الصين وأوروبا بعد خروج بريطانيا

الصين وأوروبا بعد خروج بريطانيا

349

لم تُخفِ الصين رغبتها بسقوط خيار انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، قبيل الاستفتاء الذي أفضى إليه باختيار 52% من البريطانيين. ففي تصريحاتٍ سبقت الاستفتاء، عبّر الرئيس الصيني، شي جين بينغ، ووزير خارجيته، وانغ يي، عن رغبة بلادهما بوجود “أوروبا قوية وموحدة ومستقرة”. ودوافع هذا التفكير الصيني لعلها التالية:
يعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري للصين، حيث تذهب 20% من الصادرات الصينية إلى دوله، وبلغ حجم التبادل التجاري بينهما في العام 2014 نحو 600 مليار دولار، وحجم الاستثمارات الأوروبية في الصين نحو 100 مليار دولار، ما يعني أن أوروبا تمثل المصدر الرئيسي للتدفق المالي بالنسبة للصين التي تتطلع إلى الحفاظ على هذا الواقع وتعزيزه، وهو يقوم على مبدأ التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي والعالم. وقد ظلت الصين تنظر إلى بريطانيا باعتبارها داعماً رئيسياً لهذه التوجهات الأوروبية، وعنصراً أساسياً في تمتين العلاقة مع الصين، ما يجعل بقاءها ضمن الاتحاد بمثابة ضمانةٍ أساسيةٍ لتوسيع علاقاته التجارية معها.
تفضّل الصين التعامل مع العالم على أساس المنظومات الجغرافية الكبيرة، لا الدول المنفردة. مثلاً تفضل التعامل مع العرب باعتبارهم وحدة واحدة، من خلال منتدى التعاون العربي الصيني وملحقاته وتفريعاته. والحال نفسه تفضّله مع أوروبا، حيث أسست معها منتدى الصين والاتحاد الأوروبي، وتفرعت عنه القمة الثقافية، فجعلت 2012 عاماً للحوار بين الجانبين لتوطيد علاقاتهما. ولا شك أن خروج بريطانيا، بما تمثله من ثقل سياسي واقتصادي، من المنظومة الأوروبية، سيربك الخطط الصينية في هذا الاتجاه.

بقاء أوروبا موحّدة، هو بالنسبة للصين، ضمانة لكبح جماح التمدد الأميركي في العالم، ولتوسيع الخيارات في القوى العالمية، اقتصادياً وسياسياً، على حساب الأحادية الأميركية. ويخدم خروج بريطانيا من منظومة الاتحاد التفوق الاقتصادي الأميركي (ما يفسّر، مثلاً، غبطة المترشح الأميركي الجمهوري دونالد ترامب بنتائج الاستفتاء البريطاني)، وهو أمر سيدفع الصين بالضرورة إلى إعادة حساباتها الدولية، وعلاقاتها مع المنظومات الاقتصادية في العالم. أما وقد تكسّرت الآمال الصينية، واختارت بريطانيا “الاستقلال” عن أوروبا، فستكون الصين مضطرةً للتعامل مع سوق أوروبية أصغر نوعاً ما، تدرُّ تدفقاً مالياً أقلّ شيئاً ما، ومع سوقٍ بريطانية مستقلة؛ تجارة واستثماراً.
الأهم أنها ستكون مضطرّة للتعامل مع سياستين، ربما تكونان متخالفتين، واحدة للاتحاد الأوروبي وثانية لبريطانيا، ما يجعل الأمر أصعب من الناحية الاستراتيجية، لأن عليها، والحالة هذه، إقامة تفاهماتٍ متعدّدة، وإبرام اتفاقياتٍ متعدّدة، ومدّ جسور متعدّدة، وربما يعطي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مؤشراً على أنها لن تعود، بعد اليوم، بمثل نظرتها إلى شركائها الحاليين في العالم، بمن فيهم الصين. وربما، من هذه الزاوية، تريثت الصين، منتظرةً نتائج الاستفتاء، في اختيار لندن مركزاً للمقر الأوروبي للبنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية، والذي يقال إن الصين أسّسته بديلاً عن البنك الدولي، حيث بات مرجّحاً أن تختار لوكسمبورج، الآن، مقراً للبنك.
ما يمكن أن يكون محلّ شك منذ اليوم في العلاقات بين الدولتين هو ما أسماه رئيس الوزراء البريطاني المستقيل، ديفيد كاميرون، “العصر الذهبي” للعلاقات بين الصين وبريطانيا، خلال استقباله الرئيس الصيني شي جين بينغ في زيارته لندن، أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ونتج عنها إبرام اتفاقياتٍ بين الطرفين بقيمة نحو 62 مليار دولار، وفتح آفاق الاستثمار المتبادل بين البلدين، في إطار الخطة الصينية للعلاقة مع العالم، المسماة “الحزام والطريق”، بخاصة أن الصينيين يطمحون أن تؤدي خطتهم إلى ربط أسواقهم مع الدول التي تتمتع بإمكانات اقتصادية كبيرة، وزيادة الاستثمارات العالمية في الصين، فضلاً عن تعزيز التكامل بين الصين والاقتصاد العالمي، أو بحسب كلماتهم “تحويل العولمة الجزئية إلى شاملة، وجمع العولمة والأقلمة لمساعدة مزيد من البلدان على أن تصبح غنية، وإيجاد نموذج جديد للتعاون الإقليمي والدولي في القرن الـحادي والعشرين”.
يومذاك، أبدى شي تطلع الصين إلى بقاء بريطانيا عضواً في المنظومة الأوروبية، على الرغم من أنه كان يُبرم اتفاقيات ثنائية معها، وليست من خلال الاتحاد الأوروبي.

سامر خير أحمد

صحيفة العربي الجديد