ارتباك سياسي يعكس مصاعب تواجه معركة الفلوجة

ارتباك سياسي يعكس مصاعب تواجه معركة الفلوجة

_81831_iy3

عزت مصادر عراقية تراجع رئيس الوزراء حيدر العبادي عن إعلانه وقف الحملة العسكرية على مدينة الفلوجة حتى توفير الحماية لسكانها المدنيين، لضغوط الميليشيات الشيعية المشاركة بقوّة في الحملة والتي يدفع قادتها والسياسيون المرتبطون بها نحو تسريع وتيرة الهجوم على الفلّوجة رغبة في تحقيق نصر سريع بأي ثمن في أوج الأزمة السياسية والأمنية التي دخلها البلد وأثارت غضب الشارع العراقي الذي لم يتردّد في تحميل هؤلاء مسؤولية الوضع المتردّي في البلاد.

وقال أحد المصادر إنّ إعلان العبادي مساء الأربعاء عن إرجاء معركة الفلوجة بانتظار تحسين إجراءات حماية المدنيين أثار غضب شخصيات نافذة بما في ذلك قيادة حزبه، حزب الدعوة الإسلامية، وقيادات ميليشيات كلّ من بدر وعصائب أهل الحقّ، وكتائب حزب الله وأبوالفضل العباس، التي سارعت للاتصال بالعبادي ولومه، على “تضييع فرصة تاريخية لحل عقدة الفلّوجة بشكل نهائي”.

ويرى قادة الميليشيات أنّ حماية المدنيين في الفلّوجة أمر ثانوي، وأن ما سيسقط من قتلى وجرحى في صفوف السكان المحاصرين هو من الخسائر الجانبية الضرورية في أي معركة.

ومن جهتهم يقول متابعون لسير المعارك حول الفلّوجة إنّ تضارب الخطاب السياسي والإعلامي العراقي بشأن المعركة وعدم تجانس الأخبار الواردة من الجبهة، وأيضا تناقض المواقف مما يجري من أحداث، ليس سوى صدى لتعدّد مراكز القرار وتشتّت القيادة بين جهات غير متجانسة في أساليب القتال وحتى في أهدافه، في إشارة إلى مشاركة ميليشيات غير نظامية في الحرب إلى جنب القوات الحكومية.

وكان خبراء عسكريون قد حذّروا من تحوّل معركة الفلّوجة إلى مستنقع دموي يورّط القوات العراقية ويسقط ما بقي من هيبتها، منتقدين تحديد موعد الحملة وفق أجندة سياسية تتصل بأزمة النظام القائم والصراعات بين شركائه، وليس بناء على معطيات عسكرية.

ونفى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وقف الحملة العسكرية التي بدأت في الثاني والعشرين من الشهر الماضي لاستعادة مدينة الفلوجة من قبضة سيطرة التنظيم.

قادة الميليشيات يعتبرون ما يسقط من قتلى وجرحى في صفوف المدنيين من الخسائر الجانبية الضرورية في أي معركة

وكانت وسائل إعلام عراقية وغربية نقلت عن العبادي تصريحات قال فيها إنه تم إرجاء الهجوم على مدينة الفلوجة بسبب مخاوف على سلامة المدنيين.

وسريعا ما ظهر العبادي على التلفزيون الرسمي نافيا إرجاء الحملة ومؤكّدا أن “الحرب على تنظيم داعش في الفلوجة حامية ونحن نتواجد حاليا في الخطوط الأمامية”.

كما لم يهمل العبادي مواصلة استثمار المعركة سياسيا داعيا إلى “تجميد المشاكل السياسية في البلاد والتوجه إلى مساندة القوات الأمنية في حربها ضد داعش”.

وتشن القوات العراقية منذ أكثر من أسبوع هجوما واسع النطاق في مسعى إلى استعادة الفلوجة من قبضة داعش.

وتركزت الحملة في أول أسبوع على المناطق المحيطة بالمدينة لعزل المسلحين بداخلها ولتسهيل مهمة اقتحامها. لكن المهمّة بدت أصعب مما كان يتصوّر حيث فشلت القوات العراقية في اختراق خطوط دفاع داعش في أطراف الفلّوجة.

وقال أحد سكان المدينة ممن استطاعوا التسلل خارجها إن “مسلحي داعش أعلنوا عبر مكبرات الصوت من مآذن المساجد في الفلوجة، توقف هجوم القوات العراقية على المدينة”.

وأضاف أن “مقاتلي التنظيم انتشروا بكثافة داخل المدينة معبرين عن فرحتهم بما قالوا إنه انتصار حققوه بعدما نجحوا في صد محاولات اقتحام المدينة”.

وأشار إلى أن السكان يعيشون “أوضاعا مأساوية، ويفرض عليهم تنظيم داعش ما يشبه الإقامة الجبرية ويمنع خروجهم من المدينة”.

غير أن داعش لا يمثّل مصدر المعاناة الوحيد لسكان الفلّوجة، كما أنّ المخاوف على من ينجحون في مغادرة المدينة ليست من الميليشيات الشيعية فقط، بل حتى من القوات الحكومية ذاتها، والتي لم تسلم من تسرّب نوازع الطائفية إلى صفوفها.

وكشف رئيس البرلمان العراقي، سليم الجبوري، الخميس، عن انتهاكات ارتكبها أفراد من قوات الشرطة الاتحادية ضد مدنيين في الفلوجة، داعيا رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى معالجة تلك الانتهاكات بـ”حزم”.

وقال الجبوري في بيان إنه “يجب الحفاظ على حياة المدنيين، ومسار الجانب الإنساني، وتهيئة الممرات الآمنة بالسرعة الممكنة، وتحييد المدنيين من نيران المعركة بالفلوجة”.

وأضاف “هناك معلومات تشير إلى بعض التجاوزات التي ارتكبها أفراد في جهاز الشرطة الاتحادية وبعض المتطوعين -في إشارة إلى ميليشيات الحشد الشعبي- أدت إلى انتهاكات بحق مدنيين”، معتبرا أن “هذه الأفعال تسيء إلى التضحيات، التي يقدمها هذا الجهاز وجميع القوات المقاتلة في معركة الفلوجة.

وجاءت تصريحات الجبوري في وقت تتجه نحوه سهام النقد والاتهامات بالتقصير في الدفاع عن قضايا أبناء الطائفة السنية في العراق ومن ضمنهم سكان الفلّوجة باعتباره من السياسيين الرافعين للواء تمثيل تلك الطائفة.

وكان الجبوري زار جبهة الفلوجة بصحبة رئيس الوزراء حيدر العبادي الباحث عن أوسع غطاء سياسي ممكن للحملة العسكرية على المدينة.

صحيفة العرب اللندنية