الأردوغانية.. من “إرادة الدولة” إلى “رجل الدولة” القاموس المختصر للدولة التركية العلمانية سابقا

الأردوغانية.. من “إرادة الدولة” إلى “رجل الدولة” القاموس المختصر للدولة التركية العلمانية سابقا

قصص-نجاح3

لا يخفى على أحد أن رئيس تركيا الجديد، رجب طيب أروغان، يبدو الآن أضعف مما كان عليه منذ خمس سنوات عندما كان يبرق كنموذج للمسلم الديموقراطي. تتصدر تركيا الأخبار اليوم، ليس بسبب إصلاحاتها الداخلية والدينية؛ ولكن بسبب ازدياد نظامها الاستبدادي والهجمات الإرهابية المتكررة.

ولكن لماذا فشلت “تركيا الجديدة”؟ ببساطة؛ الافتتان بالقوة. عندما أتى حزب أردوغان حزب (العدالة والتنمية) إلى السلطة كانوا يسعون إلى إثبات أنفسهم كإسلاميين ديموقراطيين لكلٍ من تركيا العلمانية والعالم الغربي. في البداية كان يوجد بعض المراقبات على سلطتهم من قبل البيروقراطيين من أتباع مصطفي كمال أتاتورك مؤسس العلمانية بتركيا. ولكن وبعد سنة من حكم حزب (العدالة والتنمية) تلك المؤسسات الكمالية اندحرت بما فيها أهم مؤسسة ألا وهي المؤسسة العسكرية.

ظاهريًا قد تبدو هذه العملية عملية ديموقراطية، لكن عمليًا قد نتج عنها حزب لا تتم مراقبة سلطته. وهذا جعل من حزب (العدالة والتنمية) أكثر فسادًا وطمعًا وغرورًا.

وعلاوة على هذا، فإن فلسفة الحكومة التركية الأردوغانية الآن إلى طريقها لتصبح هي الفلسفة الرسمية على غرار الفلسفة الكمالية التي حكمت لأكثر من قرن من الزمان. بعض الملاحظين الأتراك يطلقون على تلك الأيديولوجية “الإسلامية” ولكن هذا ليس صحيحًا؛ فهي أقرب لتقديس شخص أردوغان كما حدث مع من كان قبله كمال أتاتورك.

تلك الأيديولوجية تمت بلورتها في آخر ثلاث سنوات ليصبح أردوغان أقوى شخص بتركيا بعد أتاتورك؛ فقد امتلك الحزب الحاكم والحكومة والبرلمان والمقاعد الرئيسية للقضاة وعلى الأقل ثلاثة أرباع الإعلام التركي، ولقد ذهب لأبعد من هذا وبدأ في التحكم بالأعمال من خلال توجيهه لعقود بعض الشركات المفضلة. “هو يتحكم بالمال” قالها لي مؤخرًا مؤيد فخور بأردوغان بأنقرة: “لذلك هو رجل عظيم”.

الاردوغانية أيضًا أعادت كتابة قوانين السياسة التركية وتم وضع لغة خاصة بها لتصف أبطال الدولة ومخربيها. ولأن دولة أردوغان التركية الجديدة تحتاج لفهم مفاهيمها الجديدة وفك شفرات شعاراتها المحدثة، إليك هذا القاموس.

إرادة أمة

إذا كنت تعتقد أن الأردوغانية ترفض الديموقراطية فأنت مخطئ. بالعكس هي تبجل الديموقراطية لكن بطريقة فجة بعض الشيء. فكما كرر أردوغان وبعض مؤيديه واصفين الديموقراطية “الديموقراطية ما هي إلا صناديق اقتراع”. من يفوز بالانتخابات هو من يمثل “إرادة الأمة” هذه حقيقة ميتافيزيقية لا يمكن أن تحدها أية قوانين أو أعراف أو معايير دولية أو قيم عالمية. أما هؤلاء الذين ضد “إرادة الأمة” فهم غير شرعيين. فهم إما منحلون وإما أسوأ من ذلك؛ فقد يكونون طابورًا خامسًا يخدمون أجندات خارجية.

