فورين بوليسي: إذا كان الإسلام دين عنف فالمسيحية كذلك

فورين بوليسي: إذا كان الإسلام دين عنف فالمسيحية كذلك

xioffe-article.jpg.pagespeed.ic.2fZ8d3_NLl

تحدث دونالد ترامب عن حادث إطلاق النار في أورلاندو، بعد التعبير عن تقديره للتهاني التي وجهت إليه بعد أن تبين صحة موقفه تجاه الإسلام المتطرف، مُجددًا إصراره على أن من قتل ذلك العدد الكبير من الناس في الملهى الليلي ليس البندقية ولكنه الإسلام المتطرف، ولا يمكن أن يكون كل منهما من فعل ذلك. إن عالم ترامب يقوم على نقيضين. إنه عالم صفري؛ فإما البندقية أو الإسلام المتطرف هو من قتل الناس. في ذلك العالم، يكون هناك دين واحد سيئ، وبهذا تكون المسيحية جيدة والإسلام سيئ. المسيحية مسالمة والإسلام عنيف. المسيحية تتسم بالتسامح، أما الإسلام فيتسم بالتعصب. كل منهما هذا الشيء أو ذلك بطبيعته، وسلوك أتباع كل منهما محفور في الصخر ثابت لا يتغير.

ويتشارك هذه النظرة للعالم أشخاص مؤيدون لترامب وآخرون غير مؤيدين له. وباللغة العلمانية الدارجة يمكننا أن نطلق على هذه النظرة اسم “المانوية”، أي نظرة تقوم على نقيضين؛ النور والظلام، الخير والشر.

ولكن من الجدير بالذكر أن “المانوية” كانت تستخدم بالأساس لوصف دين انتشر من بلاد فارس إلى الأجزاء الشمال والشرق إفريقية من الإمبراطورية الرومانية خلال القرن الثالث، ذلك الدين الذي تأثر به العديد من المسيحيين الرومانيين الأوائل. وإذا كان لكلمة “مانوية” دلالات سلبية اليوم، فإن هذا بسبب اعتبارها هرطقة من قبل الكنيسة الكاثوليكية، فكان يجب اقتلاعها من الجذور بكل قسوة من داخل العالم المسيحي. وأنا أعني كلمة قسوة؛ فأتباع المسيحية المشوبة بالمانوية قد صودرت بضائعهم وتم إعدامهم، حتى وإن عادوا إلى المسيحية الخالصة ولم تنقطع اتصالاتهم مع المانويين. حتى إن القديس أوغسطينوس قد نادى باضطهادهم.

سبب ذكري للمانويين هو أنني سئمت من سماع حديث بيل ماهر ودونالد ترامب عن أن الإسلام بطبيعته دين عنيف. كما سئمت أكثر من سماع أن المسيحية بطبيعتها دين مسالم. لقد شهدت هذا الجدل عدة مرات، من بينها مرة خلال حفل عشاء عندما التفتت لورا انجراهام إلى الجمهور لاستطلاع آرائهم قائلة: ارفعوا أيديكم إذا كنتم تعتقدون أن الإسلام دين الموت. وقد رفع معظم الضيوف (المحافظون سياسيًا)، وحاولوا جاهدين أن يشرحوا لي كيف أن المسيحية، على عكس الإسلام، هي دين المحبة.

ومع كل الاحترام لأصدقائي المسيحيين، إلا أنني أود بشدة الاختلاف معهم.

لا يفضل المحافظون ذكر الحملات الصليبية -آه! ذلك الشيء القديم؟- وأعتقد أنهم أيضًا لن يفضلوا ذكر المانويين، لكن كلًا منهما أمر مهم، وبخاصة إذا كنت تريد أن تناقش ما إذا كانت الأديان ذات سمات موروثة. وإذا كان هذا انحرافًا عن المسيحية، كما يقول البعض، فلماذا لا يمتد هذا مثلًا إلى الفتوحات الإسلامية في الشرق الأوسط، أو ربما أقول، الدولة الإسلامية؟ لا يمكنك القول بأن أحد الأديان عنيف بطبيعته بسبب أحداث تاريخية لاحقة، ثم تتجاهل التاريخ العنيف للمسيحية وتقول إن الاستثناء يثبت القاعدة.

