الاقتحام الثاني للمنطقة الخضراء…العراق إلى أين؟

الاقتحام الثاني للمنطقة الخضراء…العراق إلى أين؟

6313d713-bf15-4f17-a430-29831289a94e_16x9_600x338

 في أقل من شهر على الاقتحام الأول، وعلى وقع التفجيرات الدموية التي ضربت العاصمة العراقية بغداد قبل عدة أيام، اقتحم متظاهرون غاضبون الجمعة مكتب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي داخل المنطقة الخضراء وسط بغداد، بعد مصادمات مع الميليشيات وقوات الشرطة، في تطور نوعي لموجة الغضب الشعبي الذي يبدو أنّه وصل نقطة اللاّعودة بفعل استفحال الأزمات وانسداد أفق الإصلاح وعدم إمكانية تغيير الأوضاع في ظل النظام السياسي القائم. وقد أدى هذا الاقتحام إلى مقتل أربعة من المقتحمين وإصابة ما لايقل عن تسعون شخصا.

 وإزاء ذلك حذر رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي من أن “ما حدث من اقتحام لمؤسسات الدولة من قبل المتظاهرين والعبث بالمال العام لا يمكن القبول به أو التهاون مع مرتكبيه”،وقال العبادي إن هذه الأحداث تهدف إلى التأثير على زخم الانتصارات التي تحققها القوات الأمنية ضدتنظيم الدولة. وأضاف أن هذه الأحداث لن تنال من عزيمة القوات الأمنية، ولن يتم التهاون مع مرتكبيها.وأضاف في خطاب متلفز أن “الخطوات والإنجازات المتحققة في ساحات المواجهة والتقدم المتحقق في المجال الاقتصادي يحظى بتقدير واحترام المواطنين والعالم للعراق والعراقيين، ويشهد بسير الحكومة في الاتجاه الصحيح، وإننا نبذل أقصى جهد لتجاوز التحديات الصعبة والقيام بإصلاحات ومعالجات شاملة يحاول هؤلاء عرقلتها”. وتابع العبادي “نجدد الدعوة لأبناء شعبنا للحذر واليقظة ممن يسعون إلى إثارة الفوضى لتحقيق مطامحهم”، مؤكدا أن الفوضى لن تكون لصالح الشعب والوطن.

من جانبه، أكد مقتدى الصدر، دعمه للمحتجين الذين اقتحموا المنطقة الخضراء في بغداد، مدينا استخدام القوة ضدهم من قبل قوات الامن العراقية. وأصدر بيانا قال فيه ” “إني لأحترم خياركم وثورتكم العفوية السلمية. تعسا لحكومة تقتل أبناءها بدم بارد”. وأعلن “الاستمرار بالاحتجاجات السلمية”، محذرا من أنه “لا يحق لأي جهة منع ذلك.. وإلا فإن الثورة ستتحول إلى وجه آخر”.

يكشف هذا الاقتحام إن هناك جرأة متزايدة على حكومة حيدر العبادي، و أن اقتحام المنطقة الخضراء للمرة الثانية خلال ثلاثة أسابيع، من شأنه أن يفتح شهية مختلف الأطراف لتحدي الحكومة بما في ذلك تنظيم داعش الذي عادت تفجيراته بقوة إلى بغداد. وكان متوقعا أن يتحرك العراقيون، وخاصة أنصار مقتدى الصدر، ردا على تجدد التفجيرات الإجرامية التي ضربت المناطق الخاضعة لسيطرة التيار الصدري والموالية له، وعجز الإجراءات الأمنية الحكومية عن التصدي لظاهرة السيارات المفخخة التي صار تفجيرها أمرا سهلا في بغداد.

وأشار المراقبون للشأن العراقي إلى أن مهاجمة المنطقة الخضراء للمرة الثانية وبهذه الطريقة الصادمة تعني أن اليأس من الإصلاحات بلغ ذروته، مؤكدين أن التحالف الوطني (تحالف الأحزاب الشيعية الحاكمة) قد فشل بشكل تام في لملمة أجزائه المبعثرة، وإقامة حوار ينهي الخلافات داخله. وإذا كان المتظاهرون الذين اقتحموا مكتب رئيس الوزراء لم يعلنوا عن الجهة السياسية التي ينتمون إليها فإن تلك الجهة لا تخطئ التكهنات في الوصول إليها، وهي جهة شيعية، وهو ما يعني أن الصراع الشيعي – الشيعي الذي تم تأجيله لسنوات من خلال الضغوط الإيرانية قد انتقل إلى مرحلة الصدام العلني. وما أدل على ذلك التراشق الحادّ على خلفية التفجيرات التي وقعت في مدينة الصدر قبل عدة أيام، بين التيار الصدري الذي تقدّم قيادته نفسها كمتزعّمة للحراك الاحتجاجي الشعبي المطالب بالإصلاح، ومنظمة بدر التي تشرف على الشأن الأمني من خلال وزير الداخلية المنتمي إليها، محمّد سالم الغبّان، عن الارتباط الوثيق للمعطى الأمني بالاعتبارات السياسية.

