الحملة ضد داعش في الفلوجة تتحول إلى ورقة سياسية بيد الحكومة

الحملة ضد داعش في الفلوجة تتحول إلى ورقة سياسية بيد الحكومة

_81477_i3

تشن القوات العراقية هذه الأيام هجومات مكثفة ومركزة على مدينة الفلوجة شمال العراق وذلك في محاولة منها للقضاء على جيوب تنظيم الدولة الإسلامية الذي ينتشر في المدينة. هذا المستجد، ولئن يبدو طبيعيا في سياق الحرب على الإرهاب في العراق، إلا أن مراقبين قرؤوا هذه الأحداث من زاوية أخرى، وهي أن الحكومة العراقية اختارت هذا التوقيت بالذات للقيام بالحملة كي لا تتسبب التطورات السياسية الأخيرة في المنطقة في صراع شيعي شيعي قد لا ينتهي في مدة وجيزة.

وتشير تقارير صحافية ميدانية إلى أن الأمر أصبح واضحا في صراع المرجعيات الشيعية في العراق بين الميليشيات التي تأتمر بالدوائر الأمنية الإيرانية وبين المرجعيات العراقية التي ترفض تدخل إيران في شؤون العراق وبالذات مجموعة مقتدى الصدر. إذ ورد في موقع “نقاش” المهتم بالشؤون العراقية أن هذا الصراع بين الميليشيات الشيعية يقود إلى حقيقة مهمة، وهي أن الخلافات في الأساس تجري بين فصائل مدعومة من إيران وبين فصائل شيعية عراقية تحصل على الدعم محليا.

ويقول جابر المحمداوي وهو رجل دين شيعي مستقل يعمل في تدريس المذهب الشيعي في النجف لـ”نقاش” إن “الصراع بين التيار الصدري والفصائل الشيعية الموالية لإيران هو صراع عقائدي في الأساس يعود إلى عقود، التيار الصدري ضد فكرة ولاية الفقيه الإيرانية كما بدأ يرفض الهيمنة الإيرانية على البلاد”.

الحرب الموهومة

بعد أن منعت قوات الأمن العراقية مجموعة من الموالين للتيار الصدري من الوصول إلى ساحة التحرير في بغداد لمواصلة التظاهر ضد حكومة العبادي، تأكد لدى بعض المحللين أن حكومة المنطقة الخضراء تسعى إلى جلب أنظار الرأي إلى قضايا أخرى على حساب التظاهرات التي تستهدفها، بل لم تتوقف الأمور عند تلك الحدود، فقد ظهر قاسم سليماني الضابط الإيراني في الحرس الثوري يقود بعض العمليات حول مدينة الفلوجة، الأمر الذي أثار حفيظة العديد من القوى السياسية والدينية في العراق، ما يزيد من حدة التوتر ويكشف أن العملية الأمنية ككل ضد داعش ليست سوى ورقات تلعبها حكومة العبادي كلما واجهت مأزقا.

وتكشف بعض المؤشرات أن هدف الحكومة العراقية الأساسي من المسارعة الى إعلان الحرب على مدينة الفلوجة بدعوى تحريرها من تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، كان صرف الانظار عن حرب شيعية شيعية نضجت وأوشكت على أن تقع بين مكونات طائفية لم يوحدها غير عدائها المتأصل للمكون السني في العراق، وفي غيره من دول المنطقة. وقالت مصادر عراقية مطلعة إن متظاهري ساحة التحرير قرروا في بيان أصدروه الجمعة تأجيل تظاهراتهم حتى إشعار آخر، مؤكدين أن “التظاهرات ستعود أقوى من ذي قبل”.