لا تزال الحملات الصليبية تثير الاحتقان في العالم الإسلامي، ولكن من السهل نسيان الدمار الذي ألحقوه باليهود في أوروبا. فمرة بعد مرة، بينما كان الصليبيون يشقون طريقهم نحو الجنوب الشرقي خلال رحلاتهم العديدة إلى الأراضي المقدسة، قاموا بذبح اليهود الموجودين في طريقهم. لقد قتل الصليبيون أعدادًا كبيرة من اليهود باسم الدين المسيحي، فيما يعد أكبر ضربة ديموغرافية ليهود أوروبا حتى وقت المحرقة النازية، التي حدثت في أوروبا المسيحية المتحضرة قبل بضع وسبعين سنة.

وإذا لم تصدق حديثي عن اضطهاد المسيحيين المانويين، يمكنك القراءة عنه في الموسوعة الكاثوليكية (التي تؤرخ لما حققه الفنانون والمعلمون والشعراء والعلماء الكاثوليك في أماكنهم المختلفة). لقد تعاملت الكنيسة بكل قسوة مع أولئك الذين كانوا يعتنقون أي دين يعد انحرافًا عن دين الكنيسة، فقامت بتعذيب وحرق المنشقين. وبعد أن قام مارتن لوثر بتعليق أطروحاته على باب الكنيسة، فقد أرسى دون قصد قواعد شكل جديد للمسيحية، وقد أدى هذا إلى اندلاع حرب دينية متقطعة بين المسيحيين استمرت لمئات السنين، وقد سفكوا دماء بعضهم البعض إيمانًا من كل منهم أن دينه هو المسيحية الحقيقية. وهذا ليس تاريخًا قديمًا؛ فقد استمر العنف المتبادل بين الكاثوليك والبروتستانت في إيرلندا المسيحية حتى نهاية القرن العشرين.

صرح دونالد ترامب، الإثنين، قائلًا: “إن الإسلام المتطرف يعادي المرأة ويعادي المثلية الجنسية ويعادي الأمريكيين”. واستطرد قائلًا: “أنا أرفض أن تصبح أمريكا مكانًا يتعرض فيه المثليون والمسيحيون واليهود للاضطهاد والترويع من قبل دعاة الكراهية من الإسلاميين”.

ما كان يرمي إليه ترامب هو أن أتباع الإسلام المتطرف (مهما كان تعريفه) لا يتقبلون أولئك المختلفين معهم في العقيدة ولا يملكون إلا أن يمارسوا العنف ضدهم. ربما يكون الإسلام المتطرف كل هذا بالفعل وأكثر، لكن سجل المسيحية ليس أفضل بكثير.

لنتحدث مثلًا عن اهتمام ترامب بتعرض اليهود “للاضطهاد والترويع”. لقد تعرض اليهود خلال الألفي عام الماضية، وحتى قامت الدول الإسلامية بطرد اليهود عام 1948، للاضطهاد والترويع على يد المسيحيين. لقد كانت حياة اليهود في الدول الإسلامية، على الرغم من أنها كانت مثقلة بكل أنواع القيود وأوامر ارتداء ملابس مثيرة للسخرية وأحداث العنف المتفرقة، أقل دموية بكثير من حياتهم في الغرب المتحضر. فهناك الكثير جدًا من الأمثلة التاريخية التي يمكنني ذكرها؛ فقد قتل المسيحيون اليهود لاعتقادهم بأنهم سبب الطاعون؛ وحقيقة أن كلمة “غيتو” (أو الحي اليهودي) أصلها الأماكن المنعزلة التي كان يتم إجبار اليهود على العيش فيها في البندقية خلال القرون الوسطى؛ والمذابح التي شجعت الكنيسة الأرثوذوكسية على ارتكابها بحق اليهود في روسيا. وإن كان هذا حدث منذ زمن طويل، فلنتذكر يوليو عام 1988، خلال الذكرى الألفية للمعمودية الروسية؛ عندما انطلقت الشائعات في موسكو عن أنه ربما تكون هناك مذبحة للاحتفال بذكرى قدوم المسيحية إلى روسيا، وقامت الشرطة بتسليم عناوين اليهود إلى الناس. (كان هذا عندما اضطرت عائلتي إلى مغادرة روسيا المقدسة).

