تشكيل المنطقة وراء الأبواب المغلقة

تشكيل المنطقة وراء الأبواب المغلقة

otania1

إعادة تشكيل المنطقة، والتي لا تزال جارية حتى الآن، بداية من هزيمة الإمبراطورية العثمانية في سنة 1919، وقبل ذلك وعد بلفور سنة 1917، وقبله اتفاق سايكس بيكو في مايو 1916، أي منذ مائة عام بالتمام والكمال.. هل يعني ذلك أن تتكرر مثل هذه الأحداث حالياً؟

في الحقيقة يتفق كل المحللون -مهما كانت اتجاهاتهم العلمية- على أن أهم تاريخ رسمي في تشكيل هذه المنطقة يعود إلى نهاية الحرب العالمية الأولى في سنة 1918 وهزيمة الإمبراطورية العثمانية، ثم ظهور الدول العربية بجوارها.

وهذا صحيح من الناحية الرسمية، فقد ارتبطت تطورات الحرب العالمية الأولى بما يسمى «الثورة العربية» ضد الاحتلال العثماني الذي اتخذ من الإسلام وسيلة ومبرراً لحكم الشعوب العربية وحتى سيطرة اللغة التركية على حساب اللغة العربية في الدوائر الحاكمة.

ورغم استمرار الجدل التاريخي حول ما إذا كان الاحتلال العثماني سيطرة استعمارية بالفعل وليس «علاقة أخوية داخل دار الإسلام»، فالحقيقة هي أن المواطن العربي كان مواطناً من الدرجة الثانية في ذلك النظام، حيث لا يتكلم معظم حكامه بلغته العربية، بل ينظرون إليه من أعلى. ومن هنا كانت حركة القومية العربية -على أيدي بعض المسيحيين العرب في الشام- منطقية، سواء تم تشجيعها من الخارج أم لا.

ولأن التشجيع من الخارج كان قوياً، خاصة من جانب بريطانيا وفرنسا، الإمبراطوريتين الاستعماريتين اللتين سعتا بالطبع إلى دحر الإمبراطورية العثمانية المتهالكة (رجل أوروبا المريض)، فقد كانت هذه الدعاية الغربية تصر على أن هزيمة هذه الإمبراطورية هو من أجل استقلال العرب، بل تم الدفع بالسلاح «والمستشارين» لمساعدة العرب على التخلص من المحتلين الأتراك.

كان أحد هؤلاء «المستشارين» والخبراء هو «لورنس العرب»، والذي اتضح بعد ذلك أنه ليس إلا أحد عملاء المخابرات البريطانية، كان يأتمر بأوامر لندن ويقوم بتنفيذ توجهات وخطط دولة الاحتلال الجديد (بريطانيا)، وبالتعاون في الشمال الأفريقي مع دولة الاحتلال الأخرى (فرنسا). ومن هنا أهمية التاريخ غير الرسمي في تشكيل المنطقة.

وسأقتصر على حدثين تم التخطيط لهما وراء الستار، يتعارضان كلياً مع الوعود الغربية بالعمل على استقلال العرب كمكافأة لهم على الثورة ضد الإمبراطورية العثمانية ومساعدة الإمبراطوريات الغربية في هزيمتها.

1- وعد بلفور في سنة 1917، حيث تعهد وزير الخارجية البريطاني آنذاك للجالية اليهودية بمنحها أرض فلسطين لتكوين دولة إسرائيل، والذي وصفه عبد الناصر بأنه «وعد من لا يملك لمن لا يستحق». والحديث عن وعد بلفور يحتاج مجلدات عن اللوبي اليهودي آنذاك، وعن عالم الكيمياء اللندني «حاييم وايزمان»، الذي أصبح أول رئيس لدولة إسرائيل فيما بعد. لكن الحدث الثاني لا يقل أهمية في تشكيل المنطقة.

2- اتفاق «سايكس -بيكو» في مايو 1916، وهو اتفاق بين الدبلوماسيين البريطاني والفرنسي بتقسيم المنطقة طبقاً لخطوط مستقيمة بالقلم، لا تمت للحقائق الاجتماعية بصلة. وما لا يعرفه الكثيرون هو أن تخطيط الحدود هذا كان قائماً على تقسيم الموارد البترولية في هذه المنطقة الغنية بالذهب الأسود، وبالتالي جاء التقسيم بناءً على رغبة كل من فرنسا وبريطانيا في تنظيم أنابيب البترول لكل منهما، حيث تبدأ إحدى هذه الأنابيب من كركوك وينتهي طرفها في حيفا (بالنسبة لبريطانيا)، وطرفها الثاني في طرابلس اللبنانية (بالنسبة لفرنسا)، أي ينتهي في منطقة نفوذ كل منهما.

التاريخ السري وغير الرسمي مليء بالمفاجآت، وهو ما يشكل فعلاً أحداث المستقبل. فهل الكلام حالياً عن استقرار الشرق الأوسط، هو المرادف لتعبير «الاستقلال» منذ مائة عام؟ وما هو التصور أو المخطط الذي يتم رسمه لمنطقتنا خلف الأبواب المغلقة في واشنطن وموسكو وباريس ولندن؟

د.بهجت قرني

صحيفة الاتحاد