الحرب على الإرهاب فاشلة دون معالجة جذوره

الحرب على الإرهاب فاشلة دون معالجة جذوره

_83500_terg

أصبح الإرهاب من يوميات أغلب دول العالم في القرن الحادي والعشرين، فلا يمر يوم إلا ويكون هناك حدث ما له علاقة بالإرهاب في دولة ما، وإن لم تكن سيارة مفخخة فهو انفجار انتحاري، وإن تم القبض على مخططين لهجوم أو عملية انتحارية اليوم فربما في الغد هناك عملية إرهابية “ناجحة”، وإن لم تكن القاعدة وراءها فسيتبناها تنظيم داعش، وإذا تم القضاء على القاعدة أو إضعافها بمقدار ما، فإن داعش سيتمدد ويقوى بنفس المقدار.

الحرب على الإرهاب التي مر عليها العشرات من السنين لم تتوقف وكذلك الإرهاب لم يتوقف تقدما وتطورا تماما كما من يحاول محاربته. وفي كل يوم نبتكر طريقة لتدمير خلية أو عصابة إرهابية في مدينة ما، فإن خلية أخرى تولد وإن لم تكن في نفس المدينة فستكون في نفس البلد.

استخدم العالم أحدث تقنياته وأساليبه في محاربة الإرهاب، سواء العسكرية أو التقنية أو الأمنية، فأغلب الابتكارات العسكرية تم تجريبها في تلك الحرب.. فهل انتصرنا؟ هل ضعف الإرهاب؟ نعم نجح المجتمع الدولي في القضاء على قيادات كثيرة من الجماعات الإرهابية ولكن كلما تم التخلص من قيادي ولد قيادي آخر إن لم يكن أكثر شرورا من سابقه، فهو على الأقل مثله.

هل سنظل في تلك الحروب اللامتناهية التي لم تنجح في تحقيق شيء سوى أنها ساعدت الإرهاب، إن صح التعبير، على الحصول على مناعة ضد “الدواء العسكري” الذي نستخدمه ضدها. فكل الحروب والأزمات التي ولدت أثناء الحرب على القاعدة لم تحقق شيئا سوى أنها خلقت البيئة المناسبة لولادة جيل ما بعد القاعدة ممثلا في تنظيم داعش الذي يسمي نفسه “الدولة الإسلامية”.

إيران وظفت وسائل الإعلام لنشر الطائفية، وفشل الحكومات في وضع مناهج تعليم عصرية ساعد على نمو التشدد الديني

ماذا بعد

الحرب العسكرية على الإرهاب بالتأكيد مهمة ولكن من حق كل مواطن أن يسأل ماذا بعد كل تلك التجارب العسكرية؟ هل سنقضي على الإرهاب؟ هل يعقل أنه بعد كل تلك المحاولات، التي إن لم نقل إنها فاشلة فعلى الأقل هي محاولات غير ناجحة بشكل تام، ألا نفكر في توظيف هذه الإمكانات الهائلة التي استخدمناها في الحرب العسكرية على الإرهاب في أساليب مبتكرة لاقتلاع جذوره.

الحرب العسكرية على الإرهاب كلفت مئات المليارات من الدولارات، هل يمكن أن نوظف بعضها في محاربة جذور الإرهاب. هل يمكن أن نحارب الذرائع التي يستخدمها الإرهابيون في الترويج لأفكارهم ونضع حدا أمام جيل جديد قد يلتهمه شبح الإرهاب ويجنده في صفوفه سواء التقليدية بجذب المزيد منهم إلى ساحات المعارك المشتعلة أو ربما لتحويلهم إلى خلايا نائمة في جسدنا المنهك من الحروب فيستخدمهم الإرهاب في ضربنا في الظهر.

الحرب الحقيقية لضرب جذور الإرهاب تتمحور حول نقاط كثيرة وليست خفية عن صناع القرار. ولكن للأسف لم تطبق بشكل جدي وربما لم تطبق نهائيا في الكثير من الدول. ومن هذه الأدوات التي يجب استخدامها في محاربة جذور الإرهاب أو على الأقل منع المتشددين من استهداف مجتمعاتنا من خلالها، نذكر: مناهج التعليم ووسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، بالإضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي.

*مناهج التعليم: للأسف في الكثير من دول المنطقة هناك مناهج تعليم غير حصينة أمام مرض الإرهاب لدرجة أنها تحتوي على الكثير من الثغرات التي تساعد على نشر التشدد، ففي سوريا خلال الـ40 سنة الماضية تحولت مناهج التعليم نحو التشدّد في كل معطيات الحياة التعليمية، فمثلا، كتب التاريخ تزرع الوهم في فكر الطلبة عندما تتحدث عن النجاحات الماضية وعظمة ما حققه العرب والمسلمون والتأكيد على مفهوم الدولة الدينية ونجاحها تاريخيا.

