روسيا تصيب كعب أخيل في حرب أميركا على “داعش”

روسيا تصيب كعب أخيل في حرب أميركا على “داعش”

2015_8_7_11_59_30_757

في الأسبوع الماضي، صعدت روسيا هجماتها في شمالي وغربي سورية، فاحتجت الولايات المتحدة بشدة، مدعية أن روسيا تتظاهر فقط بأنها تستهدف الإرهابيين.
وشرح مسؤول استخبارات أميركي لمجلة “ديلي بيست أنه “على الرغم من المزاعم بأنهم يركزون على (القاعدة في سورية) و”داعش”، فإن الروس (والرئيس السوري بشار) الأسد يستهدفون بشكل رئيسي المعارضة المعتدلة”. وأضاف المسؤول: “كان عرض موسكو القيام بعمليات مشتركة مع الولايات المتحدة (ضد “داعش”) محاولة مكشوفة لصرف الانتباه عن استهدافها للمعارضة المعتدلة، وللأسف، الأبرياء السوريين الذين يحاولون النجاة من الكارثة التي خلقها الأسد. وباستمرارها في دعم الأسد، يبدو موسكو أهدرت فرصة وقف الأعمال العدائية الرامية إلى إضفاء الاستقرار على الوضع في سورية”.
لكن لدى روسيا نسخة مختلفة تماماً عن هذه القصة؛ إذ يقول الكرملين إن بعض الثوار المدعومين من الولايات المتحدة لا يعملون مع القاعدة وحسب، وإنما يرفضون قطع العلاقة معها. ولذلك، فإنه ليس خطأ روسيا أن حلفاء الولايات المتحدة يعملون عن كثب مع مجموعة إرهابية، وأن روسيا تضرب، عرَضاً، الثوار المدعومين أميركياً في حربها ضد المتطرفين في سورية.
والحقيقة هي، أن الروس ليسوا مخطئين كلية. فبعض الثوار المدعومين من الولايات المتحدة يتحالفون فعلاً مع تنظيم القاعدة. وكان أحدث هجوم تحت القيادة الروسية في سورية قد جعل من الأصعب على الولايات المتحدة إقناع تلك المجموعات بفك تلك الصلات الإرهابية. وهو وضع يكشف أكثر كعب أخيل للاستراتيجية الأميركية في سورية: فالخط الفاصل بين الإرهابي “والثائر المعتدل” هو بضآلة الرسم بقلم الرصاص.

تعد الادعاءات والادعاءات المضادة من جانب الولايات المتحدة وروسيا  تكراراً هو الأحدث في المعركة حول مَن هو الهدف المشروع للعمليات المضادة للإرهاب في داخل سورية. وقد انبعث النقاش مجدداً هذا الأسبوع، بعد أن عانى البلد من أسوأ قصف يشهده في شهور. وكانت موجة مزعومة من الضربات الروسية في وقت سابق هذا الأسبوع على مستشفيات في المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة في مدينة إدلب قد أفضت إلى مقتل 60 شخصاً على الأقل.
بالإضافة إلى مدينة إدلب، ركزت الضربات الجوية الروسية وتلك التي نفذتها قوات الحكومة السورية على المحافظة المجاورة، حلب، ثانية كبرى المدن السورية، وعلى داريا، الضاحية الدمشقية الخاضعة لحصار النظام. وفي الأسابيع الأخيرة، دعمت روسيا القوات السورية في حلب عبر تحريك قوات من مدينة تدمر، كما قال مسؤولو دفاع أميركيون للـ”الديلي بيست”.
وقد نفت روسيا استهداف أي أحد غير القاعدة وداعش المستثناتين مما يدعى وقف الأعمال العدائية الذي دخل حيز التنفيذ في شباط (فبراير) الماضي. لكن الإرهابيين بوضوح ليسوا هم الضحايا الوحيدون للهجمات الجوية الروسية. وطبقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قتلت الضربات الجوية الروسية أكثر من 2000 مدني بمن فيهم 500 طفل و300 امرأة، منذ بدء التدخل العسكري الروسي في سورية يوم 30 أيلول (سبتمبر) 2015.
وتعتقد الولايات المتحدة بأن روسيا ركزت أنظارها على الثوار في الحملة الأخيرة بهدف إضعاف المعارضة للأسد، عبر خلط مجموعات المعارضة مع جبهة النصرة التي تعد فرع تنظيم القاعدة في سورية.