وخلصت أغلب التحليلات التي تناولت حرب حكومة العبادي على الفلوجة والأسباب الجوهرية التي أدت إلى المسارعة بها، إلى أن الزعماء الشيعة الذين ورطتهم جموع المحتجين المطالبين بالإصلاح وبمحاربة الفساد والمفسدين على نحو غير مسبوق، قد كشفوا أمام الجميع أن همهم الأساسي طيلة السنوات الماضية منذ حكمهم للبلاد لم يكن غير نهب ما أمكن لهم من مليارات العراق، الأمر الذي أوصله إلى حالة قريبة من الانهيار والشلل التام على جميع الأصعدة.

وأكد جميع المتداخلين في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق بما في ذلك حكومة العبادي والولايات المتحدة أنهم سيمضون إلى حرب تحرير الموصل بعد تحرير مدينة الرمادي وعدد من المدن والأقضية المحيطة بها. وكانت وسائل الإعلام قد بدأت بالحديث عن حرب تحرير الموصل منذ العام 2015، غير أن تحرك القوات العراقية وميليشيات الحشد الشيعي غيّر الأهداف في هذه الحرب والمخطط الموضوع لها سلفا، على نحو كلي.

مصالح الانتخابات

خلال السنتين الماضيتين اتسمت العلاقة بين الفصائل الشيعية بطابع التعاون المباشر أو غير المباشر، أما الآن فقد وصلت الأوضاع إلى التصادم، وعلى ما يبدو فإن اقتراب انتخابات مجالس المحافظات يعد أحد الأسباب وراء الخلافات الأخيرة، وستزداد كلما اقترب موعد الانتخابات المقرر بعد سبعة أشهر.

أما الانتخابات المقبلة فستكون المنافسة أشد، لأن الفصائل الشيعية التي حاربت داعش أصبحت لديها شعبية كبيرة وطموحات سياسية، وبدأ العديد منها منذ الآن تشكيل تحالفات سياسية بشكل سري استعدادا للانتخابات، وسط مخاوف من عدم توفر النزاهة فيها. وتقول في السياق هيئة الحشد الشعبي إن هناك نحو 48 فصيلا شيعيا مسلحا، تمكنت من تطوير نفسها بشكل سريع وتحولت إلى تنظيمات مسلحة شبه نظامية لها قوانينها وأنظمتها وقراراتها الخاصة.

وتحاول هذه الفصائل توحيد صفوف مقاتليها ومنع التنافس في ما بينهم من أجل الهدف الأكبر وهو محاربة داعش الذي مازال يشكل خطرا على البلاد، ولكن الواقع يشير إلى أن الصراعات في ما بينها أقوى، خصوصا وأن هذه الصراعات متعلقة بمصالح سياسية واقتصادية وعسكرية.

وقد حاولت الحكومة توحيد هذه الفصائل عندما شكلت هيئة الحشد الشعبي لتكون تابعة إلى الدولة رسميا، ولكن هذه المحاولة لم تنجح حتى الآن لأن الفصائل الموالية لإيران تسعى للحصول على الاستقلالية في العمل، ورفضت قرارات عديدة من الحكومة للإشراف على عملها.

وحتى الآن يرفض قادة الفصائل الشيعية الحديث عن مستقبلهم بعد انتهاء الحرب على داعش ويقولون إنهم منشغلون حاليا في القتال، ولكن شعبيتهم المتزايدة بين العراقيين وخصوصا الشيعة في ظل الأزمة السياسية في البلاد تشير إلى صراع حتمي.

ويؤكد جابر المحمداوي لموقع نقاش في هذا الإطار أن “الحشد الشعبي سيكون له ذراع سياسي في المستقبل دون أدنى شك، وسيشارك في الانتخابات المقبلة الخاصة بالمحافظات والبرلمان وسيحقق فوزا كبيرا لأنه يسيطر على المدن والأحياء ويعيش بين السكــان ولا بد أن يكون له تأثير على الناخب”.

