فاينانشال تايمز: الولايات المتحدة تنجح في إثارة غضب السنة والشيعة

فاينانشال تايمز: الولايات المتحدة تنجح في إثارة غضب السنة والشيعة

xsunnis-and-shias.jpg.pagespeed.ic.nnMHOIsdBk

بعدما توصلت القوى العالمية بقيادة الولايات المتحدة إلى اتفاق نووي مع إيران دخل حيز التنفيذ في يناير الماضي – وقد صاحب هذا الاتفاق عتاب للسعودية التي تعد العدو اللدود لطهران من قبل أوباما حيث رأى أنها يجب أن “تتشارك مع جيرانها”- أدرك كثير من الحكام العرب السنة أن الولايات المتحدة قد تخلت عنهم.

وبالكاد مرت ستة أشهر حتى اقتنع قادة إيران وحلفاؤهم من الشيعة العرب بأن تغير موقف الولايات المتحدة كان بالفعل ضدهم، وأنهم قد تم خداعهم؛ فالاتفاق فشل في تخفيف العقوبات وتحريك الاقتصاد. والمفارقة أن كلا الجانبين، وهم خصوم في حروب بالوكالة بين السنة والشيعة تسببت في تمزق الشرق الأوسط، على حق.

ويرتكز غضب السعودية وحلفائها من الولايات المتحدة على حقيقة أن إيران الفارسية الشيعية قد اقتطعت أجزاءً من الأراضي العربية في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 واضطرابات الربيع العربي في 2011.

ومن الصحيح أيضًا أن أوباما قد أوضح دائمًا أنه كان يسعى من خلال الاتفاق النووي إلى خلق توازن جديد للقوى في الشرق الأوسط، والذي من شأنه أن يخفف عن الولايات المتحدة عناء التدخل المستمر. وقد وصف “تطور التوازن بين دول الخليج السنية، أو ذات الأغلبية السنية، وإيران بأنها منافسة، وربما ارتياب، ولكنها ليست حربًا نشطة أو بالوكالة”.

وقد أدى الانتشار الخبيث لتنظيم الدولة إلى إدراكٍ متنامٍ لدى الغرب بأن الإسلام الوهابي الأصولي الذي يمارسه السعوديون داخل وطنهم وينشرونه في أنحاء العالم مشابه تقريبًا للفكر الجهادي -على الرغم من أن هذا لم يترجم بعد إلى رد فعل عنيف ضد المملكة الغنية بالنفط.

لكن أسباب الاستياء الإيراني مختلفة تمامًا؛ فالنشوة التي تم بها استقبال رفع العقوبات الدولية في مقابل موافقة إيران على تخفيض برنامجها النووي تحت إشراف دولي. وقد رأى الإيرانيون أنها فرصة للعودة إلى العالم والاندماج مرة أخرى في أسواقه. وقد شعر المستثمرون الأجانب بأن هناك سوقًا ثرية ناشئة لم تكن موجودة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.

كل هذا التفاؤل قد تبخر، والسبب هو مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، وهو فرع من وزارة المالية الأمريكية يتمتع بسلطة غير عادية وامتداد خارج الحدود. لقد تم بالفعل رفع العقوبات الدولية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، لكن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية قد أبقى على “العقوبات الثانوية” الشديدة على الأفراد والكيانات التي تتهمها الولايات المتحدة “بالإرهاب الذي ترعاه الدولة”، وعلى رأسها الحرس الثوري الإيراني، وهو اليد الباطشة للنظام في الداخل وقوته الضاربة بالخارج. لقد اضطرت عقوبات مكتب الأصول الخارجية إيران إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، لكن التفكك الاقتصادي الذي سببته هذه العقوبات قد مكن الحرس الثوري من بناء إمبراطورية اقتصادية. وأي مستثمر أجنبي أو مصرف يتعامل مع الحرس الثوري أو حتى لديه علاقات عرضية معه يتم حرمانه من التعامل في النظام المصرفي الأمريكي.

ويقول رجال الأعمال الأوروبيون الذين أصيبوا بالإحباط والذين يدرسون عقد صفقات في طهران، إنهم دائمًا ما يكتشفون وجود أذرع للحرس الثوري داخل الشركات التي يخاطبونها. وقد امتدت هذه المشكلة إلى لبنان؛ حيث يهدد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بمقاطعة البنوك التي تتعامل مع حزب الله، الذي يعد ذراع إيران في الشام والحليف شبه العسكري للحرس الثوري. وقد اتخذت الخلافات بين حزب الله والبنوك طابعًا عنيفًا بعدما تم تفجير مقر أحد البنوك اللبنانية التي امتثلت على وجه السرعة لمطالب مكتب الأصول الخارجية.

وكما يقول آدم سميث، من شركة “جيبسون دن” القانونية، إن سلطة مكتب الأصول الخارجية أكبر مما يوحي به دوره التنظيمي الرسمي، بناءً على “الغموض” الذي يجعل البنوك على وجه الخصوص يقومون بأكثر مما يتطلبه القانون، “لقد علموا البنوك الدولية فعل هذا”، يقول سميث: “نحن لا نعيش في عالم قانوني بحت”.

جزء من هذا التعليم كان عن طريق الغرامات العقابية لانتهاك العقوبات المفروضة على إيران، مثل الغرامة التي فرضت على بنك باريس الوطني (بي إن بي باريبا) والتي تبلغ نحو 9 مليارات دولار، وغرامة بنك ستاندرد تشارترد التي بلغت مليار دولار. ويعد الحرمان من التعامل في أسواق الائتمان الأمريكية رادعًا قويًا لأي اتصال مع إيران. يقول سميث: “لا توجد مؤسسة أكبر من أن يتم حرمانها من التعامل المصرفي”.

بعض الصفقات، مثل خطة إيران لشراء أكثر من طائرة إيرباص، يفترض أنها محمية بموجب الاتفاق النووي. حتى هذه الصفقة، التي تتطلب مليارات الدولارات، لا تزال قيد الانتظار.

ويشير السيد سميث إلى أن المسؤولين عن مكتب مراقبة الأصول الخارجية “هم الأشخاص أنفسهم الذين قضوا حياتهم المهنية في محاولة عرقلة التعامل مع إيران.. والبنوك تتجنبهم… إنها مشكلة عدم انسجام بقدر ما هي مشكلة سياسة”.

ما يجعل المشكلة أكثر استعصاءً هو عدد الفاعلين فيها، الذين تعد السلطة التنفيذية الأمريكية طرفًا واحدًا منهم (فقد تسبب مكتب الأصول الخارجية في فرض مليار دولار فقط على بنك (بي إن بي باريبا). ويضم الفاعلون المعادون لإيران الكونجرس الأمريكي ومستويات السلطة القضائية المختلفة، والجهات الرقابية على المصارف الحكومية، والولايات التي تقوم بحرمان الشركات التي تتعامل مع إيران -والقائمة تطول. المسؤولون الإيرانيون الذين يتطلعون إلى واشنطن ربما يجدون أن هيكل السلطة الخاص بهم والمعروف بتعقيده أكثر بساطة بالمقارنة. لكن إذا شعر زعماؤهم بأنهم قد تم خداعهم بواسطة الاتفاق النووي التاريخي، فإن المستقبل سوف يكون مثيرًا للجدل.

فاينانشال تايمز – التقرير