هل تراجع تنظيم داعش حقا

هل تراجع تنظيم داعش حقا

تنظيم-داعش-1

تتزايد المؤشرات على أن تنظيم داعش يتكبد خسائر متوالية، وإن كانت تسير بشكل بطيء، ويتراجع عن مواقع بعضها احتل أهمية استراتيجية في خطته التوسعية، ما يدفعه إلى فتح جبهات جديدة بعيدا عن الساحتين السورية والعراقية، أبرزها الجبهة الليبية التي يحاول مقاتلو التنظيم التوسع فيها وبسط نفوذهم عليها، في أفق التحضير للمرحلة المقبلة وامتصاص أيّ مفاجأة يمكن أن تحصل في المناطق التي يسيطر عليها.

تشير آخر التقارير إلى أن التنظيم فقد حتى اليوم ما يربو على نصف المساحة التي كانت تحت نفوذه، منذ إعلان ما سمّي بالخلافة في يونيو من عام 2014، وإن رفع الناطق باسم البنتاغون الأميركي هذه النسبة إلى 60 بالمئة، حيث أكد أن التنظيم فقد 40 بالمائة من أراضيه في العراق و20 بالمئة في سوريا. وبصرف النظر عن التضارب في الأرقام، الذي يمكن إرجاعه إلى الطابع المتحرك للصراع، وعدم الاستقرار على الصعيد العسكري الميداني بين التنظيم وخصومه المتعددين، فإن الثابت أن تنظيم داعش في عام 2016 لم يعد بتلك الاندفاعة التي كان عليها قبل عامين.

هناك متغيرات مهمة ساهمت في دفع التنظيم نحو التراجع بشكل تدريجي.

أول تلك المتغيرات تقلص الوعاء الحربي، فالتنظيم أصبح يخسر مقاتليه من دون قدرة على تعويضهم نتيجة ثلاثة معطيات رئيسية.المعطى الأولى يتعلق بتغير الموقف التركي من الصراع الدائر في سوريا وتبدل السياسة التي كانت تنتهجها أنقرة في الفترة الماضية، ما سمح لتنظيم داعش بتغذية صفوفه بمقاتلين من الخارج عبر التراب التركي.

المعطى الثاني يرتبط بتشدد السياسات الأوروبية تجاه ظاهرة سفر المواطنين الأوروبيين إلى سوريا للالتحاق بمقاتلي التنظيم، إثر الأحداث التي شهدتها باريس وبروكسل. أما المعطى الثالث فهو على صلة برغبة التنظيم في فتح جبهة جديدة في ليبيا تحسبا للأسوأ في حال هزيمته في العراق وسوريا مستقبلا، حيث أصبحت العناصر الجهادية في منطقة شمال أفريقيا والساحل مطلوبة لأداء دورها في الساحة الليبية.

المتغير الثاني يتمثل في تكثيف التحالف الدولي إلى جانب روسيا لضرباته الجوية ضد معاقل التنظيم، فطيلة الفترات الماضية نفذ التحالف مئات الطلعات الجوية التي قصفت مواقع تحصن مقاتلي التنظيم، ما أدّى إلى مصرع العديد من مقاتليه بينهم قادة بارزون. ولا شك أن هذا المتغير له انعكاس يتجاوز الجوانب الميدانية، ذلك أن تنظيم داعش كان يراهن أثناء تشكيل التحالف قبل عامين على توظيف شعار الحرب الصليبية لجلب مقاتلين جدد إلى صفوفه، ودفع جماعات مسلحة مناوئة له إلى الالتحاق به ومبايعة أبي بكر البغدادي. وقد ظهرت هذه النوايا من خلال البيانات والمواقف الصادرة عن الناطق الرسمي لداعش. بيد أن هذه المراهنة مُنيت بالفشل، كما فشلت أيضا المراهنة على استثمار التدخل الروسي لصالحه، بإعادة توظيف شعارات المجاهدين الأفغان ضد الشيوعيين في الثمانينات.

المتغير الثالث يعود إلى تدنّي أسعار النفط في الأسواق العالمية، ما أدّى إلى تراجع مداخيله من عائدات النفط المهرّب. يضاف إلى ذلك إغلاق المنفذ التركي الذي كان يعدّ متنفسا للتنظيم لتسويق النفط، واستهداف التحالف الدولي لعدد من الآبار النفطية التي كان يستغلها التنظيم. ويتجاوز انعكاس هذا المتغير على تنظيم داعش الجوانب المالية، ذلك أن تراجع العائدات دفع به إلى فرض أتاوات جديدة على السكان في المناطق التي يسيطر عليها، ونهج سياسة مالية جديدة داخل أراضيه يعوّض بها الخسارة، خصوصا وأن تنظيما إرهابيا كتنظيم داعش يحتاج إلى الكثير من المال لتمويل عملياته العسكرية، والأهم من ذلك أن إعلان دولته ارتبط بتقديم عروض سخية على الملتحقين به. ومن شأن تراجع مداخيله أن يؤثر على النسيج الاجتماعي داخل المناطق التي يسيطر عليها، وبالنتيجة التأثير على معنويات المقاتلين.

خسر تنظيم الدولة في الشهور الماضية عددا من مواقعه التي كان يتحصّن بها، وشكلت خسارة الرمادي في العراق وتدمر في سوريا ضربة موجعة له، كما أن فقدانه لتل أبيض قبل نحو عام في الأراضي التركية أمام المقاتلين الأكراد حرمه من خطوط الإمداد، مما ضيق أمامه الخيارات، فباتت استراتيجيته الجديدة هي المحافظة على أماكن تحصّنه بدل البحث عن فرص أكثر للتوسع، كما كانت تُظهر استراتيجيته الهجومية السابقة.

وربما كان من أهم عوامل استمرار التنظيم مسيطرا في عدد من المناطق الأخرى عائدا إلى الخلافات القائمة بين الجماعات التي تقاتله، أكثر من كونه عائدا إلى قدرة ذاتية لديه على الاستمرار.

إدريس الكنبوري

صحيفة العرب اللندنية