سنة على الاتفاق النووي الإيراني: التداعيات الاقتصادية والنووية، والإقليمية

سنة على الاتفاق النووي الإيراني: التداعيات الاقتصادية والنووية، والإقليمية

rtr4v40c_0

يعرض الاتفاق النووي الإيراني مقايضة بسيطة: في مقابل موافقة طهران على الحد من قدراتها النووية، سيتم رفع العقوبات الاقتصادية عنها. ولكن الشيطان يكمن في التفاصيل المتعلقة، على سبيل المثال، بدور الصواريخ البالستية على الجانب النووي من المعادلة، ودور الدولة الراعية للإرهاب على جانب تخفيف العقوبات.
الآن، تقترب الذكرى السنوية الأولى للاتفاق الذي وُقع في جنيف يوم 14 تموز (يوليو) 2015 -وهي فرصة جيدة لتأمل تداعيات الاتفاق وآثاره الاقتصادية والنووية والإقليمية، بينما يحتدم النقاش حوله في واشنطن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
في واشنطن، يتزايد الدعم لفكرة أن إدارة باراك أوباما فشلت في اعتبار طهران مسؤولة عن ارتكاب انتهاكات نووية، وقللت من شأن الكسب الاقتصادي الإيراني المفاجئ الناجم عن تخفيف العقوبات، وتجاهلت الآثار الإقليمية السلبية للاتفاق النووي على رعاية الدولة للإرهاب.
وقد أمل النقاد عبثاً بأن يضع الاتفاق النووي قيوداً واضحة على الصواريخ الباليستية. ومع ذلك، تُرك العبء في هذا الصدد على كاهل الأمم المتحدة بدلاً من أطراف الصفقة.
تدعو الفقرة الثالثة من المرفق “ب” من قرار الأمم المتحدة رقم 2231 (2015) إيران إلى عدم القيام بأي نشاط يتعلق بالصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية، بما في ذلك الإطلاقات التي تستخدم مثل هذه التكنولوجيا للصواريخ الباليستية. ولأن الاتفاق النووي لم يفعل شيئاً لمعالجة كامل طيف تطوير الصواريخ البالستية الإيرانية، فإن ضعف اللغة المتعلقة بالصواريخ في هذا القرار أفضى إلى تفاقم المشكلة.
في 31 آذار (مارس) من العام الحالي، قام نواب الحزب الجمهوري، مايك بومبيو من كنساس؛ وبيتر روسكام من إلينوي، ولي زيلدن من نيويورك، بتذكير وزير الخارجية جون كيري بأنه كان أكد للكونغرس في سياق بيع الصفقة النووية أن الإدارة ستوفر استجابة دبلوماسية قوية على تجارب طهران لإطلاق الصواريخ. لكن هذا -للأسف- لم يكن واقع الحال.

قبل إبرام الاتفاق النووي في تموز (يوليو) 2015، كان محظوراً على إيران صراحة وفق قرارات الأمم المتحدة إجراء التجارب على الصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية. وذكر قرار مجلس الأمن رقم 1929 أن المجلس “يقرر ألا تقوم إيران بأي نشاط يتعلق بالصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية”. وفرض استخدام مصطلح “يقرر” إلزاماً قانونياً صارماً لجميع الدول بالامتثال.
ولكن، في مقابل موافقة طهران على الاتفاق النووي، منحت إدارة أوباما إيران -عن غير حكمة- المرونة لاختبار الصواريخ الباليستية. ثم صادق قرار مجلس الأمن 2231 على الصفقة، مستبدلاً ذلك الحظر السابق بلغة فضفاضة تصالحية: “إن إيران مدعوة إلى عدم القيام بأي نشاط يتعلق بالصواريخ الباليستية الصممة لتكون قادرة على حمل أسلحة نووية”.
وكما كتب كولوم لينش في مقال في مجلة “فورين بوليس” يوم 16 آذار (مارس):
“التدابير المحدَّثة ليست ملزمة قانوناً ولا هي مقيِّدة مثل تلك التدابير التي كان معمولاً بها في وقت إبرام الاتفاق النووي. وفي جوهره، يوفر القرار 2231 لإيران ثغرة كبيرة بما يكفي لتطوير صواريخ متوسطة وبعيدة المدى من دون التعرض لخطر مخالفة إملاءات مجلس الأمن. كما أنه يعقد الجهود لتحديد ما هي أنواع من الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية”.
وكان وصف لينش دقيقاً جداً. فقد فشلت إدارة أوباما في اعتبار طهران مسؤولة عن ارتكاب انتهاكات نووية. ولكن إرضاء إيران يُربط أيضاً بالإرهاب الذي ترعاه الدولة. وفي سياق تسويق الصفقة النووية، أعربت إدارة أوباما ضمناً عن توقعها أن تقلل طهران من مشاركتها في الإرهاب الذي لديها سجل كبير فيه.
وكان التقرير القطري لوزارة الخارجية الأميركية حول الإرهاب للعام 2013 وضع إيران على رأس قائمة الدول الراعية للأنشطة الإرهابية. وقال التقرير التالي الذي صدر في العام 2014 الشيء نفسه، كما فعل تقرير العام 2015، الذي صدر يوم 2 حزيران (يونيو) 2016. وقد دعمت طهران الصراعات الجارية في سورية والعراق، وكانت متورطة في غارات المعارضة الشيعية العنيفة في البحرين. وبذلك، تواصل إيران صفتها كدولة راعية للإرهاب، بغض النظر عن الاتفاق النووي.

