“القناة الخلفية” العُمانية إلى اتفاق إيران النووي

“القناة الخلفية” العُمانية إلى اتفاق إيران النووي

ret-alkhargia-alomania-masr-arshy-pic-2309

يتجسد أحد مكامن الغموض في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام الحالي في اختفاء الحديث عن اتفاق إيران النووي كقضية. لكن هناك كتاباً جديداً يكشف عن بعض التفاصيل المذهلة حول كيفية بدء العملية الدبلوماسية مع إيران سراً، قبل وقت طويل من وصول الإصلاحيين إلى السلطة هناك، والدور الحاسم الذي لعبته مرشحة الحزب الديمقراطي المتوقعة للرئاسة، هيلاري كلينتون.
يتكشف هذا السرد الدبلوماسي في كتاب “الأنا الثانية”، الذي وضعه مراسل صحيفة “نيويورك تايمز” في البيت الأبيض مارك لاندلر. وهو أول شخص يكشف عن المدى الكامل لـ”القناة الخلفية” العمانية للاتصال مع إيران، والتي فُتحت في العام 2009 من خلال وسيط اسمه سالم بن ناصر الإسماعيلي.
تُظهر رواية لاندلر كم كان انخراط هيلاري كلينتون وموظفيها في وزارة الخارجية مبكراً وكثيفاً في المحادثات الإيرانية، على الرغم من حذرها في بداية الأمر. وفي حملة يدعو فيها دونالد ترامب في كثير من الأحيان إلى اتباع نهج التباعد في الشؤون الخارجية، تشكل هذه القصة تذكيراً بأن الانفراجات عادة ما تأتي من خلال طرق غريبة وغير مرئية -طرق سعت الإدارة، في هذه الحالة، إلى إبقائها طي الكتمان.
بدأت اتصالات الإسماعيلي في أيار (مايو) من العام 2009، قبل أربعة أشهر فقط من وصول باراك أوباما إلى المنصب، عندما التقى دنيس روس، المستشار الرفيع لكلينتون التي كانت وزيرة الخارجية في ذلك الحين، بالرجل العماني البالغ من العمر 51 عاماً في وزارة الخارجية.
وفي ذلك الاجتماع الأول، فاجأ العماني الأميركيين بـ”عرض من إيران بالتفاوض” حول البرنامج النووي، كما يكتب لاندلر. وكان أوباما أرسل مسبقاً رسالة سرية إلى الزعيم الإيراني آية الله علي خامنئي، واقترح فيها عقد مفاوضات، لكنه تلقى جواباً مختلفاً. و”أكد الإسماعيلي لروس أنه يستطيع أن يجلب الإيرانيين إلى الطاولة”، وأن عُمان ستكون “مكاناً مثالياً للمفاوضات السرية”.
وتبين أن كلا الوعدين كانا صادقين. ومع ذلك، جاءت أولاً الضجة التي أثارتها الانتخابات الرئاسية الإيرانية للعام 2009، والقمع الوحشي لناشطي “الثورة الخضراء”. وقال بعض المنتقدين إن حرص أوباما على تحقيق انفراج دبلوماسي مع إيران أضعف رد فعل الولايات المتحدة على الانتصار المسروق الذي أحرزه الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد.
لكن مسار الوساطة العماني استمر. وبعد أن اعتقلت إيران ثلاثة متجولين أميركيين في تموز (يوليو) من العام 2009، بدأ الإسماعيلي التفاوض سراً على إطلاق سراحهم. وتم الإفراج عن الأول في أيلول (سبتمبر) 2010، ثم الآخرَين بعد سنة من ذلك. وسافر دينيس روس وأحد الزملاء إلى عُمان في كانون الأول (ديسمبر) 2010 لسماع المزيد عن القناة. كما أجرت كلينتون محادثات استكشافية مماثلة مع سلطان عمان في كانون الثاني (يناير) من العام 2011، ولو أنها كتبت أنها رأت في تلك الفُرجة “فرصة ضئيلة” في بداية الأمر.
كان جون كيري بدوره يقفز إلى القناة العمانية حتى قبل أن يصبح وزيراً للخارجية. وقد تعرف إلى الإسماعيلي خلال المفاوضات حول المتجولين المعتقلين في إيران، وقام بزيارات عدة إلى عمان في العام 2011 وأوائل العام 2012. كما التقى كيري أيضاً بالوسيط العماني في لندن وروما وواشنطن.
وفق لاندلر: “في غمرة حماسه لانطلاق المفاوضات، مرر كيري رسائل عدة إلى الإيرانيين من خلال الإسماعيلي”. وربما كانت إحدى هذه الرسائل حاسمة: حيث اقترح كيري، الذي كان ما يزال عضواً في مجلس الشيوخ وليس متحدثاً رسمياً باسم الإدارة، أن يتمكن الإيرانيون من تخصيب اليورانيوم بموجب الاتفاق النووي -وهو مطلب رئيسي لطهران. ويكتب لاندلر: “ببعض الطرق، كان كيري ونظيره العماني المتحمس للوساطة يحددان ما هو المهم”.
وأعقبت ذلك المزيد من اللقاءات السرية عبر القناة العمانية في العام 2012 مع كبار مساعدي كلينتون، نائب الوزيرة بيل بيرنز، ونائب رئيس الموظفين جيك سوليفان. ثم، في العام 2013، بدأ القطار بالتسارع مع تعيين كيري وزيراً للخارجية وانتخاب حسن روحاني رئيساً لإيران. وبحلول نهاية ذلك العام، كان تم التوصل إلى اتفاق نووي مؤقت.
وشرح سوليفان في رسالة بالبريد الإلكتروني أنه على الرغم من أن كلينتون كانت متشككة في البداية إزاء الصلات العمانية، فقد أثبتت تلك الصلات أنها مهمة: “من دون تلك القناة، كنا على الأرجح سنقضي خريف العام 2013 ونحن نحاول معرفة مَن هو الذي نتحدث معه وكيف”.
كما يخاطب كتاب لاندلر أيضاً السؤال حول ما إذا كانت حملة الإدارة الإعلامية، التي قادها نائب مستشار الأمن القومي، بِن رودس، قد أبرزت فصول ما بعد انتخاب روحاني في سردها العلني للقصة، في حين حجبت حكاية الاتصالات المبكرة غير الملاحظة إلى حد كبير من خلال القناة العمانية. وقالت لمحة عن رودس في “مجلة نيويورك تايمز” الشهر الماضي أن هذا الانطباع “تم تصنيعه إلى حد كبير من أجل تسويق الاتفاق النووي”.
كانت يد الإدارة مرئية أيضاً في حذف وزارة الخارجية للقطات من مؤتمر صحفي عقد في كانون الأول (ديسمبر) 2013 في طهران، والذي طرح فيه سؤال عن وجود مفاوضات سرية مع طهران.
يستحق الاتفاق النووي الإيراني مزيداً من الاهتمام في هذه الحملة. وربما كان كيري وأوباما قد اختتما الجهود بإبرام الاتفاق، لكن كلينتون كانت ساعدت في بدئها. ويجب على ترامب أن يشرح السبب في أن العالم سيكون أكثر أمناً من دون هذا الاتفاق، وكيف كان ليفاوض على اتفاق أفضل. ويجب على الإدارة أن تبين السبب في اختيارها السرية حول اتفاق تاريخي بهذه الأهمية.

ديفيد إغناتيوس

صحيفة الغد الأردنية