بريطانيا والاتحاد الأوروبي وعواقب الخروج

بريطانيا والاتحاد الأوروبي وعواقب الخروج

brexit

شهدت الاسواق العالمية بعد تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار ،بعد ان جاءت النسبة 52 بالمئة من الاصوات، مؤيدة لخروج البلاد من الاتحاد بعد عضوية دامت 43 عاما.

الحديث عن تطورات هذا الامر تبدو صعبة واكثر غموضا في ظل الترابط والتشابك بين العوامل الإقتصادية والسياسية بين بريطانيا والاتحاد الاوروبي ، والتكهن بالمستقبل صعب جداً ، خصوصاً أن إقتصادات بريطانيا والاتحاد الأوروبي تعتمد بشكل رئيسي على الأسواق المالية لتمويل الإقتصاد.

وبعكس حكومة كاميرون تؤيد نيكولا ستورغون رئيسة وزراء اسكتلندا قرار البقاء في الاتحاد وبشدة و قد صرحت بأن مسُتقبل بلادها هو داخل الاتحاد الأوروبي، وهناك توقعات بخصوص إعلان رغبة اسكتلندا في الإستقلال مجددًا، ومن غير المستبعد أن تقوم بتنظيم استفتاء جديد حول الاستقلال عن بريطانيا، التي اختارت أن تغادر الاتحاد الأوروبي.

كذلك، صوتت الأغلبية (55.7%) في إيرلندا الشمالية لمصلحة البقاء في الاتحاد، مقابل 44.3% لمصلحة الخروج منه. والأمر نفسه بالنسبة إلى جبرلتار (جبل طارق). ما يعطي دفعاً كبيراً للحركات الانفصالية لتنظيم استفتاءات شعبية على البقاء أو الخروج من بريطانيا.

سنقتصر هنا في التطرق الى اثر الخروج على الجانب الاقتصادي بالتحديد وكيف سيلقي هذا الخروج بتبعاته على اقتصاد منطقة اليورو و بريطانيا.

كما هو معلوم لكثير من المتابعين للاقتصاد الدولي، يعتبر الاقتصاد البريطاني خامس أكبر اقتصاد في العالم حيث يقدر حجمه بــ 2.678 ترليون دولار .و بريطانيا تعتمد بشكل رئيسي على الأسواق المالية لتمويل الإقتصاد، وربما وهذا احد اهم المسائل التي ستسهم في ان تسود الضبابية منطقة اليورو وخصوصا بريطانيا التي قد تواجه صعوبات كبيرة نتيجة هذا الوضع الجديد.

في الواقع لقد انقسمت الاصوات داخل البيت البريطاني بين مؤيدين ومعارضين للخروج من الاتحاد الاوروبي، بطبيعة الحال يرى مؤيدو الخروج ان بلادهم فقدت الكثير من سيادتها بسبب سياسات الاتحاد الاوروبي، وستستعيد عافيتها الاقتصادية والسياسية في حال المغادرة ، كذلك شكلت قضايا الهجرة والاقتصاد والسيادة أهم مظاهر ذلك الخلاف، في حين ينفي رافضو الابتعاد عن أوروبا ذلك، ويؤكدون أن مشاكل حقيقية تنتظر البلاد في حال كان الاستفتاء لصالح الانفصال.

يتفق المعارضين للخروج ان هذا الاجراء من شأنه عزل الاقتصاد البريطاني وضياع الفرص التي توفرها السوق الأوروبية الموحدة، وستكون البلاد ملزمة بدفع مبالغ أكثر للتجارة في القارة الأوروبي.

ردة الفعل على نتيجة التصويت جاءت سريعة جدا بعد ان هبط الإسترليني إلى أدنى مستوى له منذ 31 عاما يوم الجمعة، ليسجل  أكبر انخفاض في تاريخه، وتوقع الملياردير جورج سوروس الذي اشتهر بالمراهنة على هبوط الجنيه في 1992 إن الإسترليني قد ينخفض إلى 1.15 دولار.

سيدفع تراجع الجنيه الإسترليني البنك المركزي البريطاني إلى رفع الفوائد على الجنيه تفادياً للتضخم الذي سينتج عن تراجع سعر صرف الجنيه. مما يعني أن المركزي سيقضي على النمو بتجميد الاستثمارات

وحسب توقعات صندوق النقد الدولي، فالتصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي سيتسبب فى تراجع الاقتصاد البريطاني بنسبة 5 بالمئة بحلول 2019، مقارنة بالتصويت لصالح البقاء داخل الاتحاد.

ووفقا للصندوق، سيتراجع الناتج المحلّي الإجمالي البريطاني من 1.4% إلى 5.6% بحلول العام 2019 وإلى 8% بحلول العام 2030. بعدما كان الإقتصاد البريطاني قد سجّل نمواً بلغ 2.1% في الفصل الأول من هذا العام.

وفي مقال مجلة (ايكونوميست) البريطانية بعنوان “سنسقط اذا كنا منقسمين: التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الاوروبي سيضعف كلا من بريطانيا واوروبا”، قالت إن التصويت بالخروج سيكون خطيرا وسيضر بالسياسة والاقتصاد فى بريطانيا، كما ان خسارة احد اكبر اعضاء الاتحاد سيتسبب فى جرح عميق في بقية اوروبا.

ابرز التوقعات ترى بإن معدل البطالة البريطاني الذي يبلغ أدنى مستوياته في عشر سنوات حاليا عند 5% وهي في أدنى مستوياتها مع 1.67 مليون عاطل عن العمل ، سيرتفع بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، على الرغم من نجاح بريطانيا في تجنب خسارة الوظائف بالقدر نفسه الذي حدث في دول أخرى بعد الأزمة المالية الا ان خروجها سيترتب عليه تراجع الاستثمارات وبالتالي ارتفاع نسبة البطالة .