في مقابلة مع ستيف إنسكيب من محطة (أن. بي. آر)، قال أوباما إنه كان من الممكن نتيجة إشراك الولايات المتحدة لإيران عبر الاتفاق النووي، أن تبدأ إيران “اتخاذ قرارات مختلفة تكون أقل إساءة إلى جيرانها”. وقال صحفي “الأتلانتيك” جيفري غولدبرغ متأملاً: “لقد علق [أوباما] الأمن العالمي وإرثه الخاص على التزام واحدة من الدول الرائدة في رعاية الإرهاب في العالم باتفاق يهدف إلى وقف برنامجها النووي”.
أما الأكثر صلة بهذه النقطة، فهو قول أوباما لغولدبرغ: “كانت إيران، منذ العام 1979، عدواً للولايات المتحدة، وشاركت في الإرهاب الذي ترعاه الدولة، وهي تشكل تهديداً حقيقياً لإسرائيل والعديد من حلفائنا، وتشارك في جميع أنواع السلوك المدمر”، لكن هذا الاعتراف لا يكفي لتبرئة أوباما من تسامحه مع ممارسة طهران أعمال الإرهاب كالمعتاد، في حين يقبل بطهران كشريك مناسب يمكن أن يبرم صفقة معه.
كشفت المقابلات مع (أن. بي. آر) و”الأتلانتيك” إيمان الرئيس بإمكانية إخضاع الإرهاب الإيراني للإشراف، وهو الأمر الذي لم تؤيده الحقائق.
في تلخيص حجج منتقدي أحكام تخفيف العقوبات التي تضمنها اتفاق إيران، وصف روبرت إينهورن وهو مفاوض سابق رفيع المستوى في إدارة أوباما والذي ساعد في تطوير ما أصبح اتفاق العام 2015، المخاوف من أن “كسباً مفاجئاً” من الأموال المفرج عنها سوف “تمكن إيران من تخصيص موارد إضافية كبيرة لزعزعة استقرار جيرانها وتوسيع نفوذها الإقليمي”.