 فالاحتجاجات الشعبية عادت لتظهر في العاصمة العراقية بغداد وعدد من مدن جنوب البلاد، متحدّية الوضع الأمني الصعب، والإجراءات المشدّدة التي اتخذتها السلطات العراقية في محاولة لمنع إعادة سيناريو اقتحام المنطقة الخضراء التي تضم أهم المقرات الحكومية والسفارات الأجنبية، فضلا عن نشر الميليشيات الشيعية لمسلّحيها في العاصمة بذريعة الحفاظ على الأمن.

ويظهر إصرار العراقيين على التظاهر في هذا الجو المشحون بالصراعات السياسية والتهديدات الأمنية متمثلة خصوصا في التفجيرات المتتالية التي ضربت العاصمة بغداد مؤخرا موقعة المئات من الضحايا بين قتلى وجرحى، أنّ العراق مقدم على صيف بالغ “الحرارة” لجهة الحراك الاحتجاجي الشعبي.

وتأتي موجة التظاهرات المتصاعدة في العراق، مع اقتراب مضي حوالي سنة على انطلاق الحراك الاحتجاجي في البلد، والذي كان تردّي الخدمات، بما في ذلك شح التزويد بالكهرباء، القادح المباشر له لتتوسّع الاحتجاجات بعد ذلك وتشمل المطالبة بالإصلاح ومحاربة الفاسدين. ومنذ ذلك الحين تشعّبت الأحداث المتصلة بالاحتجاجات وتحوّلت إلى أزمة سياسية وأطلقت صراعا شرسا بين “شركاء” العملية السياسية وخصوصا قادة وزعماء الأحزاب الشيعية الممسكة بزمام السلطة.

ونتجت الأزمة عن استيلاء مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري على الحراك الشعبي، الذي انطلق بشكل عفوي وتلقائي، وتحويله أداة للضغط على خصومه السياسيين الذين نجحوا طيلة أكثر من 13 سنة في تحييده عن مواقع قيادة الدولة التي يراها حقّا له ولعائلته ذات المكانة في مجال التدين الشيعي بالعراق.

ومن المفارقات أن حركة الصدر بكلّ ما أثارته من فوضى داخل البيت السياسي الشيعي، مثّلت رغم ذلك خدمة للنظام القائم في العراق، حيث تمكّن الصدر من السيطرة على حراك الشارع ومنعه من التحوّل إلى ثورة شعبية على ذلك النظام. ومن هذا المنطلق تشكّل دورة الاحتجاجات التي تلوح ملامحها مع بداية هذه الصائفة مع الأزمة تحدّيا لحكم الأحزاب الشيعية في العراق، إذ لا شيء يوحي بأنّ الصدر قادر على تطويقها مرّة ثانية بعد أن لمس الشارع أنّ زعيم التيار الصدري عاجز عن إحداث أي تغيير في الأوضاع التي خرج العراقيون للتظاهر بسببها منذ حوالي سنة.

ولا يستبعد المراقبون أن تتكرر عمليات الاقتحام ما قد يجعل الدول الراعية للعملية السياسية، أي إيران والولايات المتحدة الأمريكية، تمارس المزيد من الضغوط على الأحزاب والميليشيات لوقف معارضتها لحكومة التكنوقراط التي جاءت في الأصل لإخراج العملية السياسية والمستفيدين منها من أزمة قد تؤدي إلى سقوطها. وتساءلوا: هل تصمد حكومة العبادي أكثر، وهل تنجح طهران وواشنطن في ضخ جرعة أوكسجين جديدة لإدامة أنفاس العملية السياسية ولو لأشهر قادمة؟.

وفي ظل هذه المعطيات يبدو العراق مقبلا على صائفة بالغة الصعوبة تتضافر فيها الأزمة السياسية مع الأزمة الاقتصادية، وتزيدها تعقيدا دورة عنف جديدة قد تبلغ حدّا غير مسبوق من الدموية، بفعل تراكم السلاح ووفرته وكثرة الجماعات المسلحة التي استفادت من الحرب على داعش في تنظيم صفوفها والحصول على أسلحة نوعية.  ففي ظل هذه المعطيات نتساءل العراق إلى أين؟

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية