ترامب ولعنة الأسطورة اليونانية القديمة

ترامب ولعنة الأسطورة اليونانية القديمة

دونالد-ترامب

أدخلت أزمة صعود دونالد ترمب في السباق الانتخابي مرشحاً عن الحزب الجمهوري للرئاسة، الوضع السياسي الأمريكي، إلى دائرة الخيال التشاؤمي، الذي يصل إلى حد توقع أسوأ الاحتمالات.
أحد الذين وضعوا تصوراً للمستقبل هو المؤرخ روبرت كيجان – وهو جمهوري – فقد استدعى الأسطورة اليونانية القديمة عن «أوديب» الذي فقأ بطلها عينيه، حين اكتشف فجأة أن المرأة التي عاشرها كانت أمه، ثم حلت الكارثة به وبأمه.
وكتب كيجان يقول: إن الكارثة في تاريخ السياسات الأمريكية، قد حلت على الحزب الجمهوري.
كذلك هناك قيادات جمهورية تتحدث عن نهاية الحزب، ليس بالمعنى الافتراضي فقط، بل بأنه سيكون انهياراً حقيقياً، لمؤسسة كانت راسخة ولها معتقداتها السياسية.
أيضاً وقع أكثر من مئة من محللي السياسة الخارجية، وهم أيضاً نشطاء جمهوريون، خطاباً مفتوحاً، تم توزيعه، أعلنوا فيه أنهم لن يؤيدوا ترامب لو فاز بترشيح الحزب.

واعتبر هذا الخطاب العلني، بداية انقسام حقيقي في صفوف الحزب، حيث لم تعد الاعتراضات مجرد مواقف فردية، بل انتقلت إلى المستويات الجماعية.

وكما ذكر دونا الين رئيس تحرير الإصدار الفصلي «سيرفايفل» عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في لندن، وخبير السياسة الخارجية، وشؤون جانبي الأطلسي، في دراسته بعنوان «دونالد ترامب رجل أمريكا»، أن القيادات الجمهورية تشعر بالرعب من الديماغوجية الطائشة لترامب، التي يمكن أن تسمم أمريكا، التي تعاني فعلاً الاستقطاب السياسي، وأن تقوض سمعة أمريكا، وأنهم منزعجون من آرائه المتشددة، التي يهاجم فيها الطبقة المتوسطة البيضاء، وكل ما يعلنه من آراء. وأن ترامب يهدد معتقدات الحزب وطريقة خطابه.

كما كتب مايكل بويل خبير السياسات الخارجية، أن التحدي المتزايد للنظام الليبرالي الذي ساد عقب نهاية الحرب العالمية الثانية في حالة وصول ترامب إلى رئاسة أمريكا. مفترضاً – على سبيل التصور غير الواقعي – أن تصل أيضاً اليمينية المتطرفة ماري لوبن إلى رئاسة فرنسا، وعدد آخر من نفس التيار إلى الحكم في بعض دول أوروبا.
لكن يتحفظ إزاء هذا الاحتمال بالقول إن الفرق كبير بين أمريكا وأوروبا. فاليمين المتطرف الأوروبي عبارة عن قوة ثالثة تتحرك، بين قوتين رئيسيتين، وأن هذه القوة الثالثة تتحدى سياسات السلطة القائمة، لكنها لا يمكن أن تكون بديلاً عن الأحزاب السياسية التقليدية القائمة. وأن هذه الأحزاب تمثل المجرى الرئيسي للسياسة، ولديها وسائلها للتوحد، والرد بقوة على الاتجاهات المتطرفة.

أما في أمريكا فالمتنافسان على الساحة السياسية الرئيسية حزبان، أحدهما يسطو عليه الآن يميني متطرف هو ترامب، من دون وجود قوة ثالثة تحد من مساره.

هذه التحليلات وصلت إلى حد رسم صورة تشاؤمية للنظام السياسي في الولايات المتحدة، ليس لمجرد صعود ترامب، ولكن باعتبار أن استسلام الحزب الرئيسي – في الثنائية الحزبية- تجعله يدمر نفسه بنفسه، في حالة إذعانه نهائياً لترشيح ترامب باسم الحزب.

هناك أيضاً من الجمهوريين من بدأ ينادي ببديل ثالث ينشق عن الحزب الجمهوري وإذا حدث ذلك فإنه يهدم النظام الحزبي القائم منذ بدايات تاريخ أمريكا. ولن يتوقف أثره على الناحية الحزبية، لأن الأنظمة المؤسسية القائمة في أمريكا، التي أوجدها الآباء المؤسسون ليست حسب المفهوم الأمريكي، مجرد كيانات مؤسسية، بل هي تراث قومي، وإذا سمح بانهياره، فلن يتوقف أثر الانهيار على المؤسسات الحزبية، بل يمتد الأثر إلى النظام السياسي التقليدي، وفلسفته، وأدوات عمله في السياسات الداخلية والخارجية.

عاطف الغمري

صحيفة الخليح