سورية: أين الدولة؟

سورية: أين الدولة؟

56cb5423c3618840238b45e3

لا عتب على وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، الذي يدّعي أن بلاده لم تغز سورية لأن بشار الأسد حليفها، بل غزتها، ودمرت ما دمرته من عمرانها، وقتلت من قتلتهم من شعبها، كي “تحافظ على الدولة السورية، وتساعد جيشها على محاربة الإرهاب”.
لا عتب على لافروف، فهو لم يعش يوماً في دولة ديمقراطية، بل عاش في نظامٍ سيطر فيه حزب واحد على الشؤون العامة، فلم يكن النظام الذي أقامه نظام دولة، وها هو يخدم اليوم، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، نظاماً انحط من سيطرة حزبٍ إلى سيطرة مافيا، قوامها تحالف رجال مخابراتٍ وأغنياء جدد، ليس بدوره نظام دولة. لو كانت هناك دولة تستحق اسمها في روسيا، لما ادّعى لافروف أن جيش بلاده، المشهور بميله إلى تنفيذ أوامر طغاة روسيا بأقصى قدر من العنف، والمعروف بقمعه الشعوب قروناً، غزا دولة أجنبية هي سورية كي يحافظ على دولتها، ولما تجاهل أن نظام الأسد ألغى، بعنفه ضد شعبه، الدولة السورية/ وجوداً ومؤسسات، ولا سيما أنه أخضعها، بما لها من سماتٍ ووظائف عامة وشاملة ومجردة، لسيطرة عصاباتٍ أفقدتها عموميتها عبر ربطها بمصالح وسياسات كيانٍ مغايرٍ في هويته وطابعه لهويتها وطابعها، تتناقض مهامه أشد التناقض مع مهامها المجردة والشاملة، بينما أمر جيشه وأجهزته الأمنية، ومن استدعاهم إلى وطنه من مرتزقةٍ ومحتلين إيرانيين وروس، بتدمير عمرانها وإبادة شعبها، من دون تمييز، حتى بلغ عدد من قتلهم وجرحهم واعتقلهم وأخفاهم وشوّههم وأصابهم بالشلل، من بناته وأبنائه حوالي مليونين وثمانمائة ألف، ينتمون إلى مختلف الفئات السكانية، حسب دراسات ميدانية لخبراء سوريين محايدين، تناولت الأعوام الثلاثة الماضية.
هل ينتفي وجود الدولة، عندما يدمرها نظام عصاباتي؟ ليس هذا السؤال موجهاً إلى لافروف، فهو ليس رجل دولة، أو رجلاً في دولة، بل هو موجّه إلى من يستطيع تقديم إجابة واضحة عليه. ستكون، بلا شك، مهمة الدلالة في صراعٍ كالذي يدور في سورية بين عصابات السلطة والشعب المنتفض ضدها. يقول الفكر السياسي الحديث إن السيادة في الدولة للشعب، وإن الحاكم يجب أن يستمد سلطته منها، ليكون حاكماً شرعياً. باعتدائه على شعبه، يفقد الحاكم التفويض الذي أعطاه له بممارسة سلطات سيادية الطابع. عندئذٍ، لا تضيع السيادة، أو تختفي، بل ترجع إلى صاحبها ومصدرها الوحيد: الشعب، ويفقد الحاكم الحق في ممارسة السلطة، لأنها تكون بمثابة اغتصاب للدولة التي تعود إدارة مؤسساتها إلى حاملها الشرعي: ممثلو الشعب المنتخبون الذين يتولون قيادتها.
بالثورة الشعبية على العصابة الأسدية، ونتيجة للقتل المنظم الذي مارسته ضد شعب سورية كمصدر للسيادة وحامل للدولة، فقد النظام أي حق أو تفويض في إدارتها، وعادت إلى الشعب، وصار الحفاظ عليها مسؤولية الثورة التي فات قيادتها التقاط معنى عودتها كدولة إلى الشعب، فلم تبادر إلى إقامة مؤسساتٍ تديرها بشرعية ثورته المجتمعية. ليس هذا التقصير دليلاً على حق الأسدية في قيادة الدولة وتمثيلها، وهو الحق الذي يبقى لمن يقودون الثورة أو يرسمون مساراتها، أو يقاتلون دفاعاً عن حرية المواطنين، وإن لم يبادروا إلى إقامة سلطةٍ ثوريةٍ بديلة للأسدية، على الرغم من مطالباتنا بها، وإلحاحنا عليها منذ أيام الثورة الأولى.
واليوم، وقد غدا وجود الدولة السورية مرتبطاً بشعبها، كمصدر لسيادتها وشرعيتها، تمسي حاجتنا إلى إقامة مؤسسات دولة ديمقراطية، تخدم شعبها الذي استعادها بثورته ضد الاستبداد، وصادر حقه في تمثيلها، واستردّ ما كان قد استولى عليه، أو فوّضه به من شرعيتها، فمن الطبيعي أن يكون له الحق في تجريد الممسكين بالسلطة من صلاحياتهم، بل ومن السلطة نفسها، بالنظر إلى أنه لا سلطة من دون دولة.
تتماهى الدولة السورية اليوم مع شعب سورية الثائر. ولا توجد في أيٍّ من مستويات السلطة الأسدية. هذا ما يدركه الثوار، وما عليهم ترجمته إلى واقع مؤسساتي وممارسات ديمقراطية، لأن كل ما سواه من رغاء لافروفي زبد سيذهب جفاء، ولن يمكث في الأرض.

ميشيل كيلو

صحيفة العربي الجديد