برلمانٌ في حالِ الفِرار!

برلمانٌ في حالِ الفِرار!

صورة-من-داخل-مجلس-النواب

حتى لو لم يكن رئيس مجلس النواب، سليم الجبوري، طرفاً في أزمة الانشقاق، أو الانقسام، داخل المجلس، وحتى لو لم يكن واحد من مطالب النواب المنشقين أو المنتفضين، أو الإصلاحيين كما يسمون أنفسهم، إقالة أو استقالة الجبوري ونائبيه، فإنّ رئيس المجلس والنائبين فقدوا الآن كلّ شرعية لهم كهيئة رئاسة للبرلمان العراقي.
لو كان السيد الجبوري رجل دولة من الطراز الأول، أو الثاني أو حتى الثالث، لفكّر في أنَّ البلاد تعيش الآن حال حرب حقيقية. وفي حال كهذه فإن رجال الدولة، حتى من الطراز الثالث، لا يفكّرون في شيء غير مصلحة الشعب والوطن. وفي ظرف كهذا فإنَّ مصلحة الشعب والوطن العراقيين تقتضي من مسؤول كرئيس البرلمان أصبح ليس فقط مصدر جدل حادٍّ وإنما أيضاً مصدر انقسامٍ داخل الهيئة التي يقودها وفي مجمل الطبقة السياسية، أن يبحث بكلّ همّة وجدّيّة عن حلّ عاجل لأزمة انقسام المجلس ولو على حساب “حقّه” الانتخابي وكرامته الشخصية، فليس ثمّة حقوق تتقدّم على حقوق الشعب والوطن، وليس ثمّة كرامة تتقدم على كرامة الشعب والوطن. هذا الأمر ينطبق بطبيعة الحال على نائبيه، الشيعي والكردي، أيضاً.
الذي حصل أنّ السيد الجبوري، وكذا نائبيه، تمسّك بالمنصب ولم يرد أن يتخيّل مغادرته منصة الرئاسة والعودة الى مقعد العضوية العاديّة في مجلس النواب، مع أنَّ كرسيّ الرئاسة لم ينزل إليه، وكذا لنائبية، هِبةً من السماء، إنما هو قد انتُخبَ إليه كيما يُمثّل من انتخبه في المؤسسة التشريعبة والرقابية في البلاد، ثم اختِير، وكذا نائباه، على وفق نظام المحاصصة غير الدستوري، ليؤدّي مهمة محدّدة هي إدارة مجلس النواب إدارة سليمة وناجحة، ومن المفترض أن ينتهي تفويضه لهذه المهمة المحدّدة عندما يفشل في أدائها على النحو المطلوب، وقد فشل بالفعل، وكذا نائباه، بدليل الانشقاق أو الانقسام أو الانتفاضة داخل المجلس ضده وضد نائبيه أيضاً.
وعلى افتراض أنَّ السيد الجبوري، وكذا نائبيه، لم يفشل بما يستدعي إطاحته من منصّة الرئاسة، فإنّ تمديده الفصل الشريعي في يوم ثم إنهاءه في اليوم التالي ومنح البرلمان عطلة فيما البلاد في حال حربٍ حقيقية، وبعد نحو شهرين من عطلة أمر واقع للمجلس، هو في حدّ ذاته فشلٌ ذريعٌ وسافرٌ للمجلس وهيئة رئاسته، يستحقّ عليه السيد الجبوري، وكذا نائباه، أن يُطاح من منصبه، إنْ لم يستقلَّ من تلقاء نفسه مُقِرّاً بالفشل، فهو كان مكلَّفاً بإدارة برلمان وليس بتشغيل مقهى المحلّة أو دكان الدربونة.
إذ يُعطّل البرلمان نفسه في هذه اللحظة الفاصلة في تاريخنا وفي حياتنا، يحقّ لنا أن نصبَّ جام غضبنا عليه وعلى رئاسته، وأن نُعلن وفاتهم غير مأسوف عليهم، فلا خيرَ في برلمانٍ وفي كل أعضائه، وفي مقدمهم هيئة رئاسته الثلاثية، ماداموا يختارون الخلود الى الراحة والخدَر (في الواقع يفِرّون من ساحة المعركة)، فيما شبّانُ العراق يموتون بالجملة في معركة كسر الإرهاب.

عدنان حسين

موقع المدى