الشغف النووي الكوري

الشغف النووي الكوري

45a-military-parade-story-top

خصصت مجلة «الإيكونومست» عدد شهر يونيو الحالي للحديث عن «الكابوس النووي الكوري»، كاشفة عن أن رئيس كوريا الشمالية «كيم جون إن» جعل من بلاده قوة نووية خطيرة، دون أن يتمكن أحد من وقفها. وقد قامت بيونغ يانغ بإجراء تفجير رابع تحت الأرض لتختبر تصنيع سلاح نووي، كما قامت بإطلاق قمر صناعي قبل أسابيع، مخالفةً لقرار مجلس الأمن رقم 1718، وقامت كذلك بتفجير نووي تحت الأرض. وربطت «الإيكونومست» قدرة كوريا الشمالية بالقدرة النووية الإيرانية، حيث تعتقد المجلة أن إيران متقدمة عليها. ويتخوف محللون أميركيون من تنامي القدرات النووية الكورية الشمالية، خصوصاً في ظل خلافات الكوريتين حول عدة قضايا لعل أهمها تحالف «سيؤول» مع واشنطن، لكن بعض المحللين يقللون من قدرة بيونغ يانغ التكنولوجية، ما يمكن أن يجعلها بعيدة الآن عن إنتاج السلاح النووي، بيد أن صوراً نشرتها المجلة للرئيس «كيم» أظهرت قيامه بمعاينة جهاز تعرّض للتجربة مؤخراً تحت الأرض.

القلق الصيني بدا واضح من التجارب النووية الكورية الشمالية، ما حدا ببكين للإعلان عن إمكانية تعاونها مع الغرب لكبح جماح كوريا الشمالية النووي. كوريا الجنوبية ما زالت غير واثقة من جدية الصين في سعيها المعلن، وتعتبر أن بكين لم تغير سياساتها تجاه الحد من الانتشار النووي، بل سوف تقبل بعض العقوبات المتسامحة مع كوريا الشمالية، كما صرح «جان يونغ وو»، عضو فريق المحادثات النووية والمستشار الأمني لرئيس كوريا الجنوبية عام 2013، والذي توقع حصول أوباما على مواقفة الكونغرس لفرض عقوبات ثانوية على التجارة ما بين الصين وكوريا.

وعلى ذات الصعيد نشرت وكالات الأنباء الأسبوع الماضي اتجاهاً عالمياً يقوده الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لنزع فتيل التوتر بين الكوريتين، باستئناف المحادثات بينهما، مشيراً إلى التجربة النووية الرابعة التي قامت بها كوريا الشمالية في يناير الماضي، ومعلوم أن كوريا الجنوبية تنظر بعين الريبة إلى التصرفات النووية الشمالية، وأن «سيؤول» تريد تعهدات واضحة حول نزع السلاح النووي الكوري الشمالي. وأبدى «مون» قلقه من امتلاك كوريا الشمالية للسلاح النووي، قائلاً إن سعيها لامتلاك ذلك السلاح إنما «يقوض أمنها ويضر بمواطنيها»، وقد حثها على «تخفيف أي استفزازات إضافية».

وكان مجلس الأمن الدولي قد دان بشدة إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً بعيد المدى، وذلك في اجتماعه يوم 6 فبراير الماضي. في الوقت الذي بررت بيونغ يانغ عملية الإطلاق بأنها لوضع قمر صناعي في مداره، ونفت أية عمليات إطلاق باليستي. وقد أتت عملية إطلاق الصاروخ بعد أسابيع من رابع اختبار لها في عمليات إطلاق الصواريخ التي تعتبر انتهاكاً لقرارات الأمم المتحدة. وقالت سفيرة الولايات المتحدة لدى المنظمة الدولية إن «واشنطن سوف تضمن أن فرض عقوبات أممية جادة على بيونغ يانغ». كما قال مندوب اليابان لدى المنظمة الدولية (يوشيكاوا)، إنه «من الضروري تشديد العقوبات على كوريا الشمالية، لأن العقوبات القائمة لم تمنعها من تطوير أسلحة نووية».

وهكذا يستمر مسلسل تبادل الاتهامات ما بين المجتمع الدولي وكوريا الشمالية، والتي يبدو أن نظامها قد غرق حتى أذنيه في «شهوة» السلاح النووي، دونما مراعاة لواجب الامتناع عن تعريض السلم والأمن الدوليين للخطر والاستفزاز.

وقد وصف «كيم» المناورات الأميركية الكورية الجنوبية المشتركة، في مارس الماضي، وهي أكبر مناورات بعد التجربة النووية الرابعة لكوريا الشمالية، بأنها تُلجئ بلاده إلى «الاستعداد لاستخدام الأسلحة النووية في مواجهة ما وصفه بالتهديدات المتزايدة من الأعداء». وفي الوقت ذاته شنت الصحف الكورية الشمالية هجوماً حاداً على الولايات المتحدة، واصفة تلك المناورات بأنها «تحركات هستيرية للحرب النووية».

كم من طاغية حرَم شعبه من لقمة العيش وأمصال الكرامة! ليس النموذج الكوري الشمالي إلا صورة لذلك الحرمان والقهر الذي يفرضه حكام مستبدون، في سباق تسلح لا تستفيد منه شعوب جائعة تفتقر لرغيف الخبز!

د. أحمد عبد الملك

نقلا عن الاتحاد

Save