نهاية «داعش»؟

نهاية «داعش»؟

داعش-نون-بريس

عندما بدأت ظاهرة «داعش» تطفو على سطح الأحداث وبالتحديد عندما أعلنت دولتها على جزء مهم من أرض العراق في يونيو 2014 ثم امتدت لاحقاً إلى أجزاء من الإقليم السوري احتدم الجدل حول مستقبل هذه الظاهرة، وانقسم الرأي إلى اتجاهين رئيسيين أولهما لا يضم «الدواعش» والمتعاطفين معهم فحسب ولكنه يضم أيضاً بعضاً من خصومها، وقد ذهب هذا الاتجاه إلى أن «داعش» وُجدت لتبقى! وبالنسبة للأنصار كان زعمهم أن «داعش» تمثل التطور «الطبيعي» للحركة الرامية إلى إعادة الاعتبار للإسلام بعد أن جار عليه أبناؤه وخصومه معاً! وأن الظروف الراهنة باتت تسمح بتحقيق الانتصار التاريخي للحركة الإسلامية! أما خصوم «داعش» فكان رأيهم أن التردي الذي أصاب بعض النظم والمجتمعات في الدول الإسلامية قد وفر الظروف الملائمة لانتشار هذه الدعوة الضالة، وهو كفيل أيضاً بتوفير ظروف بقائها طالما بقي الحال على ما هو عليه. أما الاتجاه الثاني فقد خلص إلى أن «داعش» لا تعدو أن تكون مفارقة تاريخية قد تدوم بعض الوقت ولكنها بالتأكيد إلى زوال، أولاً لمجافاة أفكارها لصحيح الإسلام وسهولة تفنيدها إذا وقع التطوير المطلوب للخطاب الديني، كما أن من شأن الدول التي وقعت ضحية لها أو المهددة بذلك إن هي أصلحت أوضاعها أن تضع الظاهرة في حجمها الطبيعي تمهيداً لتصفيتها وخاصة أن «داعش» قد باتت تمثل تهديداً للدول الكبرى وخاصة الأوروبية وبالذات بعد هجمات باريس وبروكسل وغيرهما، وبالتالي فقد كان متوقعاً أن تتدخل هذه الدول بقوة للقضاء على هذه الظاهرة المرضية وقد كان، إذ تدخلت الولايات المتحدة وروسيا وعدد من دول الاتحاد الأوروبي على رأسها فرنسا وبريطانيا بوسائل مباشرة وغير مباشرة لتقويض قوة «داعش».

وتشير التطورات الأخيرة في العراق وسوريا وليبيا إلى صحة وجهة النظر التي عبر عنها الاتجاه الثاني إذ يبدو أن منحنى قوة «داعش» قد بدأ في الهبوط بوضوح بعد الانتصارات التي حققتها القوات العراقية في عملية تحرير الرمادي وتقدمها حتى الآن في معركة تحرير الفلوجة. وكذلك انتصارات قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً وقوات النظام ضد «داعش» في معاقله الاستراتيجية في الرقة ومنبج. وأخيراً إحكام التشكيلات العسكرية الموالية لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا الحصار حول سرت التي كانت حصناً حصيناً لـ«داعش». فهل تعني هذه التطورات أن نهاية «داعش» باتت وشيكة؟ كاتب هذه السطور من الذين اعتقدوا منذ اللحظة الأولى أن «داعش» مفارقة تاريخية لا مستقبل لها، ولكن هذا قد لا يعني بالضرورة أننا مقبلون على سيناريو انهيار سريع لها. ستنهار «داعش» بالتأكيد ولكن ما زال في جعبتها تكتيكياً ما قد تعطل به تقدم خصومها، وبالتالي فإن المعارك المتبقية ليست سهلة وقد تشهد مفاجآت خاصة في ظل اعتقاد «الدواعش» بأنهم طالبو «شهادة في سبيل الله»! كما أن لحظة نهاية دولة «الخلافة» المزعومة قد لا تكون بالضرورة هي لحظة نهاية «داعش» لأنه ساعتها ستدرك مدى حماقة فكرة إقامة كيان إقليمي يسهل تعرضه للهجوم، بينما كان الأسلوب الذي يتسق واستراتيجية حرب العصابات القائمة على مبدأ «اضرب واهرب» يوفر بالتأكيد حرية كبيرة في الحركة دون خسائر تُذكر. أما الآن فـ«داعش» عرضة للهجوم من كل اتجاه، وبالتالي فسترتد مرة أخرى إلى أسلوب العمليات الإرهابية التي تضرب هنا وهناك ويصعب التنبؤ الدقيق باتجاهاتها خاصة بعد تكتيك «الذئاب المنفردة» الذي يعقد كثيراً وأد العمليات الإرهابية قبل وقوعها، فإن حدث هذا فلن يكون أمامنا سوى الاستمرار في اقتلاع جذور الإرهاب بشتى الطرق الممكنة وليس بالقوة المسلحة أو بالأساليب الأمنية وحدها، فقد ثبت عدم كفاية هذه الآليات وحدها. هي ضرورية بالتأكيد ولكنها ليست كافية طالما بقيت للإرهاب منابعه وأولها حالة التشوه الفكري التي يتسبب فيها خطاب ديني لا ينفذ إلى جوهر الإسلام، والتهميش الاجتماعي الذي أقنع شباباً ليس في بلادنا وحدها وإنما حتى في دول أوروبية ديمقراطية بخطاب الإرهاب ومنطقه ودفعهم من ثمّ لأن يكونوا وقوداً لنار الكراهية التي أشعلها «داعش» والتي يتعين علينا تحقيق أكبر قدر من التكاتف للعمل على إطفائها وإقامة نموذج العيش السليم الذي يتسق وجوهر ديننا الحنيف.

د.أحمد يوسف أحمد

   صحيفة الاتحاد