ووفقا لبحث أجرته مجموعة عمل كونفدرالية الصناعة البريطانية ((سي بي اي))، فتصويت بريطانيا لصالح ترك الاتحاد الاوروبي قد يكلف الاقتصاد 100 مليار جنيه (137 مليار دولار أمريكي) وفقدان 950 الف فرصة عمل بحلول عام 2020.

ويرى اقتصاديين ان خروج بريطانيا من الاتحاد تبعات سلبية على اقتصاد بريطانيا، إذ إن 45 % من صادراتها موجهة إلى أوروبا، وخروجها سيضطرها إلى إعادة التفاوض على أكثر من 60 اتفاقاً تجارياً مع دول العالم، بما فيها دول الاتحاد.

مفوض الخدمات المالية في الاتحاد الأوروبي جوناثان هيل قال أن: بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ستضطر البنوك إلى نقل أعمالها من لندن إلى فرانكفورت وباريس، فضلًا عن الفوضى والتخبط الذي سيشهده قطاع المال والأعمال.

و يعتقد معهد بيترسون للدراسات الاقتصادية الدولية و مقره واشنطن ان خروج بريطانيا سيكون حجر عثرة في طريق النمو الاقتصادي للاتحاد الاوروبي.

وبحسب خبراء اسواق المال فربما تحاول البنوك المركزية تحقيق الاستقرار بطلب قروض أكثر للبنوك او بطرق اخرى لجعل الائتمان اكثر وفرة بسرعة. وقد تساعد تقلبات السوق في اقناع بنك الاحتياطي الفيدرالي بتأجيل زيادة سعر الفائدة المحتمل هذا العام واصبح الان محل شك، بحسب التقرير.

انعكاسات دولية

ليست منطقة اليورو وحدها من يتأثر من انسحاب بريطانيا من الاتحاد ، بل شملت هذا الاثار الكثير من دول العالم ، فقد خسرت أسواق الأسهم في العالم ما يوازي 2000 مليار دولار خلال نهار الجمعة 24 حزيران/ يونيو. هذه الخسارة كبيرة على المصارف البريطانية التي خسرت 20% من قيمتها. ما شمل أيضاً أسواق الأسهم الأخرى، مثل بورصة فرانكفورت التي خسرت 16.16% من قيمتها، وباريس مع خسارة 10.12%، وطوكيو مع خسارة 8%، وهونكونغ 5%. وبالتالي، من المتوقع أن تبقى أسواق الأسهم مُغلقة لأيام في حال إستمر تدهور الأسهم. وتجدر الإشارة إلى أن المُستثمرين عمدوا إلى نقل أموالهم إلى أصول آمنة، مثل الذهب والينّ والفضّة.

وفي هذا السياق قدر مستثمرون وخبراء اقتصاد حجم الخسائر التي سيتكبدها المستثمرون والصناديق السيادية الخليجية، بسبب انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بما بين 30 بليون دولار و45 بليوناً، سواء لجهة الاستثمارات في العقارات أو أسواق الأسهم والسندات أو التجارة. وقدرت مصادر إجمالي الاستثمارات الخليجية في بريطانيا، المملوكة لأفراد ولصناديق سيادية، بأكثر من 250 بليون دولار، متوقعة أن تراوح الخسائر ما بين 10 و15 في المئة نتيجة تراجع قيمة الأصول.

من جهة اخرى يرى الخبراء سينتج عن خروج بريطانيا تراجع الاستثمارات الخليجية فيها خلال المرحلة المقبلة بشدة، جراء مرحلة عدم اليقين، وانعدام الرؤية في ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والسياسية، ما سيؤثر في العائد على الاستثمار، لا سيما أن معظم شركات التقويم العالمية بدأت بالفعل خفض تقويمها لبريطانيا. و«تراجع معدل تدفق الاستثمارات الخليجية إلى بريطانيا ما بين 20 و30 في المئة، وأن يعيد المستثمرون النظر في استثماراتهم الموجودة في الأسهم والسندات». وإن «لخروج بريطانيا من الاتحاد تبعات سلبية على اقتصادها”.

ختاما ،ينطوي القرار البريطاني بمغادرة الاتحاد الاوربي على الكثير من الانعكاسات التي بدأت منذ اللحظة الاولى لهذا القرار على الجانبين وعلى الاقتصاد العالمي، وستستمر هذه الاثار في المستقبل ، فالمسألة معقدة ومتشابكة وخصوصا عندما نتحدث عن 43 عاما من عضوية بريطانيا في الاتحاد وهي تلك الدولة النووية العظمى، وحتى الان رغم ان الكثير من التفسيرات اوضحت ما يمكن ان تلاقيه بريطانيا من هذا القرار الا ان الغموض الذي يلف مُستقبل بريطانيا الاقتصادي يجعل الصورة غامضة ،وعواقب هذا الخيار لا تزال غير واضحة، وبالأخص عندما تتداخل العوامل السياسية والاقتصادية معا ، حيث تبدأ المسألة بالتعقيد ويبقى السؤال مشرعا حول حجم النتائج السياسية والاقتصادية التي تنتظر بريطانيا والاتحاد الاوروبي في المستقبل القريب ،ومع ذلك يبقى ان ننتظر لنعرف هل هذا الانفصال في جوانب محددة ام بشكل كامل ؟ وهل سيكون هناك اتفاقات بين الجانبين لتفادي ازمة اقتصادية حقيقية ؟ وهو ما نتفق معه وستحمل الايام المقبلة اجوبة لكل هذه التساؤلات.

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية

Save

Save

Save

Save

Save

Save

Save

Save