وفي الشهر الماضي، وقبل الهجوم الأحدث، دعا وزير الخارجية الأميركية جون كيري الثوار إلى النأي بأنفسهم عن جبهة النصرة “مادياً وسياسياً”. كما أصدر المبعوث الأميركي الخاص لسورية، مايكل باتني، قبل شهر من ذلك بياناً حث فيه المعارضة على التنصل من المجموعات الإرهابية.
لكن ذلك لم يحدث. وفي الأسبوع الماضي ادعت روسيا أنها ستوقف القصف ليوم واحد حتى تتيح المجال أمام الثوار لإعادة التموضع بعيداً عن جبهة النصرة. لكن روسيا صعدت من هجماتها على كل من الثوار وجبهة النصرة على حد سواء.
ويدعي الروس بأنه متى ما تقلصت مناطق المعارضة، فإن قوات الثوار ستنتقل بوتيرة متزايدة باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرة جبهة النصرة، ما يجعل من الصعوبة بمكان التفريق بين الثوار والإرهابيين.
وكان وزير الخارجية الروسية، سيرجي لافروف، قال لسبوتنيك نيوز في الشهر الماضي: “لدي انطباع مدعوم بحقائق غير مؤكدة بأن هذه المجوعات (المعتدلة) تشغل عن قصد مواقع جبهة النصرة للحيلولة دون مهاجمة النصرة… وربما يكون أولئك الذين يدعمون النصرة مهتمين بكسر وقف إطلاق النار ويبذلون كل ما في وسعهم لفرض حل عسكري (للأزمة السورية). وهذا شيء غير مقبول أبداً”.
ما يبدو أنه يحدث هو أن الثوار يتمركزون في المناطق الحساسة من الحرب بين النصرة وبين القصف الروسي. وعندما يشاهد الروس أن قوات النصرة قد وصلت، فإنهم يشيرون إلى تواجدها ويعلنون أن الضربة مشروعة، كما يعتقد خبراء.

تقول جنيفر كافاريلا، محللة الشأن السوري في معهد دراسة الحرب الذي يتخذ من واشنطن مركزاً له: “إنها نبوءة محققة للذات، لأن القصف الروسي أضعف دفاعات حساسة في الاتجاه السائد في المعارضة، وهو ما يتطلب من النصرة نشر تعزيزات تستطيع روسيا بعدها الإشارة إلى النصرة وقول إن الضربات الروسية استهدفت النصرة كل الوقت”.
من الواضح منذ سنوات أن الثوار المعادين للأسد في سورية والمتحالفين مع الولايات المتحدة يعولون على الشجاعة العسكرية لمقاتلي القاعدة من أجل استدامتهم. ويشدد بعض المسؤولين الأميركيين على أن النصرة وقوات المعارضة يعملون الآن سوية من وقت لآخر، وأن ذلك التعاون لا يأتي من أيديولوجية مشتركة، وإنما انطلاقاً من ضرورة يمليها زمن الحرب.
أصبح ضغط كيري المتزايد على المعارضة للنأي بنفسها عن جبهة النصرة أكثر صعوبة هذا الأسبوع بعد الصعود الأحدث في الهجمات الجوية على المعارضة. وببساطة، فإن المعارضة تحتاج إلى مساعدة جبهة النصرة من أجل استدامتها، كما قال خبراء. وفي الحقيقة، فإن عمل المعارضة مع النصرة يشكل أفضل دفاع عن المدنيين الذين هم ضحايا الحملة الجوية وخطر التقدم البري للنظام. وقد ظهرت تقارير هذا الأسبوع عن هروب المدنيين من إدلب بعد الهجمات على المستشفيات.
وقالت كافاريللا: “المعارضة لا تتوافر على ما يكفي من القدرة العسكرية لتفادي الهزيمة. وفي غياب تلك القدرة، اختارت التحالف مع جبهة النصرة. وهو تحالف لا ينطوي على أهداف أو أيديولوجية مشتركة عند معظم المجموعات”.
في كل هذه الأثناء، استولى “داعش” على قرى عدة من الثوار المدعومين من الولايات المتحدة في شمالي حلب، وهو على وشك الاستيلاء على بلدة اعزاز. وتواجه قوات المعارضة هذه الهزيمة من دون زيادة للدعم الأميركي.
على المدى القصير، ليس هناك شيء من شأنه وقف روسيا عن الاستمرار في هجماتها على جبهة النصرة ومجموعات المعارضة الأخرى.

ما تزال مباحثات جنيف مترددة في أفضل الحالات. وكان المفاوض الرئيس قد استقال في وقت سابق هذا الأسبوع احتجاجاً على رفض النظام السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى داخل المناطق المحاصرة، واحتجاجاً على الحملة الجوية الروسية.
ومن جهتها، لم تنفذ الأمم المتحدة حتى الآن تعهدها بإسقاط المساعدات الإنسانية من الجو في المناطق التي يسيطر عليها الثوار من دون انتظار سماح الأسد بذلك. وقد مر الموعد النهائي الذي حدد في أول حزيران (يونيو) لإسقاط المساعدات من جانب مجموعة دعم سورية الدولية التابعة للأمم المتحدة من دون اتخاذ أي إجراء.
وتقول كافاريللا للديلي بيست: “يؤكد فشل المجموعة في الوفاء بتعهدها أن روسيا تتمتع بحرية العمل في سورية”.

ترجمة:عبدالرحمن الحسيني

صحيفة الغد