على سبيل المثال، متظاهرو حديقة غيزي في يونيو 2013 التي اشتعلت بسبب قرار الحكومة لتحويل الحديقة العامة إلى مول تجاري، تم وصفهم من قبل حزب (العدالة والتنمية) بأنهم ضد “إرادة الأمة” وأن تلك كانت “محاولة انقلاب”. تلك المظاهرات تم فضها بواسطة الشرطة وقد أدت إلى وفاة سبعة أشخاص.

رجل الأمة

هذا اللقب استخدمه مؤيدو أردوغان؛ فهو أول رئيس منتخب في الجمهورية التركية بفضل التعديل القانوني سنة 2007 والذي جعل الرئيس يتم انتخابه بدلًا من تعيينه بواسطة البرلمان. الشاهد هنا هو أن “رجل الأمة” في الحقيقة هو دمج الأمة كلها -هو وحده من يمثل إرادة الأمة.

وهذا يربط مصير أردوغان بمصير الأمة التركية كلها. فقد كنت أحد مؤيديه “أردوغان هو تركيا” وقال آخر إن “مصير تركيا مرتبط بمصير أردوغان”. أعلن أحد مستشاري أردوغان مؤخرًا “لا يجب أن يمارس أي أحد السياسة في تركيا إلا أردوغان”. وبما أن “رجل الأمة” هو من يجسدها الآن فإن “إهانته” أصبحت جريمة خطيرة. ولذلك السبب تمت مقاضاة أكثر من 2000 شخص ومن ضمنهم صحفيون “لإهانة الرئيس” منذ أن أصبح أردوغان رئيسًا والكثير منهم غرم مبالغ ضخمة. ومن هذه الإهانات مناداته بـ”تين توب الديكتاتور” أو بتشبيه بـ”غالوم” من فيلم ملك الخواتم. وقد ينتج أيضًا عن “إهانة الرئيس” فقدان وظيفتك. فقد تم فصل أستاذه جامعية من وظيفتها لوصفها أردوغان بأنه “فظ غليظ”.

الوصاية

هذا المفهوم ورث من عهد كمال أتاتورك وقد أصبح الآن بعبع الأردوغانية. وفد تم استخدامه بواسطة الليبراليين لوصف دور العسكر المستبد تجاه السياسيين المنتخبين. ولكن بعد إزالة الوصاية العسكرية؛ لم يبد هذا كافيًا لأردوغان ومؤيديه فبدءوا في إدانة “الوصاية القضائية” و”الوصاية الإعلامية” و”الوصاية الليبرالية”.

مبدئيًا؛ أي قرار محكمي وأي موقف إعلامي وأي نقد ليبرالي ضد رجل الدولة كان يتم إدانته واعتباره مؤامرة ومحاولة لفرض وصاية غير قانونية ضد إرادة الأمة المجيدة.

على سبيل المثال، قد أغضبت المحكمة الدستورية أردوغان في السنين القليلة السابقة عندما رفعت حظر “تويتر” وقد أقره أردوغان. وعندما ألغت قانونًا بإغلاق بعض المدارس التي أراد أردوغان التخلص منها والإفراج عن صحفيين أدانهما أردوغان لكشفهما سفينتين تركيتين باتجاه سوريا. ما أدى إلى إدانة قراراتها بواسطة أردوغان ومؤيديه بل وصلت إلى التشكيك بشرعية المحكمة الدستورية. ووصفوها بأنها مؤسسة تفرض “وصايتها” على “إرادة الأمة”.

العقل المدبر

استخدم أردوغان هذا التعبير في مناظرة منذ نحو سنتين، عندما اقترح وجود “عقل مدبر” أو لنكن أوضح “عقل أذكى” وهو الذي يتحكم بالسياسات وتطورها في الشرق الأوسط. هذه القوة تتآمر ضد الشعب البرئ بالمنطقة وخاصة منقذهم المنتظر “تركيا الجديدة”.

