تحرير الفلوجة والتحدي الطائفي

تحرير الفلوجة والتحدي الطائفي

lflwj-jl-ln-khbr-lrq_279936

أعلن رئيس الوزراء العراقي منذ أيام دخول القوات العراقية إلى قلب مدينة الفلوجة وهو نبأ لابد وأن يسعد كل عربي مخلص روّعه تمدد الإرهاب في الأرض العربية وصدمته الجرائم الوحشية التي ارتكبتها فصائله. وتحتل الفلوجة موقعاً خاصاً في الذاكرة العربية، فهي المدينة التي دوخت قوات الاحتلال الأميركي ودفعت ثمن مقاومتها هذا الاحتلال باهظاً، ولا ننسى جندي المارينز الذي قال يوماً في سياق حملات إخضاع الفلوجة «نحن ذاهبون لمحو الفلوجة»! ولكن الابتهاج الواجب بتحرير هذه البقعة الغالية من أرض العراق لا يمكن أن يكتمل ونحن نتابع الانتهاكات الممنهجة لحقوق أهلها، وهي انتهاكات تصل إلى حد النيل من الحق في الحياة ذاته. وقد تابعت بكل القلق التقارير الأولية عن هذه الانتهاكات، لأنني تعودت على وجود مبالغات إعلامية أو توظيف سياسي لأحداث يتم تضخيمها، ولكن قلقي تحول إلى غضب عارم عندما تأكدت هذه التقارير من مصادر لا يمكن أن يرقى إليها الشك، وهو الأمر الذي دفع رئيس الجمهورية إلى الإصرار على تشكيل لجنة تحقيق ما اضطر رئيس الوزراء إلى الاعتراف بالتجاوزات، وإن قال إنها «غير ممنهجة» وهي مسألة تستعصي على الحكم الدقيق. كما أن رئيس مجلس النواب انتقد «الخروق التي رافقت عملية تحرير الفلوجة» واستنكر ما تعرض له بعض النازحين، وأكد وقوف مجلس النواب معهم للكشف عن الجهات التي ارتكبت الانتهاكات. واتهمت كتلة «تحالف القوى العراقية» مليشيات شيعية بعينها بارتكاب الانتهاكات، وتحدثت عن وسائل بشعة للقتل كالدفن أحياء، أو الوضع تحت المدرعات، وقد أكدت محافظة الأنبار قتل 49 شخصاً واختفاء 643 من أبناء الفلوجة.

وتتجه أصابع الاتهام دون أدنى شك إلى المليشيات الشيعية وبصفة خاصة «الحشد الشعبي» المعروف بممارساته الطائفية البغيضة، وما زال نموذج ما فعلته قواته في تكريت ماثلاً في الأذهان. ولهذا كانت الخشية قائمة منذ البداية من مشاركته في عملية تحرير الفلوجة وكذلك المطالبات بعدم مشاركته، غير أن من الواضح أنه أقوى من الحكومة ذاتها، ولكن الأخطر هو ما يتعلق بعلاقة إيران بهذه المليشيات. وتشير التقارير إلى أن «الحشد الشعبي» من الناحية العملية يتبع قيادة «فيلق القدس» الإيراني. كما تشير تقارير إلى أن «كتائب الخراساني»، على سبيل المثال، مرتبطة عضوياً بـ«الحرس الثوري»، ويحمل جنودها شعاره على ملابسهم، وصرح أمينها العام في لقاء تلفزيوني بأن الكتائب تتبع ولاية الفقية في إيران ولا تتبع الحكومة العراقية التي لم تعلن ولاية الفقيه! ويعني هذا ببساطة شديدة أن نفوذ إيران في العراق بات خطيراً كما هو في سوريا ولبنان، وليس أدل على هذا من الدور الميداني الذي يلعبه قاسم سليماني في العمليات، والذي تصور المرء أن الحديث عن صفته كمستشار للحكومة العراقية فرية فإذا بوزير الخارجية العراقي يؤكد الأمر على نحو رسمي. والمهم الآن هو مستقبل العراق بل مستقبل كافة البلدان العربية التي تعبث بها الأصابع الإيرانية وهي تتخذ من المليشيات الطائفية أداة لها. ولنتخيل أن منطق هذه المليشيات، وهو اعتبار المدن التي سيطر عليها الإرهاب مناصرة له ومن ثم يتحتم الانتقام من أهلها، قد طبق في كافة المناطق التي سيتم تحريرها، فعن أي مستقبل للعراق سيكون حديثنا؟ لا نريد للعراق، ولا لأي بلد عربي غيره، أن يكون بين مطرقة الإرهاب وسندان الطائفية لسبب بسيط هو أن وضعاً كهذا يكمل الحلقة المفرغة، إذ لاشك أن السياسات الطائفية البغيضة التي سادت في أعقاب الغزو الأميركي للعراق قد سهلت للإرهاب في أسوأ صوره أن يسيطر على المناطق السنية التي شعر أهلها بالتهميش، وأعطت للإرهابيين مبرراً للقيام بدورهم بأبشع أنواع العصف بحقوق الإنسان. ولذلك فلا حل إلا بصحوة حقيقية لشعب العراق يتمرد فيها على الطائفية البغيضة التي أسس الاحتلال لإذكائها ولم تقصّر إيران في استغلالها فصارت تمثل تهديداً بلا حدود لهوية العراق وشعبه وكيانه.

د.أحمد يوسف أحمد

  صحيفة الاتحاد