وبهذا يتوفر عنصران هامان في تحليل أبعاد الحرب المفاجئة على داعش في الفلوجة، العنصر الأول هو إدخال البلاد في حالة من التأهب للفت النظر عن التظاهر ومزيد إحراج وزراء العبادي الذين تتعلق بهم شبهات فساد، والعنصر الثاني هو تذويب الخلافات بين الفصائل الشيعية كي لا تتقاتل في ما بينها وتكون أذرعا سياسية لها بعد توظيف حربها على داعش لتدعيم نفوذها السياسي في البلاد.

الصراع بين الميليشيات الشيعية يكشف أن الخلافات تجري بين فصائل مدعومة من إيران وبين فصائل تحصل على الدعم محليا

تورط إيران

بدا واضحا أن هذا المخطط، إضافة إلى الضغوط المباشرة التي مارستها طهران منذ أسابيع على مقتدى الصدر، قد أثمرا بسرعة وحققا ما هو مطلوب منهما بالنسبة إلى حكومة العبادي التي آثرت الاصطفاف حول داعميها من الزعماء الشيعة المتقاطعين مع مقتدى الصدر، والأكثر حظوة لدى طهران.

وقال زعيم إحدى أكبر الجماعات الشيعية المسلحة التي تشارك مع الجيش العراقي في عملية استعادة الفلوجة معقل تنظيم الدولة الإسلامية الجمعة الماضي، إن المعركة النهائية لاستعادة المدينة ستبدأ خلال أيام وليس أسابيع. وأضاف رئيس فيلق بدر المدعوم من إيران إن المرحلة الأولى التي بدأت الاثنين الماضي أوشكت على الانتهاء مع استكمال التطويق الكامل للمدينة التي تقع على بعد 50 كيلومترا إلى الغرب من العاصمة بغداد.

ويقول محللون إن القوى الشيعية الموالية لإيران والتي باتت في حالة عداء واضح مع مقتدى الصدر صاحب الشعبية الجارفة بين شيعة العراق، قد تورطت بالفعل في إصرار المحتجين على الإصلاح ومحاربة الفساد، وأن مظلتهم السياسية أي برلمانهم وحكومة العبادي، قد أوشكت بالفعل على الانهيار في ظرف يستحيل فيه على العراق إجراء انتخابات تشريعية وتشكيل حكومة جديدة، ولم يكن ليجنبها مصيرا مجهولا إلا جراحة قيصرية تفحم المطالبين بالإصلاح وبتغيير الحكومة وبإسقاط البرلمان اختير لها عنوان وعلى نحو مفاجئ “تحرير الفلوجة من داعش”.

ويضيف المحللون أن طهران هي من أشرفت على صياغة مخطط إنقاذ حلفائها وأشارت عليهم بضرورة “تحرير الفلوجة” قبل الموصل، لأنه من الناحية العسكرية فإن حربا قريبة جغرافيا من بغداد تضمن أولا ضغطا حقيقيا على دعاة الاحتجاج، وهو ما حصل بالفعل، ثم وفي حالة إصرار المحتجين على الاستمرار في الضغط على الحكومة رغم إعلان الحرب فإن الجيش العراقي والميليشيات الشيعية المساندة له لن يكونا بعيدين عن بغداد لمواجهة أي فوضى محتملة تحصل فيها خلال الحرب، على عكس ما يمكن أن يحصل فيما لو ذهبت نسبة كبيرة من القوات المسلحة وميليشيات الحشد الشيعي إلى الشمال وخوض معركة تحرير الموصل.

وتؤكد مصادر عراقية مطلعة أن مقتدى الصدر استمع إلى خطاب انتقادي شديد اللهجة من القادة الإيرانيين سياسيين وعسكريين عندما دعوه قبل أسابيع على وجه السرعة إلى طهران، لعتابه على السماح لأنصاره باجتياح المنطقة الخضراء في مرة أولى نهاية شهر أبريل، وليوضحوا له أنهم ليسوا على استعداد لتحمل أي تهديد جدي لجهودهم التي بذلوها من أجل السيطرة على القرار العراقي.

صحيفة العرب اللندنية