قاسم سليماني وبيان التأجيج الطائفي

قاسم سليماني وبيان التأجيج الطائفي

سليماني ـ البحرين ـ عيسى قاسم

بالأمس أسقطت وزراة الداخلية البحرينية الجنسية عن الشيخ عيسى أحمد قاسم الذي يعتبر أكبر مرجع شيعي في مملكة البحرين،ووكيل علي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني، فيها. وقد بيّن البيان الصادر عن وزراة الداخلية البحرينية الأسباب التي دفعتها لاسقاط الجنسية عن ذلك الشيخ، حيث جاء فيه أن عيسى قاسم “«تبنّى الثيوقراطية، وأكد التبعية المطلقة لرجال الدين خلال الخطب والفتاوى التي يصدرها مستغلاً المنبر الديني الذي أقحمه في الشأن السياسي لخدمة مصالح أجنبية، وشجع على الطائفية والعنف. كما رهن قراراته ومواقفه التي يمليها بصورة الفرض الديني من خلال تواصله المستمر مع منظمات خارجية وجهات معادية للمملكة، وجمع الأموال من دون الحصول على أي ترخيص خلافاً لما نص عليه القانون».  ولفت البيان إلى أن عيسى قاسم «عمل على ضرب مفهوم حكم القانون، خصوصاً السيطرة على الانتخابات بالفتاوى من حيث المشاركة والمقاطعة وخيارات الناخبين، ورهن المشاركة السياسية بالمنبر الديني، وامتد ذلك إلى كل نواحي الشأن العام من دون مراعاة لأية ضوابط قانونية».

وزاد أن قاسم «قام بتحشيد كثير من الجماعات لتعطيل إصدار القسم الثاني من قانون أحكام الأسرة (الشق الجعفري)». وشدّدت وزارة الداخلية البحرينية على أن عيسى قاسم «تسبّب في الإضرار بالمصالح العليا للبلاد ولم يراعِ واجب الولاء لها»، لذلك قرر مجلس الوزراء الموافقة على إسقاط الجنسية البحرينية عنه.ونبّهت الوزارة إلى أن «صون أمن المملكة وسلامة شعبها وتحقيق حياة أفضل لجميع المواطنين وترسيخ مزيد من الإنجازات في كل المجالات، هي أولى الأولويات. فالمواطَنَة حقوق وواجبات، على الجميع مراعاتها، ولا أحد فوق القانون أو خارج إطار المساءلة». واستندت الوزارة في قرارها إلى أحكام قانون الجنسية البحرينية والذي يقرر إسقاط الجنسية البحرينية في حال “تسبب (الشخص) في الإضرار بمصالح المملكة أو تصرف تصرفًا يناقض واجب الولاء لها”، وشددت الوزارة على أن قاسم “اكتسب الجنسية البحرينية ولم يحفظ حقوقها وتسبب في الإضرار بالمصالح العليا للبلاد ولم يراع واجب الولاء لها”.

 ولأن البعد الطائفي يمثل إحدى أبعاد الرئيسة للنظام الإيراني في التعامل الدول العربية وخاصة المشرقية الخليجية منها، ولأن العلاقات العربية الإيرانية  أيضاً تمر بأخطر مآزقها، فقد تم -وبعجالة- الرد على بيان وزراة الداخلية البحرينية ببيان آخر صدر عن قاسم سليمائي قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني يمكن وصفه “بالبيان المفلس” من الناحية الاخلاقية والقانونية والسياسية، فالقارىء لهذا البيان يستطيع بكل سهولة أن يتوصل إلى تلك النتيجة. وأولى هذا الافلاس الاخلاقي يتجلى بوضوح في بيانه، حينما يظهر شدة تألمه على إخوانه البحرينيين! بقوله” ان الشعب المسلم والمظلوم في البحرين، يعاني منذ سنوات طويلة،من الظلم والتمييز والاذلال والعنف المناهض للانسانية على يد نظام آل خليفة”. لكن ماذا عن تمييز القومي والطائفي الممارس من قبل نظام الحكم الإيراني ضد أكراد وبلوشستان وسُنة إيران، ألا يعلم قاسم سليماني بأن هناك ظلم وإذلال وقمع سياسي واجتماعي واقتصادي لتلك المُكونات الإيرانية، كما أن سجل إيران في مجال انتهاكات حقوق الانسان لا تسعفه أن يتظاهر بالعطف مع إخوته البحرينيين! ففاقد الشيء لا يعطيه. إلا إذا كان هذا التعاطف ذو طابع طائفي لمقتضيات السياسة الإيرانية.