الحرب العسكرية على الإرهاب بالتأكيد مهمة ولكن من حق كل مواطن أن يسأل ماذا بعد كل تلك التجارب العسكرية

وتم توظيفها من مبدأ “كلمة حق يراد بها باطل” فأصبح هناك وهم في فكر أغلب الشباب بأن حل أزمات المنطقة يكون بالعودة إلى الماضي وإقامة “دولة إسلامية”، وهي الثغرة التي استغلّها تنظيم داعش عندما ادعى أنه بنى دولة وفق مبادئ الإسلام وسماها “الدولة الإسلامية” لدغدغة عقول الشباب الجاهل الذي تلقى تعليمه في مدارس مجّدت الماضي واحتقرت المستقبل.

كذلك في مواد التربية الدينية التي نشرت بشكل غير مباشر ثقافة الموت من خلال التفسير المبالغ فيه لفكرة الشهادة والجهاد والحرب والانتصار التي وجدت فيها الجماعات المتشددة أدوات لتحشيد المجتمع وجمع الشباب المراهق الذي امتلأ من تلك القيمة والفهم الخاطئ للدين، بالإضافة إلى العجز الأسري في توعية الأبناء والدور الخاطئ لأماكن العبادة، فتحوّلت بعض المساجد إلى منابر تحث على الفكر الجهادي.

* وسائل الإعلام: في كل مكان في العالم يلعب الإعلام دور ناقل الخبر ومحلله بالإضافة إلى جملة من البرامج المفيدة للمجتمع والثقافة العامة، إلا في المجتمعات الشرقية تحول بعض تلك المؤسسات الإعلامية إلى أدوات لتفكيك المجتمع بخطاب طائفي أو تشددي أو تحريضي عنصري، ناهيك عن القنوات المتخصصة والمتفرغة للشؤون الدينية والمفترض أنها تنشر السلام والمحبة، فإذا بها منابر لتجييش الشعوب وحشدهم في مكونات متطرفة ضد مجتمعها أولا.

* وسائل التواصل الاجتماعي: تم تأسيسها في الأصل للترفيه والتواصل بين الأصدقاء، فإذا بها أصبحت من أهم الأدوات لغسل أدمغة الشباب من مختلف دول العالم.

إرهاب طائفي

وظفت إيران النزعة الطائفية في المنطقة لتوسيع نفوذها ولعبت دورا أساسيا في نشر الفكر الإرهابي في الاتجاهين، فعندما تزج إيران بميليشيات طائفية متشددة لا تختلف كثيرا عن داعش أو القاعدة في الحروب المشتعلة في المنطقة في سوريا والعراق مثلا، فإنها عمليا تساعد داعش والقاعدة وأي جماعة إسلامية طائفية على تجييش المكونات المسلمة المختلفة مذهبيا في حرب طائفية من جهة، ومن جهة ثانية في إرهاب متبادل.

عندما تشكل إيران ميليشيات طائفية مثلا في العراق، وتحديدا ما يسمّى “الحشد الشعبي”، وتزج بها في حروب أهلية أو حتى محاربة داعش، كما يحدث في الفلوجة، فإنها فعليا تساعد داعش، سواء في الفلوجة أو غيرها، في تجنيد المزيد من الشباب عبر غسل أدمغتهم واللعب المضاد على الحبل الطائفي، فكما تقوم إيران بتشكيل ميليشياتها على أساس طائفي، فإن ميليشيات إرهابية مضادة تنشأ من التجييش الطائفي المضاد.

وكذلك ما حدث في سوريا عندما زجت إيران بميليشيات طائفية متعددة الجنسيات في الحرب في سوريا، فإنها ساهمت بشكل غير مباشر وأحيانا بشكل مباشر في تقوية النزعة الطائفية وساعدت كل من جبهة النصرة وتنظيم داعش على جذب العديد من الشباب الجدد بعد أن غسلت أدمغتهم بالخطاب الطائفي الذي لا يختلف عن الخطاب الذي تستخدمه إيران.

العبث الإيراني القائم على زرع الطائفية في بنية المجتمع المسلم، سواء كان شيعيا أم سنيا، هو أحد عناصر تقوية العصابات الإرهابية من كلا الطرفين. وكذلك الحال في تقوية حزب الله الذي يعتبر ميليشيا من ميليشيات إيران في لبنان، والذي تحول إلى دولة داخل دولة، ساهم في تعميق المفهوم الطائفي لدى المجتمع اللبناني.

النظام الأقلوي

تغنى نظام الأسد خلال أكثر من أربعين عاما بالعلمانية بينما كان يعمل بعيدا كل البعد عن أي مفهوم من مفاهيم العلمانية من ناحية التطبيق. فالأسد الأب والابن لعبا دور الحاضن والمستقطب للتشدد الديني. وعمد النظام إلى فتح مراكز دينية بحجة تحفيظ القرآن تسمى “مراكز الأسد لتحفيظ القرآن” في كل مدن سوريا وأغلب القرى، بهدف انتقاء الأفراد المتشددين في المجتمع السوري والعمل على احتضانهم وتقديمهم عبر المنصات المعترف بها رسميا.

