حتى نتجنب ظهور المتطرف التالي

حتى نتجنب ظهور المتطرف التالي

isistroops-1

على الرغم من أن دوافع عمر متين قد لا تُعرف كلها أبداً، فقد أثارت المجزرة التي ارتكبها في أورلاندو سؤالاً ملحاً وبالغ الأهمية: كيف يستطيع مجتمع ديمقراطي مكافحة التطرف الذاتي ومنع الهجمات الداخلية التي يشنها أولئك الذين استوعبوا دعوات الجماعات الإرهابية إلى قتل المدنيين الأبرياء؟
ليست الولايات المتحدة وحدها في النضال من أجل العثور على إجابة يمكن أن تبقي مواطنيها آمنين وتحبط المتطرفين، بينما تظل محافظة في الوقت نفسه على الحريات الأساسية، بما في ذلك حرية التعبير والتجمع والتنقل. وفي واقع الأمر، تنخرط فرنسا وجزء كبير من أوروبا في النقاش نفسه الذي لا يوجد له حل سهل.
بكل بساطة، ليست هناك طريقة لمراقبة كل المكالمات الهاتفية، وإرساليات وسائل الإعلام الاجتماعية، ورسائل البريد الإلكتروني والأساليب الأخرى التي ربما يستخدمها المتطرفون للوصول إلى أولئك الذين يكونون عُرضة لدعايتهم. وحتى لو وُجدت مثل هذه الطرق، فإن القيام بذلك سوف يعمل على تحويل مجتمع مفتوح إلى واحد تكون فيه المراقبة الحكومية كثيفة وواسعة النطاق.
فما الذي يمكن عمله؟ إحدى الاستجابات تكمن في التحقيقات الصارمة وإنفاذ القانون، والتي تؤدي إلى اعتقال الإرهابيين بينما يتم تطوير المؤامرات وقبل الشروع في تنفيذها. وفي هذا الشهر، على سبيل المثال، وجدت محكمة فيدرالية ثلاثة شبان صوماليين-أميركيين من مينيابوليس، التي تشكل مركزاً لتجنيد المتطرفين في هذا البلد -مذنبين بمحاولة السفر إلى سورية في العام 2014 للانضمام إلى مجموعة “الدولة الإسلامية”. ويمكن أن يواجه الثلاثة عقوبة السجن مدى الحياة. وفي المجموع، اتهم ممثلو الادعاء الفيدرالي علناً 20 شخصاً في ولاية مينيسوتا بوجود صلات مع حركة “الشباب”؛ الجماعة الإرهابية الصومالية التي تعمل في أفريقيا. كما اتهم 10 آخرين بدعم مجموعة “الدولة الإسلامية”.
لكن مثل هذه الاعتقالات تحدث في وقت متأخر من العملية، بعد أن يكون الأفراد أصبحوا متطرفين أو ملتزمين برسالة الجماعات الإرهابية. ويتمثل التحدي في محاولة تحديد هوية الأشخاص الذين يكونون عرضة للأفكار المتطرفة، ووضع البرامج والاستراتيجيات التي يمكن أن تقوم بتحويلهم نحو مسار أفضل.
كانت إدارة أوباما بدأت باتخاذ بعض الخطوات المهمة في هذا المجال، بما في ذلك تجديد جهود وزارة الخارجية لمواجهة الرسائل الناجحة للغاية لمجموعة “الدولة الإسلامية” على وسائل الإعلام الاجتماعية، والتي دفعت الآلاف من الشباب الأوروبيين في معظمهم إلى مغادرة بلدانهم والذهاب إلى ساحة المعركة. وتهدف الخطة إلى وضع المزيد من المال في البرنامج، وتدريب عدد أكبر من الموظفين المنخرطين وتوجيه رسائل مُصاغة بقدر أكبر من العناية إلى فئات معينة من السكان.
في العام 2014، عندما تطور التهديد الإرهابي لتنظيم القاعدة من الهجمات الكبيرة واسعة النطاق إلى شبكة متناثرة وأكثر انتشاراً، والتي تبحث عن الأهداف السهلة، بدأت الإدارة بمحاولة الوصول إلى المجتمعات المحلية التي كانت تسعى مسبقاً إلى مواجهة مشكلة جذب الشباب إلى التطرف العنيف. وقامت وزارة العدل باختيار كل من مينيابوليس وبوسطن ولوس أنجيلوس لتطبيق البرامج التجريبية التي عملت بالتعاون مع مجموعات وقادة المجتمع المدني المحلية.
وكانت مينيابوليس تحدياً صعباً بشكل خاص: فهي منطقة تضم أكبر عدد من المهاجرين الصوماليين في البلاد، والتي غادر من شبابها للقتال مع الجماعات المتطرفة عدد أكبر من أي مدينة أخرى. وقامت الأموال الفيدرالية، والمال المحلي والشركات بتمويل المبادرات هناك، بما في ذلك برامج التوجيه للشباب الصومالي، مع توفير إمكانية الوصول إلى موارد التوظيف. وتم إنشاء اتحاد لكرة القدم ومنظمة غير ربحية خاصة لإقامة صلات بين الجماعات المجتمعية والمدارس والمؤسسات العامة. وتقوم النيابة العامة الاتحادية بحث أئمة المساجد على مغادرة مساجدهم وإشراك الشباب في أماكن وفضاءات أقل رسمية.
تمثل أحد التعقيدات التي واجهت تنفيذ هذه الاستراتيجيات في الدور المركزي لوزارة العدل، وهو ما أثار الشكوك حول ما إذا كانت مثل هذه الجهود تهدف إلى جمع المعلومات الاستخباراتية أكثر مما تهدف إلى تقديم مساعدة حقيقية. ويقول الخبراء إن هذا هو السبب في أن قادة المجتمع يجب أن يكونوا في الطليعة من جميع هذه المبادرات.
لن يكون تحديد هوية الشباب المعرضين لخطر التطرف الذاتي وتحويلهم بعيداً عن تجنيد الإرهابيين عملاً سهلاً وسريعاً أو رخيص الكلفة، لكن على البلد أن يجعل من ذلك أولوية.

ترجمة:علاء الدين أبو زينة

صحيفة الغد الأردنية