وإذا أردت أن تحصل على قائمة بأسماء الدول المسيحية التي طردت اليهود، فعليك ألا تنظر إلى مؤيدي ترامب الذين يقومون بنشر هذه القوائم على موقع “تويتر” بانتظام ليثبتوا أن اليهود يستحقون العنف الذي مورس ضدهم عبر السنين. كما أن هناك تلك الظاهرة الجديدة؛ حيث ينعتني ترامب بـ”قاتل المسيح” الذي يستحق معاداة السامية “لسخريته من الإنجيل”. ويتخلل هذا نصائح بالعودة إلى الأفران وبدأ الناس في طلب التوابيت لأجلي.

وعلى الرغم من اهتمام ترامب بتعرض اليهود للاضطهاد من قبل “دعاة الإسلام المتطرف”، إلا أنني لا أشعر بالقلق من المسلمين المتطرفين كيهودي مقيم في أمريكا. فهناك الكثير من الكراهية ومعاداة السامية في العالم الإسلامي، لكن ذلك القدر من الكراهية ومعاداة السامية الذي أتلقاه طوال الوقت ليس من قبل المسلمين. إنه يأتي من مؤيدي ترامب البيض المسيحيين. ربما من الأفضل أن يتصدى لاضطهاد الصحفيين اليهود من قبل أتباعه، الذين يقوم البعض منهم بكل حرية بإقحام رموز مسيحية وإشارات إلى سلطة البيض وتهديدات عنيفة خلال اتصالاتهم معهم. لكن ترامب لا يوجه حديثه إليهم، وبالطبع هو لا يتنصل منهم. فقد قال إنه “ليس لديه رسالة” ليوجهها إليهم. وأن رسالته موجهة فقط للمسلمين المتطرفين.

لأن مشاهدة ترامب واليمين المسيحي يهاجمون الإسلام لكونه رافضًا للمثلية، هو أمر في الحقيقة مثير للدهشة. إذا كان هناك مجتمع كاره للمثلية الجنسية، فهو مجتمع المسيحيين المحافظين الذين يروجون لكراهية الشواذ، ويشبهون المثلية الجنسية بالاعتداء الجنسي على الأطفال ومواقعة الحيوانات، والذيم يزعمون أن الإيدز هو عقوبة إلهية، ويجبرون المثليين على “الخضوع للعلاج”، ويمنعون ليس فقط القوانين التي تسمح بزواج المثليين، ولكن أيضًا القوانين التي تطالب بعدم التمييز ضدهم. فقد صرح قس مسيحي، نال شرف صحبة بوبي جيندال ومايك هوكابي وتيد كروز، مؤخرًا، بأن المثليين “يستحقون الإعدام” وفقًا للكتاب للمقدس. والآن، يقف هؤلاء الأشخاص أنفسهم، الذين كانوا يشبهون المتحولين جنسيًا بالحيوانات المفترسة التي تستخدم دورة المياه الخطأ لاصطياد الضحايا من الأطفال، مدافعين عن المثليين ضد الإسلام المتطرف.

ولكن عقب حادث أورلاندو، خرج بعض المسيحيين ليقولوا رأيهم الحقيقي في أولئك المثليين الذين كانوا بالملهى الليلي. فقد نشر أحد المبشرين المسيحيين مقطع فيديو أشاد فيه بحادث أورلاندو قائلًا: “الخبر الجيد هو أن عدد المتحرشين جنسيًا بالأطفال في العالم قد قل؛ لأن هؤلاء المثليين هم مجموعة من المتحرشين بالأطفال والمنحرفين والمثيرين للاشمئزاز”.

وهناك أيضًا المسيحيون المتحمسون الذين يربطون بين المسيحية والبنادق، والذين يقبلون على شراء الأسلحة وكأنها ستنفد غدًا، والذين يتعجبون من حروب الفتوحات الإسلامية. في الحقيقة، إن النقد اللاذع الذي يوجهه المسيحيون المحافظون ليس فقط للإسلامين المتطرفين، ولكن للدين الإسلامي كله، يحمل نفس العنف والتعصب الذي يتهمون به المسلمين.

