المسلمون في الولايات المتحدة.. ضحية إرهاب داعش وإرهاب الإسلاموفوبيا

المسلمون في الولايات المتحدة.. ضحية إرهاب داعش وإرهاب الإسلاموفوبيا

_82889_tt3

تمر سيارة بيك أب أمام المركز الإسلامي بمدينة فورت بيرس، حيث كان يقيم عمر متين منفذ هجوم أورلاندو، ويطلّ منها أحدهم وهو يصرخ متوجّها للمسلمين الذين كانوا يتوافدون على المركز “اذهبوا إلى الجحيم أيها القاذورات”، في مشهد يعكس تأثّر المجموعة المسلمة في فورت بيرس وتعرضهم لشتى أنواع الخوف والتهديد بالهجوم الإرهابي الذي اهتزّت على وقعه المدينة الأميركية يوم الأحد الماضي وخلّف 49 قتيلا.

ويقول بدار بخت الخمسيني المنحدر من باكستان “نشعر بالخوف”، لدرجة دفعت المصلين في مسجد الحيّ، والذين يبقون حتى منتصف الليل، إلى التجمّع عند الانتهاء من صلواتهم ولا يغادرون المسجد إلا جماعات.

ويتوقّع “أن تعود الأمور إلى مجاريها بعد أسبوعين (..) لكن حاليا ستستمر المضايقات والإهانات وستتواصل الاتصالات الهاتفية بالمسجد من أشخاص مجهولين ويتركون رسائل غبية”.

وللمرة الثانية منذ توجه منير أبوصالحة في 2014، الذي كان يرتاد هذا المسجد، إلى سوريا حيث قضى في اعتداء انتحاري، تسلّط الأضواء على المركز الاسلامي بهذا الحي. وقال رجل خمسيني بمرارة وهو يغادر المكان رافضا كشف هويته “نحن أناس هادئون. لم يسبق أن تعرضنا لمشاكل، لكن بسبب ما فعله هذا الشخص، نشعر بالخجل”.

ذات المرارة تحدّثت بها فاطمة رحمتي، الأفغانية الأميركية البالغة 37 عاما، قائلة إن الدم تجمّد في عروقها عندما سمعت أن منفذ هجوم أورلاندو أميركي من أصل أفغاني. وقالت رحمتي، التي تعمل في جمعية نيويوركية تساعد الأفغانيات على الاندماج في المجتمع عبر تدريس الإنكليزية وكيفية التصرف، أن “الجميع في حالة صدمة. هذا مثير للرعب”. وتضيف “لا نعرف كيف ستكون عواقب الأمر”، وحالة من الخوف من الانتقام تجتاح الأوساط المسلمة في أميركا بينما تزداد الأجواء السياسية توترا في الولايات المتحدة على خلفية الحملات الانتخابية التي تستفيد كثيرا من مثل هذه الأحداث؛ خصوصا المرشح دونالد ترامب الذي وجد في اعتداء أورلاندو فرصة ذهبية ترفع من رصيده.

وبعد اعتداءات باريس في نوفمبر وسان برناردينو في ديسمبر تضاعفت الجنح التي نسبت إلى الكراهية واستهدفت المسلمين ثلاث مرات في الولايات المتحدة. وقد وصلت كراهية المسلمين إلى مستوى غير مسبوق فيها وفق مسؤولين مسلمين، وهي مشاعر تؤجهها تصريحات المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب الذي يريد منع دخول المسلمين إلى البلاد لفترة محددة.

تداعيات حادث أورلاندو

يرى أيمن الدسوقي، أستاذ العلوم السياسية المشارك في مجموعة جامعة أبوظبي للمعارف، أن هجوم أورلاندو جزء من موجة جديدة من الإرهاب الفردي، تهيمن عليها الدوافع الأيديولوجية المرتبطة بالراديكالية الإسلامية.

اعتداء أورلاندو يضع المسلمين في فورت بيرس تحت الأضواء ويجعلهم عرضة لشتى أنواع الخوف والتهديد

وتشير التوقعات إلى أن هذه الموجة سوف تتزايد، وبصفة خاصة في العالم الغربي، وأنه ربما تصل إلى ذروتها في غضون فترة قصيرة وتمتد إلى نهاية العقد الحالي، لا سيما بفعل التطورات المهمة في الحرب الدولية على داعش.