ويرى قاسم سليماني في بيانه أن اعتقال عيسى أحمد قاسم “غير قانوني”  وان اعتقاله “يمثل خطا احمراً وأن تجاوزه يشعل النار في البحرين والمنطقة بأسرها”  وأضاف أنها ستكون بداية “انتفاضة دامية” ويعتبر هذا الشق من البيان تدخلاً سافرا في الشؤون الداخلية وانتهاكاً صريحا لميثاق الأمم المتحدة، فهل يسمح قاسم سليماني للآخرين التدخل في الشؤون الإيرانية والتعليق على أحكام الإعدامات التي تصدر بشكل يومي ضد أبناء المُكون السني في إيران؟! جواب لا. لأن هناك قواعد قانونية مستقرة في القانون الدولي العام وميثاق الأمم المتحدة تمنعا التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فوفق تلك القواعد القانونية لا يقع على عاتق النظام الايراني حماية شيعة العالم، لأنها ببساطة ليست مسؤوليته القانونية. لو كان الأمر كذلك فلماذا وقف النظام الايراني إلى جانب أرمينيا”المسيحية” في صراعها مع أذربيجان”الشيعية” بشأن صراعهما على إقليم “نوركارباخ”.

ان استخدام قاسم سليماني عبارة”انتفاضة دامية” فهو يتوعد النظام السياسي والشعب البحريني بدفع ثمن اسقاط الجنسية عن عيسى أحمد قاسم، وبها يفتح الباب لصراع طائفي بين سنة وشيعة مملكة البحرين تذهب بهما إلى حرب أهلية لا يحمد عقباها ولا يرجوها كل إنسان حريص على استقرار المملكة. فالنظام الإيراني لا يعدم مناسبة إلا ويؤكد على وصايته على العرب الشيعة من منطلق الانتماء إلى طائفة دينية واحدة، وتأكيد على عقلية تصدير الثورة والذي يعني في أبسط صوره التطرف والإرهاب في التعامل مع الدول العربية، من خلال زرع الخلايا النائمة في بعض الدول العربية ومن خلال تنظيماته السياسية والعسكرية كحزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن والمليشيات في العراق. فهذا البيان من قبل النظام الإيراني سيزيد من الحالة التوتر السياسي والطائفي في المنطقة وسيزيد من حالة التقسيم الطائفي في المجتمعات العربية.

 وتجدر الإشارة هنا، أن هذا البيان أتى في الوقت الذي تشهد به العلاقات الايرانية البحرينية حالة من التوتر الشديد ففي 4 كانون الثاني/ يناير 2016، أعلنت البحرين، قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، بعد يوم من اتخاذ المملكة العربية السعودية القرار نفسه، في أعقاب اقتحام محتجين سفارة الرياض في طهران، احتجاجًا على إعدام نمر النمر، وذكرت وكالة أنباء البحرين أن المملكة “قررت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتطلب من جميع أعضاء بعثتها مغادرة المملكة خلال 48 ساعة”. ويعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البحرين وإيران الحلقة الأكثر تطورًا للعلاقات التي شهدت تدهورًا كبيرًا بين البلدين، خاصة في الآونة الأخيرة، ففي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي استدعت البحرين القائم بالإعمال الإيراني لديها، حميد شفيع زاد؛ احتجاجًا على تصريحات المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، التي اعتبرتها المنامة “إساءة للملكة وشعبها”.فقد اتهم مرشد الثورة الإيراني علي خامنئي الحكومة البحرينية بشن حملة ضد المعارضة في المملكة، في تصريحات استفزازية كثيرًا ما كررتها طهران بحق جارتها الخليجية.

وكانت المنامة كشفت، في أيلول/ سبتمبر الماضي، عن مصنع كبير لصنع المتفجرات، واعتقلت عددًا من المشتبه بهم “على صلة بالحرس الثوري الإيراني”، وأعلنت وزارة الخارجية البحرينية، حينها، أن القائم بالأعمال الإيراني في البحرين “شخص غير مرغوب به، وعليه مغادرة البلاد خلال 72 ساعة”. كما قررت البحرين سحب سفيرها من إيران، في الأول من أكتوبر الماضي؛ “في ظل استمرار التدخل الإيراني في شؤون مملكة البحرين، دون رادع قانوني أو حد أخلاقي، ومحاولاتها الآثمة وممارساتها لأجل خلق فتنة طائفية، وفرض سطوتها وسيطرتها على المنطقة”، وكانت النيابة العامة البحرينية قالت، في مارس، إنها ضبطت معدات لصنع القنابل خلال تهريبها من العراق، على متن حافلة ركاب، من أجل استخدامها في هجمات في البحرين.