ما حدث في سوريا عندما زجت إيران بميليشيات طائفية متعددة الجنسيات في الحرب في سوريا، فإنها ساهمت بشكل غير مباشر وأحيانا بشكل مباشر في تقوية النزعة الطائفية

كما قام بتوظيفهم في زعزعة أمن المنطقة، فتارة يرسلهم إلى لبنان، حيث ساهم الأسد في تشكيل جماعة “فتح الإسلام” في مخيم نهر البارد في شمال لبنان، حتى أن حزب الله عبّر عن استيائه لما فعله الأسد، واتهمه حينها بمحاولة زعزعة الحكومة اللبنانية عمدا، وهذا موثق في ما نشرته مجلة “فورين بوليسي”(30 أبريل 2013)، وتارة يرسلهم إلى العراق، والجميع يتذكر تهديد نوري المالكي رئيس وزراء العراق السابق للأسد بأنه سيحتج عليه في الأمم المتحدة لأنه يرسل الجهاديين والانتحاريين. وشجّع الأسد كذلك السوريات على الانضمام إلى حلقات دينية غالبا ما كانت تسعى إلى غسل أدمغتهن وتجنيدهن بطرق متعددة وسميت تلك الجماعات النسوية بـ”القبيسيات”، التي لها عقائد وأفكار وسلوكيات وتصورات خاصة للإسلام.

وعمل نظام الأسد على نشر الدين المتشدد، وبنى لتلك الجماعات المراكز الدينية بينما لم تشهد سوريا بناء عدد مشابه للمدارس أو الجامعات.

وانتشر الجهل في أغلب القرى وحتى بعض المدن، فمدينة حلب العريقة ومدينة إدلب والكثير من الأرياف السورية شهدت ارتفاعا في نسبة الأمية، والكثير من أبنائها لم يذهب إلى المدارس الثانوية، فأصبحت البيئة مناسبة لتوظيفها في التربية الدينية المتشددة ولتسييس الفكر الديني وتجييش “الجهاديين”. حوّل الأسد نظام الدولة من علماني إلى نظام أقلوي من خلال الهيمنة على مؤسسات الدولة وخصوصا الجيش والأمن وإقصاء كل مكونات المجتمع السوري، فكان ذلك أحد أسباب اندفاع الكثير من مكونات المجتمع السوري نحو التدين المبالغ فيه حتى وصل إلى درجة التشدد في بعض المناطق.

حل سياسي تمثيلي

هذه بعض النقاط التي يجب أخذها بعين الاعتبار عندما نتحدث عن الإرهاب ومسبباته، فالقوة العسكرية وحدها لن تدحر الإرهاب على الرغم من أهميتها، وهذه الرؤية يتفق معها الكثير من الخبراء الدوليين في شؤون الإرهاب.

الإرهاب في العراق وسوريا لن يتم حسمه عبر ساحات القتال بل يحتاج إلى وجود طرح سياسي شامل واستراتيجية متكاملة

ويقول ديفيد غاردنر، في صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية، إن الحملات العسكرية لاستعادة مدينتي الفلوجة والموصل العراقيتين والرقة السورية من أيدي داعش، لا تعني أن هذا التنظيم بدأ يتصدع كما تشكّك هذه الحملات أيضا في نجاح الرئيس الأميركي أوباما في الانتصار على داعش في الرقة والموصل قبل انتهاء فترة ولايته.

ويعتقد غاردنر أن الإرهاب في العراق وسوريا لن يتم حسمه عبر ساحات القتال بل يحتاج إلى وجود طرح سياسي شامل واستراتيجية متكاملة لتحويل مشاعر المسلمين عن الفكر الذي يروجه داعش وأمثاله. محاربة داعش تحتاج إلى إقامة نظام حكم يمثل كل مكونات البلد، ففشل الحكومة العراقية في محاربة داعش نابع من عجزها ومن انعدام شرعية تمثيلها لكل مكونات الشعب العراقي، وكذلك الحال في النظام السوري.

ولن يتم الانتصار على الإرهاب في المنطقة عبر المعارك العسكرية كما تروج إيران ومعها الحكومة العراقية والنظام السوري، بل لا بد من معالجة الأزمات السياسية وخصوصا في سوريا والعراق عبر توحيد صفوف الشعب ضد مظاهر التشدد، وهذا يتطلب مساعدة من الدول العربية في وضع حد للعبث الإيراني الذي ينفث سمومه الطائفية في الجسد العربي ويتطور ليصبح عملا إرهابيا يضرب مجتمعاتنا ويعيدنا إلى العصور الغابرة.

غسان إبراهيم

صحيفة العرب اللندنية