ويؤدي تصاعد العمليات الإرهابية التي تُنسب إلى مسلمين، إلى عمليات مضادة من قِبل المناهضين للمسلمين في الدول الغربية، على نمط الهجوم الذي نفّذه النرويجي أندريه ريفيك في عام 2011. وهو ما بدأنا نشاهده بالفعل، في ضوء التهديدات التي تتلقاها الجاليات المسلمة في أوروبا وأميركا الشمالية. وفي حالة أورلاندو، استغل المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، وأنصاره هذا الحادث للترويج لسياستهم المعادية للمسلمين وخططهم لمنع دخولهم البلاد، بل ومهاجمة المنافسة الديمقراطية، هيلاري كلينتون.

ويرى مراقبون أن المرشح المحتمل للحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية، دونالد ترامب، المعروف بخطابه المعادي للإسلام، سيستفيد في حملته الانتخابية، من هجوم أورلاندو، الذي يعد أكبر حادث إطلاق نار تشهده البلاد، ونفذه شاب مسلم. وكان ترامب قد دعا إلى فرض حظر كامل على دخول المسلمين للبلاد، عقب هجوم إرهابي وقع في مدينة سان برناردينو، بولاية كاليفورنيا، وخلف 14 قتيلا، في ديسمبر من العام الماضي.

وجدد تلك الدعوة يوم الاثنين الماضي، عقب الهجوم في مدينة أورلاندو، حيث توعد ترامب بوقف مؤقت للهجرة من “مناطق العالم ذات التاريخ المعروف بمعاداتها للولايات المتحدة وأوروبا وحلفائنا، حتى نفهم كيف يمكن أن نقضي على هذه التهديدات”. ومن المعتقد أن النجاح الذي حققه ترامب، على منافسيه في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، جاء نتيجة الخوف الذي تصاعد في الولايات المتحدة، بعد هجوم سان برناردينو وهجوم باريس.

وقال نادر هاشمي، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر الأميركية، إن الهجمات الإرهابية الأخيرة، التي شهدها العالم، تسهم في تقوية خطاب السياسيين الشعبيين الجمهوريين، الذي يستهدف المسلمين في الولايات المتحدة، كما تُظهر للعيان، الخوف من الإسلام والمسلمين، المتجذر في الغرب والولايات المتحدة. وأعرب هاشمي عن قلقه من أن تزداد فرص ترامب للفوز برئاسة الولايات المتحدة، في حال حدوث هجمات إرهابية أخرى.

“عرائن ذئاب” تفجر إرهاب داعش في أميركا
نيويورك – إذا كان عمر متين قد تصرّف بمفرده في التخطيط للعملية التي راح ضحيتها 49 شخصا في ملهى ليلي للمثليين في أورلاندو فقد كان ذلك الاستثناء لا القاعدة في القضايا الأميركية التي دارت الشبهات فيها حول أنصار تنظيم الدولة الإسلامية.

فقد أدت أسوأ عملية إطلاق نار على أعداد كبيرة من الناس في التاريخ الأميركي الحديث إلى تجدد تحذيرات من المهاجمين المنفردين.

لكن مراجعة أجرتها رويترز لنحو 90 قضية، كان التنظيم طرفا فيها، رفعتها وزارة العدل منذ عام 2014 توصلت إلى أن ثلاثة أرباع المتهمين هم جزء من جماعة تتراوح بين فردين وأكثر من عشرة التقوا وجها لوجه لبحث خططهم.

ويقول خبراء في التشدد الديني ومكافحة الإرهاب إن صورة المهاجم المنفرد تحجب المدى الذي يقطعه الأفراد في التحول إلى اعتناق الأفكار المتطرفة من خلال الارتباط الشخصي بأشخاص لهم توجهات فكرية متماثلة فيما يمكن أن يطلق عليه “عرائن الذئاب/الخلايا”.

وقالت كارين جرينبرج، التي تدير مركز الأمن الوطني بجامعة فوردهام في نيويورك “نحن نركز جدا على المادة الموجودة على الإنترنت لدرجة أننا نغفل وجود الصلة البشرية”.

وبدأت جهود أجهزة إنفاذ القانون لمكافحة التطرف النابع من الداخل تركز بدرجة أكبر على الديناميات التي تحرك الجماعات. وحصلت وزارة العدل على أحكام بالإدانة في حوالي 90 قضية مرتبطة بداعش.

