطائرات الاعتراض التابعة لحلف الناتو، وهو ما دفع دول الحلف إلى وضع المواجهة الباردة مع الروس في أعلى جدول الأعمال الذي سيناقش في مؤتمر حلف شمال الأطلسي المزمع عقده في يوليو القادم.

تعامل موسكو مع المجال المحيط بها محكوم منذ انهيار الاتحاد السوفييتي بمشكلة إستراتيجية وهي أن التحرك العسكري الروسي يكون دائما مسبوقا باستفزاز غربي في مكان ما بالقرب من حدودها، وهذا ما كشفته طريقة التعامل الروسي مع أزمتي جورجيا سنة 2008 وأوكرانيا سنة 2014 مع أزمة جزيرة القرم، لكن في المقابل، لا يمكن منع حلف الناتو من التمدد شرقا كلما سنحت الفرصة بذلك نظرا لما يمثله انضمام دول جديدة حدودية مع روسيا إلى الناتو من توسع غربي على حساب الروس تكون نتائجه إستراتيجية وعلى المدى البعيد في رسم حدود أخرى للروس عبر الردع العسكري المنتشر بالقرب منها، الأمر الذي جعل الروس في العديد من المناسبات يضربون في كل الاتجاهات ودون حسابات.

خلال السنوات الأخيرة، كثفت موسكو من انتهاك المجال الجوي لليتوانيا ولاتفيا، وإستونيا، وتحرشت بالمدمرة والمقاتلات الأميركية المتمركزة في بحر البلطيق، فموسكو تحاول من خلال هذه التصرفات توجيه رسالة إلى الغرب مفادها “إنني حاكم هذه المنطقة فلا تقربوها”.

وتعتبر التدخلات الروسية المتزايدة خلال السنوات الأخيرة ترجمة لسياسات رد الاستفزاز بالاستفزاز، ويمكن قراءة الانتهاكات والتهديدات التي تشكلها للأمن العالمي فوق بحر البلطيق على أنها مقدمة لأزمات أخرى في دول البلطيق لا تختلف كثيرا عن السياسة المتبعة مع جورجيا وأوكرانيا.

وشهدت سماء دول البلطيق خلال السنوات الأخيرة، تصاعدا في عدد الطلعات التي تنفذها مقاتلات الناتو، بهدف حماية المجال الجوي لهذه الدول، وردع المقاتلات الروسية التي تنتهك الأجواء، ففي عام 2010، أجرت مقاتلات الناتو 4 طلعات، و37 طلعة في 2011، و44 طلعة في 2012، فيما وصل هذا الرقم إلى 47 طلعة عام 2013، وإلى 140 طلعة في عام 2014.

وفي ظل هذا الصراع المحتدم بين روسيا والدول الغربية، وصف الرئيس الليتواني الأسبق فيتاوتاس لاندسبرغس، ما يجري من محاولات بسط النفوذ على دول البلطيق، بلعبة البوكير الخطيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وأشار لاندسبرغس، إلى أهمية الخطوات التي ستُقدم عليها الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، لضمان أمن دول البلطيق، وردع الخطر الروسي عنها. وقال “على الولايات المتحدة والدول الأوروبية إظهار المزيد من التنديد بالحركات الاستفزازية التي تقوم بها روسيا ضدّ دول البلطيق، أعتقد أنّ الناتو يقوم بواجبه ضدّ روسيا، لكن الدول الأوروبية تتقاعس في الرد”.

من جانبه، دعا الخبير السياسي الليتواني فلاديميرس لاوسيوس، إلى زيادة عدد قوات الناتو في دول البلطيق، مشيرا إلى أن “ليتوانيا جزء من الناتو، وأنها تشعر بالأمان داخل الحلف”.

ولا يمكن التكهن حسب مراقبين بما يمكن أن تؤول إليه التطورات في ما يتعلق بهذا السجال بين الناتو والروس، فصراع النفوذ المتبادل في هذه المرحلة لا يتسم بالصراع الأيديولوجي مثلما كان الأمر في الخمسينات والستينات، بل إن الصراع اليوم بدأ في التحول إلى طبيعة أخرى جيوسياسية.

صحيفة العرب اللندنية