فصل إينهورن الجهود الرامية إلى “تقليل الآثار السلبية المحتملة للأموال المفرج عنها”. ومع ذلك، من المرجح أن هذه الأموال ساعدت طهران في زيادة مساعداتها للوكلاء والحلفاء في لبنان، وسورية، والعراق، والبحرين، وقطاع غزة، واليمن. وبالإضافة إلى ذلك، واصلت إيران تعزيز القدرات العسكرية لقوة القدس في الحرس الثوري، والتي تعمل في العديد من هذه البلدان.
وثمة ما هو أكثر إثارة للقلق، وهو دعم إدارة أوباما المستمر لتخفيف العقوبات، بغض النظر عن سلوك إيران، كما وصفه جون هانا، المستشار البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، في شهادته أمام لجنة مجلس النواب للرقابة والإصلاح الحكومي في 17 أيار (مايو).
وقال مارك دوبفيتز، المدير التنفيذي لجبهة الدفاع عن الديمقراطية، والمنتقد أيضاً لتخفيف العقوبات بشكل منفصل عن السلوك الإيراني للجنة مجلس الشيوخ للمصارف والإسكان والشؤون الحضرية: “إن إيران منخرطة في محاولة جسورة لإضفاء الشرعية على قطاعها المالي، على الرغم من سجلها الإجرامي على مدى عقود طويلة… من الأنشطة المالية غير المشروعة التي لا تظهر طهران أي علامة على وقفها”.
وبعبارات أخرى، منذ إبرام الاتفاق النووي، فوتت إدارة أوباما فرصا عدة للدفع ضد الجهود الإيرانية الناجحة للحصول على تخفيف للعقوبات وإضفاء الشرعية على قطاعها المالي أمام المجتمع الدولي، على الرغم من رعاية الدولة للإرهاب.
الطريق إلى الأمام

أمام الرئيس الجديد
بغض النظر عمن سيكون في المكتب البيضاوي، فإنه يستطيع (أو تستطيع) أن يعمل مع شركائنا لمواجهة استفزازات طهران. ويمكن أن تشمل مثل هذه الأعمال منع شحنات الأسلحة غير المشروعة وفرض عقوبات على تمويل النظام الإيراني للإرهاب. وهناك أيضاً حاجة إلى إصلاح الثغرة في الاتفاق النووي -الذي لا يتضمن أي عقوبات متفق عليها على الانتهاكات الإيرانية لشروط الاتفاق، والتي تكون أقل من عقوبة الملاذ الأخير المتمثلة في “استعادة” عقوبات الأمم المتحدة ضد إيران- كما اقترح روب ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن، في آب (أغسطس) من العام 2015.
وأيضاً، دعا أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين إلى تجديد “قانون العقوبات الإيرانية”. وهناك عضوان في مجلس الشيوخ، هما الديمقراطي تيم كين من فرجينيا وكريس ميرفي كونيتيكت، وكلاهما كان أيد الاتفاق النووي مع ايران، واللذان قدما مشروع قرار لتمديد قانون العقوبات الإيرانية، المقرر أن ينتهي في نهاية العام الحالي.
وقال متحدث باسم السناتور كين: “نريد هذا للحيلولة دون أن يكون لدى إيران غير ملتزمة بالاتفاق تاريخ محدد لانتهاء صلاحية العقوبات تحت أنظارها”. وكان “قانون العقوبات الإيرانية” قد فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي ودعمها للإرهاب. وعندما تم تنفيذ الاتفاق النووي يوم 16 كانون الثاني (يناير) من العام الحالي، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أن الولايات المتحدة بصدد رفع العقوبات المتصلة بالشؤون النووية عن إيران، لأن الأخيرة أوفت بالتزاماتها النووية على نحو يمكن التحقق منه.

كما ذكر هيل، قدَّم عضو مجلس الشيوخ روبرت مينينديز، الديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي، ومارك كيرك، الجمهوري عن ولاية إلينوي، مشروع قانون في العام 2015 يقضي بتمديد قانون العقوبات على إيران لمدة 10 أعوام. كما قدم السناتور كيلي أيوتي، الجمهوري من نيو هامبشاير، بدعم من 18 من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الآخرين، مشروع قانون منفصل لتمديد صلاحية القانون حتى العام 2031، والذي يطالب بفرض عقوبات جديدة مرتبطة ببرنامج إيران للصواريخ البالستية.
مع اقتراب الذكرى السنوية لإبرام اتفاق إيران النووي في منتصف شهر تموز (يوليو) المقبل، فإن من شأن الخطوات المذكورة أعلاه أن تعالج الثقوب على الجانب المتعلق بتكنولوجيا الصواريخ من معادلة الاتفاق النووي. وعلى جانب العقوبات، سيكون من شأنها إلغاء الشعور بالاسترخاء الذي يوفره رفعها في حال استمرار ممارسة إيران للإرهاب الذي ترعاه الدولة.

ريمون تانتر

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

صحيفة الغد