كيف تمثل التوترات الإقليمية التي تحركها إيران نقطة تحول في سياسة أمريكا الخارجية؟

كيف تمثل التوترات الإقليمية التي تحركها إيران نقطة تحول في سياسة أمريكا الخارجية؟

ايران

اتفق “المحافظون الجدد” والليبراليون حول تصميم السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة. وتتمثل أهم النقاط الحاسمة لهذه السياسة في: وضع إيران كمصدر “للتوترات الإقليمية”، المحافظة على القواعد الأمريكية في الخليج العربي واختيار تنظيم الدولة ككبش فداء.

ومثل ما كتب المعلق على الوضع السوري، حسن حسن، في صحيفة “فاينانشال تايمز”، فإن “محاربة تنظيم الدولة -حسب النسخة المتداولة في الغرب ودول الخليج السنية- قد بدأ ينظر إليها كحرب ضد الطائفية”.

وأضاف المعلق أن “القتال في الفلوجة والمعركة من أجل استعادة الرقة، تسمح لتنظيم الدولة بأن يقدم نفسه كالطرف الراعي للسنة. ويبدو هذا الأمر جليًا، خاصة في العراق، المكان الذي يعتبر فيه تنظيم الدولة المجموعة السنية “المتطرفة” والوحيدة، القادرة على مواجهة القوات المدعومة من قبل الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة”.

وقد بدأت هذه القصة، ترسخ في واشنطن، في حين تحاول الإدارة الأمريكية إخفاء حلفائها الحقيقيين في شمال سوريا، تحت هيمنة وحدات حماية الشعب الكردي. كما تحاول الولايات المتحدة إظهار التحالفات التي ترعاها كتكوين وطني بعيد عن الطائفية، لكنها في واقع الأمر تبدو في عرضة لهذه التهمة، التي تضعها في دائرة ضوء تحريك الطائفية.

كما تجدر الإشارة هنا، إلى أن تنظيم الدولة يتّبع في حربه ضد الردة، عقيدة محمد بن عبدالوهاب، أحد مؤسسي المملكة العربية السعودية. ومن ثم أصبح ينظر للمعركة ضد تنظيم الدولة بأنها تتعارض مع عقيدة المذهب الوهابي.

كما كتب العراقي حيدر الخوئي، في افتتاحية نشرت مؤخرًا، أن “أساس العملية من أجل استعادة الفلوجة، لا يقف وراءها مجموعة شبه عسكرية تدعمها إيران، إنما دائرة مكافحة الإرهاب، التي أنشئت في الولايات المتحدة، هي المسؤولة عن هذه العملية”. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه يسيطر الأكراد على هذه القوى، فضلا عن كونها وحدة مختلطة تتألف من السنة والشيعة.

وبغض النظر عن المعلومات السابق ذكرها، فإن هذه الصيغة تخدم أغراضا أخرى أكثر غموضا. ومثل ما قال جيم لوب، فإن “هذه الأحداث لها علاقة مع البحث والبلورة الجديدة للنقاط المشتركة بين التدخل الليبرالي والمحافظين الجدد. وإضافة إلى ذلك فإن هذا التقاطع هو موضوع تقرير مركز الأمن الأمريكي الجديد الذي صدر في 16 من مايو/ أيار الماضي”.

ويركز التقرير على كيفية حفاظ الولايات المتحدة على الهيمنة على العالم. وهو ما يعني الحفاظ على النفوذ الجغرافي، المالي والسياسي، وتوسيعه. كما يعود هذا التقرير إلى التركيز -بلغة أكثر دقة- على الأفكار التي يقوم عليها القرن الأمريكي والنظام العالمي أحادي القطب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

فهل هناك علاقة بين هذا التقرير والشعارات التي تقول بأن الحرب ضد تنظيم الدولة هي حرب طائفية ضد الإسلام السني؟

إذا تمعنا في ما جاء في هذا التقرير، سنجد كثيرا من المؤشرات لهذه العلاقة؛ حيث يقول هذا التقرير إنه “يجب أن تتبنى الولايات المتحدة خطة شاملة، وذلك بتوفير مزيج ملائم من الموارد العسكرية، الاقتصادية والدبلوماسية لإضعاف وهزيمة طموحات إيران في فرض هيمنتها على الشرق الأوسط الكبير. سواءً في لبنان، اليمن، سوريا أو البحرين يجب أن نأخذ بعين الاعتبار طموحات طهران على المدى الطويل، والنظر إليها كتهديد لاستقرار المنطقة. كما يجب النظر إلى الخليج العربي كمنطقة حيوية لمصالح الولايات المتحدة الأمنية. (…) كما نرفض أيضا محاولات إيران في إلقاء اللوم على أطراف أخرى واتهامها بتحريك التوترات الإقليمية التي هي في طريقها إلى التطور. كذلك نرفض حملاتها التي تهدف إلى تشويه صورة حكومة المملكة العربية السعودية”.

ولكن الجملة الأخيرة، هي مثيرة للدهشة. فهل نشر الثقافة الوهابية له علاقة بالتوترات الحاصلة في المنطقة؟

من هنا يمكن ملاحظة أن جوهر السياسة الخارجية المشتركة بين المحافظين الجدد والتدخل الليبرالي في الشرق الأوسط، يهدف إلى اختيار إيران كمصدر لجميع “التوترات الإقليمية”؛ والحفاظ على القواعد الأمريكية في الخليج من أجل التمكن من القيام باستعراض قوتها عبر سلسلة من البعثات المختلفة.

كما تجدر الإشارة هنا إلى أن تقرير مركز الأمن الأمريكي انتقد المملكة العربية السعودية بحدة بسبب مساهمتها في تطرف الجماعات السنية في الماضي. ولكن في المقابل، ترحب المملكة بالتعاون الأمني والاستخباراتي الذي يجمعها بالولايات المتحدة الأمريكية.

لكن التشجيع على الإبقاء على المملكة العربية السعودية وبلدان الخليج العربي كحلفاء رئيسيين للولايات المتحدة الأمريكية، يأتي في الاتجاه المعاكس للمحركات الحالية، بما في ذلك، الكونغرس. والأمر نفسه بالنسبة إلى الإبقاء على القواعد العسكرية الأمريكية المكلفة في جميع أنحاء العالم لإبراز قوتها العسكرية.

وكشف تقرير مركز الأمن الأمريكي أيضا، عن رغبة المحافظين الجدد في دعم العلاقات مع إسرائيل. كما يرون أن دول الخليج على استعداد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل وإقامة علاقات تجارية ناجحة معها.

وحسب رأي المحافظين الجدد، فإنه من بين العراقيل التي تحول دون إقامة هذه العلاقات؛ تأتي في الصدارة المعارضة الإيرانية، المعارضة السورية وحزب الله. وفضلا عن ذلك، يملك هذا الثلاثي القدرة على تأجيج الرأي العام في جميع أنحاء العالم الإسلامي لصالح الفلسطينيين.

وفي الختام، فإن الملخص النهائي لكل ما ذكر سابقا، يقول بأن تنظيم الدولة، حسب الاتفاق المشترك، هو كبش الفداء؛ الذي سيبرر من خلاله جميع الأطراف تدخلاتهم وحروبهم في المنطقة. لذلك، لا يجب القضاء على روحه، لأنها مفيدة جدا لمصالح المملكة العربية السعودية والغرب؛ لإضعاف الأسد من جهة، لاحتواء إيران من جهة أخرى وأيضا من أجل تبرير الحرب ضد حزب الله.

التقرير