معركة الفلوجة

معركة الفلوجة

معركة-الفلوجة
بعد التحضير لمعركة الموصل، والبدء في تنفيذ خطة استرجاعها، انقلبت الأولويات نحو الفلوجة، البلدة التي قاومت الاحتلال الأميركي وأذلّته، وترابطت في مقاومتها مع مدينة الصدر، المدينتين اللتين صبّ الاحتلال جام غضبه عليهما. لماذا هذا الانقلاب؟ أو لماذا هذه السرعة في فتح معركة الفلوجة، وإدخال “الحشد الشعبي” طرفاً رئيسياً فيه، ضد مدينةٍ متهمة بالأصولية، على الرغم من أنها كانت البلد المقاوم للاحتلال؟
من الواضح أن الصراعات الداخلية هي التي فرضت هذه المعركة، حيث تصاعد الحراك الشعبي ضد الحكومة والعملية السياسية والتدخل الإيراني، وتوسع كثيراً، بعد أن دخل التيار الصدري على خط الصراع، ودعم تحقيق تغيير حقيقي. في معظم هذا الحراك، يظهر أنه ينطلق من “بيئةٍ شيعيةٍ”، وهو الأمر الذي يضعف التحالف “الشيعي” المسيطر على الدولة، والذي، في جزءٍ كبيرٍ منه، هو تابع لإيران. لهذا، كان ضرورياً الذهاب إلى معركةٍ يكون الهدف منها هو “الشحن الطائفي”، لفرض تماسك “الشيعة” بالتخويف من “السنة”، وإنْ كان عنوان المعركة هو طرد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من الفلوجة. حيث جرى تسريب فيديوهات طائفية فظيعة بلسان قادة من “الحشد الشعبي”، تؤكد على سحق الفلوجة (وليس داعش). وجرى إظهار دور قاسم سليماني قائداً لـ”الحشد الشعبي”، واستعيد نوري المالكي (الذي سلّم الفلوجة أصلاً لداعش).
هذا سيناريو لتخريب الحراك الشعبي، سواء بإعطاء الأولوية لـ”الحرب ضد داعش”، كما تفعل أميركا وروسيا، وكل هؤلاء لا يحاربون داعش، وبالتالي، سحب التركيز جهة بعيدة عن الصراع الفعلي الذي يهدف إلى إطاحة العملية السياسية، في سياق محاربة الفساد وإنهاء المحاصصة الطائفية. أو سواء لاستعادة الشحن الطائفي، والسعي إلى “ضبط” الشيعة تحت المظلة الإيرانية، بعد أن خرجت بعيداً عنها، بل طالبت برفض التدخل الإيراني. “البيئة الشيعية” هي التي باتت تُصارع النظام الطائفي الذي كرّسه الاحتلال الأميركي، وورثه النظام الإيراني، المصمّم على الفرز الطائفي، لكي يضمن سيطرته، حيث إنه يستغلّ الشيعية غطاءً أيديولوجياً لسيطرةٍ فعليةٍ طويلة الأمد.
ما ظهر هو هذا الفعل الطائفي الذي مارسه “الحشد”، حيث قتل واعتقل وعذّب كثيرين من أهالي الفلوجة الذين نزحوا وفق طلب “الحكومة”، وفعل الأمر نفسه في القرى التي سيطر عليها. ليظهر أن داعش “الشيعية” “تقاتل” “داعش السنية”. وقد وضعت، هنا، كلمة تُقاتل بين مزدوجين، بالضبط لأن الداعشين لا يتقاتلان، بل الذي يُقتلون هم أهالي المنطقة، تحت عنوان أنهم سنة. خصوصاً لأن قتال هؤلاء ضد الاحتلال كان يتناقض مع السياسة الإيرانية التي كانت متوافقة مع الاحتلال (وهو ما ظهر في وثائق جديدة). وكما تريد أميركا الانتقام، يقوم “الحشد” كذلك بالانتقام.
يحمل “الحشد الشعبي” (فيلق بدر وسرايا خراسان وعصائب أهل الحق وحزب الله العراق وغيرها) منظوراً طائفياً متوتراً وانتقامياً. وقد مارس ذلك في تكريت، حين سيطر عليها بمساعدةٍ جويةٍ أميركية (بعد أن عجز وحده عن احتلالها). ومارسها، ولا زال، في ديالى، حيث قتل على أساس طائفي، ومارس التطهير “الطائفي”. وهو، في ذلك كله، يشابه داعش والنصرة، ويحمل أيديولوجية أصولية منغلقة مثلها. لكنه أيضاً يخضع لسياسة أجهزة مخابرات مثلها، وينفّذ سياساتٍ تخدم النظام الإيراني تحديداً، بينما يخدم تنظيم داعش استخبارات دول متعددة، من أميركا إلى إيران وتركيا والنظام السوري وروسيا. لتكون الحرب المعلنة بين هذه وتلك الشكل الذي يجري عبره تحقيق مصالح الدول، وتخريب الثورة، والانتقام من الشعب الذي ثار.
بالتالي، إذا كانت “معركة” أميركا مع داعش هي لترتيب وضع السلطة، بما يجعلها تعيد السيطرة عليها، بعد أن سيطرت إيران بعد الانسحاب العسكري الأميركي. وبالتالي، تكمن مناورة سياسية خلف هذه “المعركة”، وتمارس إيران الأمر نفسه في الفلوجة، لتعزيز سيطرتها، بإعادة إنتاج الانقسام الطائفي الذي كان يتفكّك نتيجة تحويل الصراع إلى صراع الشعب ضد النظام. وإذا كانت “المنطقة السنية” قد هُرست بذاك الصراع “ضد داعش”، فإن الصراع ضد العملية السياسية والسيطرة الإيرانية سوف يتصاعد.

سلامة كيلة

صحيفة العربي الجديد