هل تسبح بريطانيا عكس التيار العالمي؟

هل تسبح بريطانيا عكس التيار العالمي؟

brexit-britain-europe-47090581

تواجه المفوضية الأوروبية تحدياً مهماً يتمثل بالاستفتاء المقرر إجراؤه في بريطانيا في شأن عضويتها في الاتحاد الأوروبي. ولا شك في أن الاستفتاء يمثل أيضاً تحدياً لبريطانيا ذاتها مع ما يمثله الخروج من الاتحاد الأوروبي من انعكاسات على اقتصادها. تأسس الاتحاد الأوروبي في 1957 ونالت بريطانيا العضوية عام 1973. ويضم الاتحاد الآن 28 دولة، بعد انضمام بلدان أوروبا الشرقية إثر سقوط المعسكر الاشتراكي. لكن بريطانيا ليست عضواً في نظام الوحدة النقدية (اليورو) الذي يشمل 19 دولة من دول الاتحاد. وظلت بريطانيا مترددة في تعاملها مع قوانين الاتحاد وأنظمته، كما لم تتوقف عن انتقاد أساليب الإنفاق وسياسات الهجرة التي قبلت بها الدول الأعضاء الأخرى.

ومنذ الحرب العالمية الثانية تعتبر بريطانيا الولايات المتحدة أقرب لها ثقافياً وسياسياً ويمكن التحالف معها أمنياً وعسكرياً. وبريطانيا دولة عضو في حلف شمال الأطلسي الذي يضم معظم دول الاتحاد الأوروبي لكنها تنسق المواقف مع الولايات المتحدة، مباشرة أحياناً، كما حدث في شأن التدخلات العسكرية في أفغانستان والعراق. لكن الاتحاد الأوروبي يمثل فرصاً مهمة لتوسيع أعمال الشركات البريطانية ويعزز القدرات التصديرية وفق أنظمة تسهل للأعضاء الاستفادة من التجارة البينية.

يبلغ عدد السكان في بريطانيا حوالى 56 مليون شخص، في حين يبلغ عدد سكان بلدان الاتحاد الأوروبي 508 ملايين شخص، أي ان البريطانيين يمثلون 12.8 في المئة من سكان الاتحاد. أما الناتج القومي الإجمالي لبلدان الاتحاد الأوروبي فبلغ عام 2014 نحو 18.5 تريليون دولار في حين سجل في بريطانيا 2.9 تريليون دولار أو 16 في المئة من الإجمالي الخاص بالاتحاد. ويعتبر الاقتصاد البريطاني من أهم الاقتصادات ضمن الاتحاد وهو ثاني أكبر اقتصاد بعد ألمانيا. وواجه الاقتصاد البريطاني الأزمة المالية العالمية مثل بقية الاتحاد الأوروبي ومثل الولايات المتحدة، لكن منذ العام 2009 بدأ الانتعاش وإن كان بطيئاً.

وظل معدل النمو البريطاني أفضل منه في العديد من بلدان مجموعة السبع خلال السنوات الماضية. ويُعتبَر معدل نمو الاستهلاك جيداً بما يعزز القدرات المحلية المحفزة للنشاط الاقتصادي. ويُتوقَّع ان يكون معدل النمو هذا العام بحدود اثنين في المئة. وربما يستفيد الاقتصاد البريطاني من تراجع أسعار الطاقة وانخفاض أسعار المواد الغذائية المستوردة. ويظل معدل التضخم متدنياً ولا يزيد على 0.5 في المئة فيما يحاول «بنك إنكلترا» (المركزي البريطاني) من خلال أدوات السياسة النقدية حفز الإنفاق الاستهلاكي والرأسمالي بما يرفع معدل التضخم إلى اثنين في المئة، وهو هدف يسعى إليه أيضاً المصرف المركزي الأوروبي.

وعندما نتمعن في بيانات التجارة الخارجية لبريطانيا تتبين أهمية العلاقات التجارية بين بريطانيا وبقية دول الاتحاد. تصدّر بريطانيا 47 في المئة من سلعها وبضائعها إلى تلك البلدان في حين تستورد 54 في المئة من السلع والبضائع منها. وفي جانب الاستيراد حافظت بلدان الاتحاد على أهميتها النسبية بين 2000 و2015 بينما انخفضت الأهمية النسبية للصادرات البريطانية إلى أوروبا من 60 في المئة إلى 47 في المئة. أما في قطاع الخدمات فلا تمثل السوق الأوروبية مصدراً مهماً للشركات التي تعمل في شكل أفضل مع السوق الأميركية. وخلال الربع الأول من العام بلغ العجز في الميزان التجاري لبريطانيا 34.7 بليون جنيه إسترليني، ويمثل العجز مع بلدان الاتحاد الأوروبي ثلثي العجز الإجمالي للفترة المذكورة.

وعلى رغم عجز الميزان التجاري تمثل البلدان الأوروبية أهم أسواق التصدير لبريطانيا. وأصبحت بلدان الاتحاد الأوروبي، بعد انضمام عدد من بلدان أوروبا الشرقية، مصدراً مهماً للعمال الماهرين في بريطانيا، إذ يتدفق الرومانيون والبولنديون وغيرهم للعمل في قطاع الخدمات والإنشاءات والرعاية الصحية وباتوا يشكلون نسبة لا بأس بها من المهاجرين إلى بريطانيا. وربما يمثل هؤلاء المهاجرون الجدد محنة للبريطانيين، فهم من جهة يوفرون يداً عاملة لازمة لتشغيل العديد من النشاطات لكن عدداً مهماً منهم يمثلون عبئاً على الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية بما يثير تحفظات على وجودهم في البلاد.

قد يرى اقتصاديون أن الدعوة إلى الانسحاب من الاتحاد الأوروبي متناقضة مع التطورات في الاقتصاد العالمي. وظهرت خلال السنوات والعقود الماضية طروح تؤكد أهمية اقتصاديات الحجم وضرورة خلق التكتلات الكبيرة التي تمكن من تعزيز النشاط الاقتصادي لأي من البلدان المنضوية في أي من تلك التكتلات. لذلك يأمل العديد من السياسيين والرؤساء في البلدان الأوروبية وكذلك الرئيس الأميركي في أن يسفر الاستفتاء عن تأكيد عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. وبذل الأوروبيون جهوداً مضنية لإقناع الحكومة البريطانية بإمكانية معالجة الإشكالات والتحفظات التي أثارتها. الأهم من ذلك أن الحكومة البريطانية، ممثلة برئيس الوزراء ديفيد كامرون وعدد من الوزراء الأساسيين، تأمل في أن تأتي نتائج الاستفتاء مواتية وتستمر البلاد في عضوية الاتحاد.

لا شك في أن النزعات الانفصالية أو الانعزالية هي نتاج الأداء الاقتصادي وتراجع الدعم الحكومي واقتناص الساسة الشعبويون هذه الفرص لطرح قيم معادية للاتحاد الأوروبي. وثمة عناصر ذاتية في بريطانيا تساهم في تعزيز تلك النزعات ومن أهمها تراجع الميزات النسبية للعديد من الصناعات التحويلية وضعف قدراتها التنافسية ضمن الاقتصاد الأوروبي والعالمي بما يؤكد أهمية تطوير تلك الصناعات أو البحث عن نشاطات أكثر تميزاً تعيد للاقتصاد حيويته.

عامر ذياب التميمي

* نقلا عن صحيفة ” الحياة ”