تحل الجمعة الذكرى الأولى لقتل ديلان روف تسعة أشخاص في قلب معهد دراسات الكتاب المقدس بتشارلستون. قبل دخوله في حالة الهياج تلك كتب بيانًا رسميًا أعلن فيه ولاءه لقضية سمو العرق الأبيض ويشير إلى مجلس المواطنين المحافظين، الذي يزعم أنه يتلزم بـ”بالمعتقدات والقيم المسيحية”، كمصدر أساسي للمعلومات والإلهام. وحسب بعض التقارير، كان روف ينتمي لعائلة اعتادت الذهاب إلى الكنيسة، وقد حضر المعسكر الصيفي المسيحي. فهل قام روف بقتل مسيحيين مثله لأنه مختل أم لأنه المسيحية دين عنف؟

الجواب هو لا. فإنهم ليسوا استثناءات، ولا يتحدثون عن عنف متأصل في المسيحية. لأن ما أرمي إليه ليس أن المسيحية شرًا. لكنها أيضًا ليست ودودة ومسالمة على مر تاريخها. وكذلك الإسلام. ولا اليهودية والهندوسية والبوذية.

ليس هناك دين مسالم أو عنيف بطبيعته، كما أنه ليس شيئًا آخر سوى ما يفعله به أتباعه. الناس عنيفون، ويمكن للناس تبرير عنفهم بأي عدد من المبررات التي تخفف عنهم المسؤولية الشخصية لأن القضية أو الدين، سواءً كان الشيوعية أو الكاثوليكية أو الإسلام أو غيرها، ببساطة أكبر من أشخاصهم. إنه أمر مريح للغاية بالنسبة لمرتكب العنف أو لمن يتهمه، لكنه أيضًا بلا فائدة؛ حيث يمكن التصرف مع المعتدي بأي شكل، ولكن ما الذي ستفعله مع فكرة بلا ملامح؟

إن المسيحية التي رأيت أصدقائي يمارسونها أو التي كان يمارسها المسيحيون الذي أنقذوا اليهود من المحرقة، قد تكون جميلة ومسالمة وودودة. كما كان الإسلام الذي مارسه المسلمون في إسبانيا خلال القرون الوسطى جميلًا ومسالمًا أيضًا. كما أنه قد يكون بشعًا وعنيفًا كما رأيناه في بعض مناطق الشرق الأوسط وأوروبا وفي أمريكا خلال العقود الماضية. كما أن اليهودية التي تعني لدى كثير من الناس الاستهلاكية والانعزال يمكن أن تنطوي على العنف أيضًا. فالهانوكة التي تعد الإجازة المفضلة لدى اليهود العلمانيين، تحتفل في جزء منها بانتصار اليهود المتطرفين على الإخوة الهيلينيين. أما أبناء ديني الذين يهاجمون المسلمين لكراهيتهم للمثليين، فليتذكروا يشاي شليسيل الذي قام بطعن ستة مثليين خلال مسيرة للمثليين في القدس -وكانت هذه هي المرة الثانية التي يقوم فيها بالاعتداء على فعالية للمثليين. ولنتذكر أيضًا باروخ جولدشتاين. عل تذكرونه؟ ذلك الرجل الذي قام بقتل 29 مسلمًا أثناء صلاتهم؟ هل هو استثناء، أم هل كان فعله يعبر عن الخصائص الموروثة لليهودية؟

حتى البوذية، التي يتخيل البعض أنها التعريف الدقيق للسلام، قد تكون دموية. انظروا فقط إلى سريلانكا، التي قامت فيها الأغلبية البوذية بخوض حرب أهلية ضارية ضد الشمال الهندوسي، أو ميانمار، التي يقوم فيها البوذيون باضطهاد مسلمي الروهينجا بكل وحشية.

لا يوجد دين عنيف في جوهره. ولا يوجد دين مسالم بطبيعته. الدين، أي دين، خاضع للتفسير، وغالبًا ما يكون هذا التفسير هو ما نراه جميلًا أو قبيحًا -أو إذا كنا ناضجين بشكل كافٍ لنفكر بطريقة مختلفة، فإنه بين هذا وذاك.

فورين بوليسي – التقرير

Save