ولقد توسع مؤيدو أردوغان بأفكارهم؛ فهم يرون أن العقل المدبر وراء كل المؤامرات هم أمريكا والأمم المتحدة والصهيونية. على سبيل المثال؛ فهم يرون أن الدولة الإسلامية ليست نتيجة لأيديولوجية إسلامية أو بسبب اضطراب الشرق الوسط، ولكن تبعًا لتلك الأفكار الدعائية فإنهم يرون أنها نتاج للخطط السرية للعقل المدبر. ومناهضو أردوغان أيضًا في الإعلام الغربي جزء من تلك الفكرة؛ متوحدين مع مؤيدي أردوغان وواقفين وراء رجل الأمة.

“الخونة”

إن خيانة تركيا بالأساس هي بترويج أفكار دعائية ضد أردوغان. هناك نوعان من الخونة: الكثير من خارج حزب (العدالة والتنمية) ومن ضمنهم الليبراليون واليساريون والأكراد الذين يعملون مع العقل المدبر الشرير. وآخرون مع حزب (العدالة والتنمية) ولكنهم يظهرون لونهم الحقيقي عندما يتجرءون وينتقدون أردوغان ويعصون أوامره.

رجلان من ثلاثة رجال ممن أسسوا الحزب منذ ستة عشر سنة؛ الرئيس السابق عبدالله غول والمتحدث البرلماني السابق بولينت ارينج تمت إدانتهما مؤخرًا بواسطة أردوغانيين في حزب (العدالة والتنمية) والإعلام المؤيد للحزب. معلق أردوغاني هو رئيس تحرير ميلاد اليومية المؤيدة لأردوغان، شكك في غول واصفًا إياه بـ”إليزابيثي” لتعاونه مع بريطانيا. حتى رئيس الوزراء السابق أحمد أوغلو الذي أخذ مكانه أردوغان مؤخرًا تم اتهامه بالخيانة بواسطة مدونة غامضة ويعتقد أنها كتبت بواسطة صحفي مقرب لأردوغان. ومن ضمن خونة الأمة فإن الأعمدة هي أغربها. هذا المصطلح يشير إلى حركة كولن وهي أكبر جماعة إسلامي بتركيا. الحركة بها الكثير من الأفراد الناشطين بالتعليم وبالأعمال الخيرية والإعلام في تركيا وأهمها في الحكومة البيروقراطية.

إن للحركة وجودًا قويًا وعمليًا بالقضاء والشرطة بل كانت من قبل أفضل تحالف لأردوغان ضد العلمانية. ولكنها تحولت إلى أسوأ أعدائه عندما أطلقت الشرطة ومؤيدو العلمانية -ويعتقد أنهم أتباع غول- واحدًا من أقوى تحقيقات الفساد ضد أحد افراد الحكومة في ديسمبر 2013.

ومنذ ذلك الحين وأطلق أردوغان الاتهامات قائلًا إنها محاولة انقلاب وضرب الحركة لمحاولتها لخلق دولة موازية. كما أعلن الحرب على الحركة وأطلق عليها اسم “منظمة إرهابية” واعتقل الآلاف من أفرادها في خلال السنتين ونصف السنة السابقة.

الإسلامية

إن الغطاء المنظمي للحركة الغولية مع مؤسسة بيروقراطية كانت تشكل مشكلة كبيرة لتركيا ولكن النظام المطارد أصبح مشكلة أكبر الآن؛ فلقد سمح لأردوغان ومؤيديه بالتحكم فعليًا في كل مؤسسات الدولة مستخدمين قدرتهم الخطابية مثل أنصار تروتسكي في الاتحاد السوفيتي في الثلاثينيات. فالمتوازيون كانوا في كل الأرجاء. حتى من لم يكن له علاقة بالحركة الغولية كان يتم وصفهم بالمتواطئين ويتم فصلهم من الحزب والبيروقراطية وحتى من الإعلام؛ جزء كبير منه كان تحت تحكم أردوغان.

لم تكن الإسلامية هي الوجة الأساسي للأردوغانية ولكنها من أهم محتوياتها. فمنذ أن أتى للسلطة؛ لم يقدم حزب (العدالة والتنمية) أي شيء عن الشريعة أو القانون الإسلامي للنظام القانوني ولكنها فقط قدمت القانون التركي العلماني بشكل إسلامي.

