«تأسيس» التشدد في إيران!

«تأسيس» التشدد في إيران!

اية-الله-جنتي-وخامنئي

حينما تعلن إيران عن فوز شخصية مثل أحمد جنتي، السياسي الإيراني المتشدد، برئاسة مجلس خبراء القيادة (المؤسسة المخولة باختيار المرشد الأعلى للثورة أو عزله)، الأسبوع الماضي، فإن ذلك لابد أن يقلق دول الجوار والعالم، كما أن انتخاب المتشددين الآخرين محمد علي مرادي كرماني، ممثل خامنئي في الحرس الثوري كنائب أول لجنتي، ومحمود هاشمي شهرودي في منصب النائب الثاني، وحين يترافق هذا الاختيار مع بيان للخارجية الإيرانية بأن «المتشدد الآخر» قاسم سليماني هو من يدير المعارك في العراق وسوريا.. فإن ذلك أيضاً يحمل معاني كثيرة ينبغي على الرأي العام العالمي قراءتها جيداً، لاسيما أن فيها ما يدعو المراقبين إلى التساؤل عن الأفق السياسي لهذا النظام، وما يدحض توقعات من دافعوا، في الإقليم أو العالم، عن إمكانية تحول إيران لتكون دولة طبيعية، وعلى رأس هؤلاء الرئيس باراك أوباما «عراب» الصفقة النووية مع إيران، والذي حاول إقناع المجتمع الدولي بنظرته نحو الانفتاح والتعاون لإيجاد حلول لما يواجهه العالم من تحديات تهدد الاستقرار الإقليمي والدولي، خاصة الإرهاب!

ولعل أوضح تعبير وأدق دلالة على أن النظام الإيراني غير مهتم بما يفكر فيه سياسيو العالم من ناحية الانفتاح على الخارج وإعادتهم إلى المجتمع الدولي، هو هذه الانتخابات، أما عن بيان الخارجية الإيرانية فأقل ما يقال عنه إنه أسخف وأقبح رد على كل «التعاطف» الإقليمي والدولي حيال هذا النظام، كما أنه دليل وبرهان لا لبس فيه على أن المراهنة على الإصلاحيين الإيرانيين مسألة غير واقعية حتى لو أن المجتمع الإيراني بدأ يتغير وبقوة، على الأقل لمدة عشرة أعوام قادمة لأن مدة استمرار هذا المجلس ثمانية أعوام.

وفي كل الأحوال فإن ما يحدث في إيران من سلوكيات إما أنه تأكيد لما يعرفه الرأي العام العالمي من أن هذا النظام من الصعب تحوله ليكون نظاماً طبيعياً، وحتى إذا أراد فإنه لا يستطيع لأن «التركيبة الجينية» له قائمة على التشدد والتطرف، ولأن أسلوب تعامله يغذيه بفكر لا يقبل التعامل مع الآخر وفق نظرية الند للند، وهذه هي مشكلته الأساسية مع العالم.. وإما أنه تأكيد آخر على أنه لا يمكن تصديق وعود هذا النظام التي يقطعها للعالم أو حتى لشعبه أو للإقليم كما جاء في رسالة وزير الخارجية الإيراني محمد ظريف المعروفة برسالة «الجار قبل الدار».

ما خرج به النظام الإيراني من رسائل إلى العالم خلال أكثر من عام على توقيع الاتفاقية النووية مع المجتمع الدولي، يؤكد أن التشدد هو أسلوب إدارة حكم بالنسبة له، إن من الناحية النظرية كما يتضح من خلال تصريحات مسؤوليه الذين لا يعرفون غير لغة التشدد، وهو ما تجسد على سبيل المثال في بجاحة الإعلان عن التمسك بالعراق.. وإن عملياً من خلال عمليات القتل التي تتم على الأرض في العراق وسوريا، وبالتالي فالأمر بالنسبة لها محسوم، وعلى الآخر الاختيار في التعامل معهم!

وهناك ما يبرر لإيران هذا التعامل، فهي بعد تلك «الصفقة» تعتبر نفسها أقوى دولة في العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، على الأقل وفق تفاصيل المنطقة.

إن النجاحات الجزئية والشكلية لتيار المعتدلين هي نوع من الاستخفاف بالرأي العام العالمي، وإن رهان المجتمع الدولي على هذا التيار انقلب على العالم، كما أن الرهان على وعي الشعب الإيراني يبدو أنه لا يزال مبكراً ويحتاج إلى وقت، ويبقى فقط أن الاختيار يعطي فكرة ومؤشراً يحتاجه البعض لمعرفة طريقة تفكير النظام في إيران.

بح صوت العارفين بالنظام الإيراني، من العرب ومن العارفين الأجانب بمنهج تعامل إيران، محاولين إقناع الغرب عموماً حول مسألة الوثوق به، وكذلك حول مسألة الإيفاء بالتزاماته الدولية وتحقيق الاستقرار في المنطقة. وإذا كانت الفوضى في المنطقة تقوم بها تنظيمات وميليشيات، فإن النظام الإيراني هو الراعي الأول لهذه الفوضى، لأن فكر التشدد مبني عليها، وبالتالي يكون من الأجدى لمكافحة التطرف أن لا يقتصر على الأفراد والتنظيمات دون مراقبة إيران التي لديها تاريخ في تأسيس ودعم هذه المليشيات والتحالف معها، وآخر التسريبات تفيد بأن هناك تحالفاً لإيران مع حركة «طالبان» في أفغانستان من أجل مكافحة «داعش».

ما لم تفهمه الإدارة الأميركية وبعض العرب عن نظام إيران أنه لا يجيد التعامل بعيداً عن التشدد لأنه ينطلق من النظرية الفوقية، وبالتالي يكون من الخطأ توقع منه أي تصرفات إيجابية وإلا سيسقط لأنه لا يعرف الاستمرارية دون مشاكل.

محمد خلفان الصوافي

صحيفة الاتحاد