إيران الخمينية وسوريا العلمانية‎

إيران الخمينية وسوريا العلمانية‎

kh-20100605-103701

منذ أحداث درعا، وكرة النار تندرج في سوريا لتلتهم الأخضر واليابس، رحى الحرب تطحن البشر والحجر دون أمل في الخلاص. سوريا الوجع العربي الذي لم يطببه لا الأخ ولا الصديق، ضاعت ملامحها بسبب الحرب وصارت وليمة تتناولها دول المنطقة والقوى العظمى بشهية الغزاة. ما هي طبيعة حرب الطرق المسدودة في وجه الحلول في سوريا؟ هل هي ثورة شعبية مسلحة، أم حرب طائفية سنية شيعية؟ هل هي حرب دول المنطقة بالوكالة من أجل النفوذ وتجارة الطاقة، أم صراع الرأسمالية مع الاشتراكية، أم أنها الإرهاب وحرب الإنسان على الإنسان؟ وكأن لسان الحال يقول “تعددت الأسباب والموت في سوريا واحد”.

الواضح إعلاميا أن إشكالية بقاء الرئيس السوري أو رحيله هي السبب الذي يقف وراء تبديد كل جهد مبذول لإنهاء الحرب. كيف يمكن أن يكون بقاء أو رحيل بشار الأسد الذي ورث السلطة عن والده جوهر الأزمة السورية؟

إذا كانت لعنة القدر -أو سوء حظ الشعب السوري- جعلت من بشار الأسد النموذج الأول لمرحلة التوريث في جمهوريات الأنظمة الشمولية العربية، فإنه، في النهاية، ليس أكثر من رأس الهرم لسلطة دكتاتورية حكمت البلاد لأكثر من ثلاثين عاما. وإذا أخذنا بعين الاعتبار كيف كان كل رئيس في معسكر القومية الاشتراكية يعد أحد أبنائه لوراثة السلطة، فإن بشار الأسد ليس اختيار والده، وإنما هو اختيار الردى الذي خطف أخاه باسل وجعله رئيسا دون أن يكون مؤهلا بالخبرة ولا مسلحا بالقوة المطلوبتين لاستلام الدولة وضمان حفظ أمنها واستقرارها. لم يرث سيف الإسلام السلطة بعد معمر القذافي في ليبيا، ولا عدي بعد صدام حسين في العراق، ولا جمال بعد حسني مبارك في مصر، ولا محمد بعد زين العابدين بن علي في تونس، لكن جميع تلك الدول لاتزال تعاني من فوضى وحروب ما بعد التغيير.

مراجعة التاريخ الشخصي لبشار الأسد ضمن نطاق أسرته تؤكد أنه لم يكن رجل سلطة وحرب وإنما هو رجل علوم ودبلوماسية. عقد في قيادة بلد مختنق بتركة ثقيلة من التحديات الداخلية والخارجية ليس كافيا ليضع الرئيس الجديد لمساته الخاصة على الحكم، فما بالك بالتصدي لثورة شعبية عارمة اجتاحت البلاد متأثرة بقوة واندفاع ثورات الربيع العربي؟ بالتأكيد لم يكن قمع الثورة بنفس الأسلوب الذي قمع به والده انتفاضة الإخوان المسلمين في حماة عام 1982 خياره الخاص، إنه واقع فرضته منظومة الدولة وطاقمها الأمني الذي ورثه مع السلطة. مثلما فرضت تراكمات الفساد والفقر والقمع سطوتها على مزاج الجماهير الغاضبة في بداية الثورة، فرض العنف والتسلط سطوتهما على الحاكم وحاشيته في قمعها، ليبقى السؤال هل ثار الشعب السوري على بشار الأسد، أم على سياسة ونظام والده حافظ الأسد؟

التحولات والاضطرابات السياسية في المنطقة فتحت شهية الدول المستفيدة من رحيل بشار الأسد أو بقائه في السلطة، وحولت القضية السورية من صراع بين الحاكم والمحكوم، إلى حرب إقليمية بالوكالة، حتى جاء التدخل الروسي ليجعلها قضية دولية. ورغم الأسباب المعلنة عن التدخل الروسي إلا أن التغيرات على الأرض تفتح الآفاق للنظر إلى هذا التدخل الروسي من زاوية مختلفة. بقاء الأسد في السلطة ضمن أجواء سياسية بإشراف دولي سيحفظ سوريا من خطر المشاريع الإسلامية المتربصة بها، ومنها المشروع الإيراني. إذا كان بإمكان الرئيس السوري التفاوض مع المعارضة للتوصل إلى حلول سياسية، وترك القضاء على داعش والنصرة للمجتمع الدولي، كيف يمكن له أن يضمن انسحاب إيران وميليشياتها من سوريا دون تدخل قوة عظمى مثل روسيا؟ المصالح المشتركة بين بشار الأسد وروسيا اقتصادية، لكن ما هي المصالح المشتركة بين إيران الخمينية وسوريا العلمانية؟

قبل كل شيء إيران لديها مشروع إسلامي مقدس وبقاء الأسد في السلطة لا يخدم مشروعها لأنه ليس من أتباع ولاية الفقيه كالسيد حسن نصر الله. هل إيران على استعداد للتخلي عن مشروعها وتضحياتها في سوريا من أجل دولة علمانية يقودها الأسد والبعث السوري بعد انتهاء الحرب؟ هنا تكمن حقيقة الأزمة في سوريا إذا أخذنا بعين الاعتبار تاريخ العلاقة بين إيران وأميركا في أفغانستان والعراق بعد أحداث البرجين، وكيف فجرت نتائجها حنين العراقيين إلى عهد صدام حسين.

كافي علي

صحيفة العرب اللندنية