العثمانية

ولكن استخدم أردوغان الدين بشكل متزايد في حملته الدعائية. وقدم نفسه كأمل “الأمة”. وفي الوقت نفسه استخدم مصطلح “هم ونحن”؛ حيث “نحن” تشير إلى الخيرين من المسلمين، و”هم” تشير إلى الغرب الإمبريالي الذي يحب أن يرى أطفال المسلمين قتلى أو إلى الأتراك العلمانيين والذين وصفهم أحيانًا بالسكارى أو مروجي الملابس القصيرة أو من يتغذون على الدماء.

يبدو أن أردوغان يريد أن يؤسلم الشعب تدريجيًا عن طريق تقديم الدين للمدارس العامة وتقليل استهلاك الكحوليات عن طريق الضرائب الضخمة ومنع الإعلانات الكحولية ودعم المنظمات الإسلامية. وقد ينتج عن كل تلك الجهود شعب محب للإسلام ويدحض العلمانية ولن يبقى لها آثار. بالفعل قد ساعد على إنتاج أمة مستقطبة؛ حيث تعيش الأسر المحافظة المتدينة بسعادة أكثر من وراء انتصار أردوغان، وفي المقابل تعيش أكثر الأسر العلمانية التركية قلقين من المستقبل.

إسلامية أردوغان تنبع من عاطفة قوية بين الأتراك المحافظين المتدينين الذين يريدون أن يعيدوا مجد الدولة العثمانية التي حكمت معظم الشرق الأوسط من عاصمتها إسطنبول. فقبل أن تسقط إمبراطوريتهم مع الحرب العالمية الأولى؛ كان العثمانيون هم الحامون والمحافظون للعالم الإسلامي لقرون.

يأتي الآن أردوغان ليقدم المسلمين الأتراك ليكملوا مصيرهم في قيادة العالم الإسلامي بعد ضياعهم لمدة 90 سنة. وبالتأكيد أردوغان هو القائد العظيم الذي سيقود هذا الطموح “جعل تركيا عظيمة مرة أخرى”. لذلك كل مناهضيه ونقاده ليسوا إلا خونة وجواسيس ومنفذين للأجندات الغربية.

وبالنظر لكل هذا؛ فيمكن أن نقول إن الأردوغانية تنضم إلى السلطات المحبوبة مثل البيروني في الأرجنتين والتشافيزية في فنزويلا والبوتينية في روسيا؛ فلقد جعلت تركيا الآن دولة ديموقراطية؛ حيث تقام فيها انتخابات حرية ولكن القيم والمؤسسات الليبرالية تلاشت واندحرت.

ما هو مستقبل الأردوغانية وتركيا؟ بعض الأتراك يشكون في إرادة أردوغان أن يبقى في الحكم لبقية حياته. هو أيضًا يريد أن يحول رئيس وزراء تركيا إلى رئيس تنفيذي من شخص غير مقيد بأي برلماني إلى شخص قانوني.

بما أنه لم يتعد الاثنين وستين من عمره وصحته تبدو جيدة فكل هذا يعني أنه ما زال لديه بعض العقود في السياسة التركية. لكن لكي يستمر يجب أن يحافظ على القوة الشعبية والتي تطالبه بالبقاء.

لهذا السبب لن نرى أردوغان يغير طريقة حكمه. سنرى على الأرجح مصادرة بعض الجرائد المناهضة وقمعًا للمتظاهرين السياسيين بل قد تصل إلى تحجيم القضاء وصراع مستمر مع الأكراد، التي سينتج عنها المزيد من الدماء ولكن ستساعد على تبرير إعلان حالة الطوارئ. وبذلك ستكون حققت “تركيا جديدة” ولكن غير التي وعد بها أردوغان.

مصطفى اكيول، مؤلف “إسلام بلا تطرف” وصاحب عمود في “المونتور” نبض الشرق الأوسط.

التقرير