وتتراوح العلاقة بين المشاركين في التآمر بين المعرفة العابرة والصداقات مدى الحياة بين متزوجين وأبناء عمومة وبين زملاء في السكن وأصدقاء الدراسة. وفي بعض الحالات ضمت المجموعة عددا من المتهمين من تجمع سكني واحد مثل التحقيق الواسع في مينيسوتا الذي اتهم فيه عشرة أميركيين من أصول صومالية بالتآمر لمساعدة تنظيم الدولة الإسلامية. وفي حالات أخرى مثل حالة الزوجين المسؤولين عن حادث سان برناردينو بولاية كاليفورنيا كانت العلاقات أكثر حميمية.

بدوره، اعتبر عمرو العزم، عضو هيئة التدريس في قسم تاريخ وأنثروبولوجيا الشرق الأوسط في جامعة شاوني الأميركية، أن أيّ هجوم إرهابي يقوم به أجنبي في الولايات المتحدة، سواء كان مسلما، أم لا سيصبّ في مصلحة ترامب. وقال العزم، إن السياسيين من أمثال ترامب، يستغلون المخاوف التي يحملها كثير من الناس تجاه الإسلام والمسلمين، مشيرا في هذا الإطار إلى إعلان ترامب السريع عن ارتباط هجوم أورلاندو بالإسلام المتطرف، رغم عدم وجود دليل على ذلك.

قلق من رد الفعل

رغم أن ترامب تعرّض للانتقاد بسبب تصريحاته، إلا أن ذلك لا يخفّف من القلق الذي يساور فاطمة رحيمي التي ترى أن “المناخ السياسي يؤجج احتمال قيام جهات أميركية لأعمال انتقامية؛ ونفس الموقف تتخذه مواطنتها وازمة عثمان، التي قالت بدورها إنها شعرت بالفزع إثر سماعها بمجزرة أورلاندو التي استهدفت ملهى للمثليين. وقالت “شعرت بأنني معنية مباشرة بالأمر”، خاصة وأنها عضو في جمعية الفنانين والكتاب الأفغان الأميركيين المدافعة عن حقوق المثليين والمتحوّلين جنسيا. وقد سارعت جمعيتها لنشر بيان يدين المجزرة في مواجهة “خطاب الكراهية السام الذي تروج له وسائل الإعلام”.

أما خالد عبدالملك، الطالب في الهندسة والذي يدرّس القرآن للأطفال فصب جام غضبه على متين وأمثاله من مرتكبي الاعتداءات باسم منظمات جهادية.

وقال عبدالملك “الأمر يؤرقنا، أولا لأنه عمل مروّع، وثانيا لأننا نواجه مزيدا من عدم التسامح. إنهم يسببون لنا الأذى وعلينا تحمل التبعات. ليس نحن فحسب، وإنما المسلمون في كل مكان”.

وليس هناك أدلّ على صحة مخاوف عبدالملك ورحيمي وعثمان وغيرهم من الأميركيين من أصول أفغانية مسلمة والذين يقدر عددهم في الولايات المتحدة بما بين 80 و300 ألف شخص ويتجمعون خصوصا في كاليفورنيا وفيرجينيا، بشأن تبعات العمليات الإرهابية على المسلمين في الدول الغربية من دراسة ألمانية صدرت حديثا أظهرت أن الشعور بالاستياء من المسلمين تزايد بشكل واضح في ألمانيا. وأوضحت الدراسة، التي أجراها علماء جامعة لايبتسيج الألمانية، أن نصف المواطنين صرحوا بأنهم يشعرون “وكأنهم غرباء في بلدهم أحيانا (…) بسبب العدد الكبير من المسلمين”، فيما كانت تبلغ هذه النسبة 43 بالمئة في عام 2014.

وأعرب أكثر من 40 بالمئة من المواطنين عن ضرورة منع المسلمين من الهجرة إلى ألمانيا، فيما بلغت نسبة هؤلاء الأشخاص 6. 36 بالمئة فقط في عام 2014. ووفقا للدراسة، ازدادت التحفظات تجاه طالبي اللجوء، وتنتشر مثل هذه الآراء بصفة خاصة بين أتباع حزب البديل لأجل ألمانيا “إيه أف دي” المعارض للاتحاد الأوروبي والمناوئ لعمليات إنقاذ اليورو.

وبحسب الدراسة، ظلت الآراء اليمينية المتطرفة العامة مثل العداء عموما تجاه الأجانب أو الاستخفاف بالنازية على نفس المستوى الذي كانت عليه في الأعوام الماضية. ولكن العلماء الذين أجروا الدراسة أشاروا إلى أن الأشخاص ذوي الآراء اليمينية المتطرفة أصبحوا مستعدين على نحو متزايد لاستخدام العنف من أجل تنفيذ مصالحهم.

صحيفة العرب اللندنية