وفي وقت مبكر من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أسقطت البحرين الجنسية عن 5 مواطنين “أدينوا بالتآمر مع إيران” لتنفيذ هجمات داخل المملكة، كما حكمت عليهم بالسجن المؤبد، وقبلها بأيام اعتقلت وزارة الداخلية البحرينية 47 عضوًا في خلية قالت إنها “مرتبطة بعناصر إرهابية في إيران”، و”تخطط لشن هجمات” داخل البحرين.

ومؤخرًا شبَّه وزير الخارجية البحريني، الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، الدعم الإيراني للتخريب في الدول العربية بتهديد “تنظيم الدولة” للمنطقة، متهمًا إيران بتهريب أسلحة إلى البحرين، فإيران متهمة بتغذية الاضطرابات والاحتجاجات التي ضربت البحرين قبل أعوام، خلال الاحتجاجات التي سادت عددًا من الدول العربية.

 وبالعودة إلى بيان قاسم سليماني يمكن القول أنه يسعى بوضوح، إلى تسخير شيعة المنطقة وتوظيفهم ضمن مخططات النظام الايراني لإنعاش خطاب الطائفية السياسية وتسويقه. فسياسات إيران الطائفية في لبنان والعراق والبحرين وسوريا ستعمق الخلافات العربية الإيرانية والتي من شانها أن تفجر المنطقة بحروب طائفية لا تخدم العرب ولا إيران لأن هذه الحروب لا تحقق ما ترجوه الشعوب من تقدم وإزدهار. لأن النتيجة هي الفوضى، وليس تحقيق الكرامة والحرية.

لذا بات من الأفضل تحقيق حوار عربي إيراني، وتوافق عربي إيراني يسبق التوافق الأميركي الروسي هو المهمة الرئيسية، فهنا مربط الفرس. وتشخيص الداء قبل الدواء. والنظام الإيراني الذي تمكن من التوصل إلى اتفاقٍ مع “الشيطان الأكبر” على قضايا اعتبرتها يوماً سياديّة، يمكنها الاتفاق مع الدول العربية، والمملكة العربية السعودية التي قدمت مبادرة للسلام في العام 2002م، لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، يمكنها تقديم تصورٍ لعيشٍ مشترك مع إيران في الإقليم بشروط، فحقائق السياسية الجغرافية تؤكد لنا وعلى الدوام أن التعاون والتلاقي أو التنافس أفضل بكثير من الصراع والتناحر. وأفضل بكثير من تهديد ووعيد قاسم سليماني لمملكة البحرين.

 وعلى الرغم من خطاب التأجيج لقاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني لا يوجد حل آخر. ولا بد من الاتفاق على قضايا الإقليم، بحيث يتخلى النظام الإيراني عن سياساته التوسعية جعلت من مصلحته تقسيم المجتمعات العربية طائفياً، ودعم المليشيات المسلحة ضد أي دولة عربية، يمكنها تحقيق ذلك فيها، بما في ذلك من تناقضٍ وصراعٍ مع منطق الدولة نفسه؛ وبحيث تتخلى دولٌ عربيةٌ عن حلم إطاحة النظام الإيراني، فليست هذه وظيفتها. التغيير الديمقراطي مهمة المجتمعات والشعوب، وقد أصبحت صعوبة هذه المهمة في المشرق العربي مضرب الأمثال بوجود انقسام طائفيٍّ واستقطاب مليشياوي يغذيهما صراع إقليمي. هذا الموضوع حاضر بقوة، ومؤثر إلى درجة تمنع تجاهله. ان العداء التاريخي وإصرار على البقاء مقيمين في التاريخ القديم الذي يعود الى خمسة عشر قرناً، لا يساعد في إطفاء نار العداء بين الطرفين، وتحوله حروباً بين الدول وبين الشعوب الإسلامية نفسها. وهو أمر يستدعي تكوّن مقومات سياسية وثقافية وفكرية مختلفة يمكنها ان تخرج هذه العلاقات من أتونها الملتهب.

              وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية