مليشيات الحشد الشعبي ومعركة الموصل

مليشيات الحشد الشعبي ومعركة الموصل

2016419173211831

لوحت ميليشيات الحشد الشعبي بسحق كل من يعترض على مشاركتها في معركة تحرير مدينة الموصل (مركز محافظة نينوى شمالي العراق) من تنظيم داعش الإرهابي .ويأتي هذا التهديد المتوقع من قبل الميليشيات الحشد الشعبي في ظل رفض واسع لمشاركتهم في المعركة الاستراتيجية الكبرى.إذ أعلنت عصائب اهل الحق، يوم السبت الماضي، أن التحضيرات العسكرية لمعركة الموصل جاريه على قدم وساق وبهمة عالية، فيما اشارت من يعترض على مشاركة الحشد بمعركة الموصل “سيسحق بالاقدام ولا يلومن إلا نفسه”.

وقال المتحدث العسكري باسم العصائب جواد الطليباوي، ان “التحضيرات العسكرية لمعركة الموصل جارية على قدم وساق وبهمة عالية قل نظيرها”، مبينا ان “الواجب الشرعي والوطني والاخلاقي يحتم علينا تحرير الموصل وانهاء معاناة اهالي المدينة، وعودة اهالي تلعفر، وسهل نينوى الى مناطقهم بعد القضاء على عصابات داعش”. واضاف الطليباوي ان “من يعترض على مشاركة فصائل الحشد الشعبي المقدس في معارك التحرير سيسحق بالاقدام ولايلومن إلا نفسه”.  وأكدت مليشيات الحشد الشعبي، في وقت سابق، أن قوات الحشد لن تنتظر ترخيصا من أحد لتحرير الموصل كونها مدينة عراقية.

فيما رأى رئيس ائتلاف متحدون أسامة النجيفي أن طبيعة معركة الموصل لا تحتاج لمشاركة الحشد الشعبي لمنع استغلال “داعش” الورقة الطائفية، وأشار إلى أن هذه المعركة تستوجب استحضارات كبيرة أهمها زيادة عدد وتجهيزات الحشد الوطني ليكون لهم الدور الأساس بالتحرير ومسك الأرض. ورفض مجلس محافظة نينوى وعشائرها مشاركة مليشيات الحشد الشعبي في عملية استعادة الموصل من تنظيم داعش الإرهابي، وأكدوا أن أي قوة لا تمر عبر مجلس المحافظة لن يُعترف بها. وفي هذا السياق نسوق سؤالين أولهما: لماذا لايقوم الجيش العراقي بمفرده بمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، والثاني: مخاطر مشاركة قوات الحشد الشعبي حيث القوات التي يديرها النظام الإيراني في المعارك ضد تنظيم داعش الإرهابي في العراق؟

في العراق، بدأت عملية اضمحلال الجيش العراقي عندما قررت الولايات المتحدة الأمريكية تفكيكه بقرار سياسي اتخذته إدارة  جورد دبليو بوش عمداً، وليس خطأً كما يقال اليوم. فالجيش العراقي كان بين أقوى الجيوش العربية وكان يمثّل خطراً على إسرائيل وإيران معاً. كان الجيش العراقي الأقوى في المعادلة العسكرية الاستراتيجية العربية – الإسرائيلية، وكان مدهشاً قرار سورية الالتحاق بحرب ضد العراق تدمّر الوزن العربي في المعادلة الاستراتيجية العسكرية مع إسرائيل. هكذا، بدأ تفكيك الجيوش العربية في حرب العراق، فاستفادت إسرائيل واستفادت إيران التي لن تنسى للدول الخليجية دعمها للعراق أثناء الحرب العراقية – الإيرانية مع أنها تناست دور الولايات المتحدة دعماً للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في تلك الحرب نفسها. وها هو الجيش العراقي يفتقر للقدرة بعد أكثر من عقد من سوء الإدارة من قبل الحكومة ومؤيديها الدوليين. ضعف الجيش العراقي دفع إلى الاعتماد على جهات عسكرية أخرى في المعارك البرية ضد  تنظيم «داعش» الإرهابي وغيره.

ومن هنا جاءت فكرة تأسيس قوات الحشد الشعبي كالرغبة في إظهار أن الدولة تحظى بتأييد شعبي، ولذا قدمت الحكومة مكافحة «داعش» كفرصة لإظهار أن الشعب يلتف حولها، فالرغبة في إثبات شرعية الحكومة الحالية، لا سيما أنها تواجه ضغوطاً متزايدة من الجهات المعارضة مثل التيار الصدري فضلاً عن كثيرين داخل الطائفة السنية، قادت إلى الثناء على «الحشد الشعبي» كحركة يقودها المواطنون تهدف إلى مساعدة مؤسسة من مؤسسات الدولة وهي القوات المسلحة. وجاء وجود المقاتلين من السنّة وطوائف أخرى داخل «الحشد الشعبي» ليمكن الحكومة العراقية في محاولتها تأطير مكافحة «داعش» كتحرك غير طائفي لتخفيف الضغوط عليها.

ومع ذلك، فإن سلوك الحشد الشعبي لم يكن دائماً مطابقاً للخطاب الذي تستخدمه الدولة فبعض الجماعات الشيعية داخل الحشد الشعبي شاركت في أعمال العنف ضد المدنيين السنّة. ولعدم تكرار تلك الأعمال تم الاتفاق على ما اصطلح عليه “قواعد تكريت” -وهي اتفاقية غير رسمية تقضي بعدم دخول الميليشيات الشيعية المدعومة إيرانياً إلى المدن السنية التي تستعاد من “داعش” خشية إشعال فتيل توترات طائفية جديدة هناك. ولكن قوات الحشد الشعبي لم تلتزم بهذه القواعد  ودخلت مدينة الفلوجة إذ أفادت مصادر أمنية عراقية وأخرى صحفية بقيام قوات الحشد الشعبي في نهب وحرق المنازل في الفلوجة بعد تحرير أحياء في المدينة من قبضة تنظيم داعش الإرهابي.  كما عانى أهالي الفلوجة الذين تمكنوا من الهرب  من الضرب وحالات الاختفاء، بل وحتى من الإعدامات الميدانية على أيدي قوات الحشد الشعبي الميليشيات الشيعية طبقاً لتقارير “ذات صدقية” استشهد بها تقرير لمنظمة “هيومان رايتس ووتش” وقال برونو غيدو، رئيس بعثة وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في العراق، إن سلوك الميليشيات كان “غير مقبول على الإطلاق”. وقال غيدو لوكالة الأنباء الفرنسية إن المزاعم بإساءة المعاملة التي تمارسها الميليشيات الشيعية “ثبتت من جانب مصادر عديدة… ومن التقارير التي تلقيناها، فقد مورس التعذيب من جانب الميليشيات”.

واللافت أنّ عمليات الانتقام من المدنيين لم تحدث عقب انتهاء المعارك، على نحو ما حصل في تكريت، بل حصلت في بداياتها. ومع أنه سبقت الإشارة إلى أنّ الأساس في مشاركة الحشد الشعبي في معركة الفلوجة هو محاولة تحقيق مكاسب سياسية نظرًا لرمزية هذه المعركة، يبدو أنّ دوافع عدد من فصائل الحشد هي محض انتقام وتشفٍ، في سياق طائفي؛ فهذا ما يمكن أن يفسّر الاعتداءات والتباهي بها بالنشر المكثف لصور ومقاطع تصور إهانة، وتعذيبًا، وقتلًا لأعداد من المدنيين الفارين من الفلوجة.

ولكن حتى لو ضبطت قوات الحشد الشعبي سلوكها لوقف هذه التجاوزات، فان زيادة مكانتها كدور عسكري رئيسي في الصراع يعني أنها، على المدى البعيد، لن تكون راضية عن تسوية للصراع ترضي النخب السياسية القائمة وحسب. كما أظهرت تجربة لبنان، من المرجح أن تتحول قوات الحشد الشعبي إلى جهات فاعلة سياسية في مرحلة ما بعد الصراع. في لبنان، «حزب الله» لم ينشأ من قبل الدولة ولكنه نشأ جزئياً بسبب ضعف الدولة ضد العدوان الخارجي الإسرائيلي. ولكن في حين باركت الدولة اللبنانية في الثمانينات دور «حزب الله» كحركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، فإنها في ذلك الوقت لم تتوقع تطور هذه المجموعة إلى الحزب السياسي الأقوى في البلاد والذي يستمد الكثير من قوته من دعم النظام الإيراني له على كافة المستويات. إذ أكد الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله بخطابه في الرابع والعشرين من حزيران/يونيو الحالي بمناسبة مرور أربعين يوما على مقتل مصطفى بدر الدين في سوريا على دعم النظام الإيراني لحزبه بالقول:” أن أكله -أي حزب الله- وشربه وسلاحه وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران” وبالتأكيد أن هذا الدعم الإيراني له يأتي في إطار إستراتيجية النظام الإيراني أولاً في زعزعة استقرار دول المشرق العربي وثانياً التوسع فيها.

وبهذه الفهم فإن دعم النظام الإيراني لقوات الحشد الشعبي يعني أيضاً أن تصبح في وقت لاحق أداة سياسية إيرانية داخل العراق، وبالتالي تساهم أكثر في تقويض سيادة الدولة. هذا هو ما حدث في لبنان مع «حزب الله»، والذي يعمل ليس كدولة داخل الدولة بمقدار ما هو دولة داخل ظل دولة. وأداة عسكرية خارجية إذا تطلبت المصلحة الإيرانية ذلك.

اذا تم تطبيق هذا التصور على العراق، يمكن المرء أن يتخيل المستقبل المحتمل لقوات الحشد الشعبي كمجموعات تستخدم أدوارها العسكرية القائمة كمنصة للمطالبة بدور سياسي في العراق. الخطر في هذا التصور ليس التغيير في الوضع الراهن الذي يأتي مع بروز أصوات سياسية جديدة. إذا اتخذ لبنان مثالاً، فإن بناء السلطة السياسية على أساس ضعف الدولة وكذلك على حيازة الأسلحة يعني أن هذه المجموعات ستكون أقل قابلية للموافقة على الاندماج في مؤسسات الدولة. وعلاوة على ذلك، فإنها يمكن أن تعمل بنشاط للإبقاء على ضعف الدولة من أجل تبرير هدف الحفاظ على سلاحها، فيما تساهم رعايتها الخارجية في استمرار ضعف الدولة. ولذا، في حين أن العراق اليوم قد يجد في الميليشيات أداة لتعزيز شرعية الدولة، فإن هذا التكتيك قد يأتي بنتائج معاكسة على المدى الطويل. ومن جانب آخر فإن اصرار مليشيات الحشد الشعبي المشاركة في معركة الموصل سيصب بالأساس لمصلحة النظام الإيراني الجيوسياسية الذي يرغب في الحفاظ على “الممر” البري الذي يوصله بحلفائه في سوريا ولبنان. وأن لا تترك المشاركة في هذه المعركة لحلفاء تركيا في العراق فمعركة الموصل المرتقبة أشبه بالنظرية الصفرية في العلاقات الدولية. وقد تدشن هذه معركة مع إصرار تلك المليشيات المشاركة فيها ورفض سُنة الموصل والعراق بشكل عام ذلك، مرحلة جديدة من الحرب الطائفية قد تعصف بوحدة العراق و قديتسع مداها إقليمياً. فمن هنا نتساءل من الذي يستطيع أن يلجم مليشيات الحشد الشعبي في معارك العراق ضد تنظيم داعش الإرهابي؟

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية