الاضطهاد المستمر في إيران… الأحواز نموذجاً

الاضطهاد المستمر في إيران… الأحواز نموذجاً

إيران ـ الاحواز

تعتبر إيران دولة متنوعة القوميات والاديان، وهذا التنوع هو ظاهرة تاريخية ملازمة للتشكل السياسي والاجتماعي للدولة الإيرانية. وهي من أكثر بُلدان العالم تنوعاً، عِرقياً ودينياً، وأن المجموعة الفارسية المُهيمنة على المقاليد الإيرانية لا تتجاوز نسبتها أربعين في المائة، وأن الأغلبية تضم عشر مجموعات بشرية تشمل: الأحواز العرب، والأكراد، والتركمان، والآذريين (نسبة إلى أذربيجان في أواسط أسيا)، والبلوش (نسبة إلى بلوشستان)، والأرمن، والزاردشتان (الذين يُقدسون النار)، والراشتان (ذوي الأصول الروسية، ويسكنون على السواحل الشمالية الغربية لبحر قزوين)، والمسيحيين (من الطوائف الثلاث الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية). بل هناك أقلية إضافية نشأت وتوطدت في العقود الثلاث الأخيرة، هي الأقلية “الأفغانية”، أو التي تكوّنت من الأفغان الذين فرّوا من أفغانستان في سبعينيات القرن العشرين، نتيجة الغزو السوفييتي، دعماً لانقلاب شيوعي على النظام الملكي الحاكم (الملك طاهر شاه)، في ذلك الوقت، والذي (الملك) رحّبت به حكومة الشاه محمد رضا بهلوي، إمبراطور إيران في ذلك الوقت، والذي كان هو نفسه مُعادياً للشيوعية وداعماً للملكية في الجارة الأفغانية. وكان الاعتقاد السائد، حينئذ، هو أن إقامة اللاجئين الأفغان في إيران ستكون مؤقتة. لكن الشاهد هو أن تلك الإقامة قد قاربت النصف قرن، أي ما يوازي جيلين. وهو ما انطوى على ترسيخ جذور تلك الأقلية الوافدة الجديدة، والتي أضافت إلى التنوع العِرقي واللغوي والطائفي (إذ إن معظم هؤلاء الأفغان هم مسلمون من الطائفة السُنّية، ويعيشون الآن وسط الأغلبية الشيعية).

 في الخامس عشر من حزيران/يونيو الحالي استضاف “نادي الصحافة الوطني” بالعاصمة الأميركية واشنطن، مؤتمرا تحت عنوان “تحديات التعددية في إيران”، لمناقشة أوضاع الأقليات القومية والدينية والشعوب غير الفارسية والاضطهاد الذي تعاني منه على يد النظام الإيراني. ونظم المؤتمر “منظمة حقوق الإنسان الأهوازية”، بالتعاون مع “مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية”، وشارك فيه خبراء إيرانيون وعرب وأميركيون، بالاضافة إلى سياسيين وأكاديميين وحقوقيين من القوميات والأقليات الدينية والعرقية في إيران. لمناقشة المسألة الأحوازية في عهد الثورة الإيرانية.إذ افتتح المؤتمر الدكتور كريم عبديان بني سعيد، رئيس منظمة حقوق الإنسان الأهوازية، بكلمة قدم خلالها نبذة عن مشكلة التعددية في إيران وبنية الدولة الإيرانية التي لا تسمح بمشاركة مكونات المجتمع بإدارة الدولة، بالإضافة إلى الاضطهاد والتمييز العرقي والديني الممارس من قبل الأنظمة الإيرانية المتعاقبة ضد الشعوب غير الفارسية والأقليات الدينية. وأكد بني سعيد أن “الشعب العربي الأهوازي الذي يعاني من التمييز المضاعف، يريد حقه في تقرير المصير، لكن بالطرق السلمية من خلال طرح مظلوميته واضطهاده ومخططات الحكومة الإيرانية لإبادته على المجتمع الدولي”.
فأين يقع إقليم الأحواز؟ وما هي مساحته الحقيقية؟ ولماذا كان الطمع الإيراني فيه؟ وكيف آل إليها؟ وكيف تُعَامِل إيران أهل الإقليم؟ وما هو الموقف العربي والدولي من هذه القضية؟ وما هي الرؤى المستقبلية لهذا الإقليم؟
يقع إقليم الأحواز في الجنوبي الشرقي من العراق، والجنوب الغربي من إيران، ويحده من الغرب بلاد العراق، وشط العرب، والخليج العربي، ومن الجنوب إقليم بلوشستان، ومن الشمال جبال إقليم كردستان، ومن الشرق والجنوب الشرقي جبال زاجروس، وهي فاصل طبيعي بين الأحواز وإيران.
2015-635809292175639525-563

وقد أطلق على هذه المنطقة في العهد الساساني اسم: خوزستان (أي بلاد القلاع والحصون)، نسبةً إلى ما بناه العرب المسلمون في هذا الإقليم من قلاعٍ وحصونٍ في معركة القادسية “15هجري/636ميلادي”. وقد جاء ذكرها – أي الأحواز- في كتاب لسان العرب لابن منظور بمعنى ” الأحواز هي سبع كور بين البصرة وفارس، لكل واحد منها اسم، وجميها الأحواز أيضاً” كما تعني أيضاً “الأرض المملوكة ذات الحدود المعلومة”، وقد استمر هذا الاسم يطلق على المناطق العربية حتى عهد إسماعيل الصفويّ عام 1501م. إذ أطلق الفرس على الأحواز تسمية “عربستان”: أي بلاد العرب. مع وجود نسبة قليلة من الفرس تسكن الأحواز قدموا إليها ضمن حملة التفريس التي قامت بها الدولة الإيرانية عبر مراحل تاريخية مختلفة.

واليوم، تشكل القومية العربية في الدولة الإيرانية ما نسبة 4% من مجمل مواطني الدولة الإيرانية، ويعتنقون الدين الإسلامي، ويتمايزون عن بعضهم طائفياً، فالشيعة وهم الأغلبية يقطنون الاجزاء الجنوبية الغربية، أما السنة الأقل عدداً يقطنون سواحل الخليج العربي. كانت مساحة الأحواز، قبل اقتطاع إيران أجزاء منها وضمها لبعض المدن الإيرانية، 375 ألف كيلومتر مربع تقريبا، وعدد سكانها أكثر من 8 ملايين نسمة، 99% منهم عربا، وتتواتر روايات تفيد بأن نسبة العرب انخفضت إلى 95% بعد توطين أعداد من الفرس والقوميات الأخرى.

يسجّل التاريخ أنّ الوجود العربيّ في الأحواز بدأ مع ظهور هذه البقعة من الأرض على خريطة العالَم، منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، على شكل مجموعاتٍ بشريةٍ قادمةٍ من اليمن والجزيرة العربية، وأنّ هذا الوجود العربيّ هناك سبق أيَّ وجودٍ إنسانيّ، ولم ينقطع منذ ذلك الوقت، إلى أن أقامت في هذه المنطقة القبائلُ العربيةُ القادمةُ من العراق والجزيرة العربية، أهمها: “بني طرف” و”بني كعب” و”بني تميم” و”آلكثير” و”آل سيد نعمة” ومطير والدواسر وشمر وعنزة وظفير وسبيع وعتيبة وقبائل أخرى كثيرة وكلها قبائل عربية لها امتدادها بالجزيرة العربية ولها أمراء وشيوخ يحكمونها.

ومنذ انتصار المسلمين على الإمبراطورية الفارسية في معركة القادسية، وإقليم الأحواز تحت الحكم الإسلامي، واستمر يتبع لولاية البصرة حتى الإحتلال المغولي لبغداد عاصمة الدولة العباسية في العام 1258م. وبعد انتهاء مرحلة الإحتلال تلك. خضع إقليم الأحواز لدولتين عربيتين قبل خضوعه للإحتلال الفارسي وهما: الدولة المشعشعية “1436م/1724م” واعترفت بها الدولة الصفوية والدولة العثمانية كدولة مستقلة، والدولة الكعبية التي استطاعت أن تحافظ على استقلالها حتى تاريخ 25نيسان/ابريل عام 1925م.

لقد سمع أو درس المُهتمون بالشأن العام، اتفاقيات الدول الاستعمارية لاقتسام الأقاليم العربية للإمبراطورية العثمانية، بعد الحرب العالمية الأولى (1914-1918). من ذلك أن بريطانيا وعدت اليهود الغربيين، ممثلين بالمنظمة الصهيونية، بتسهيل إقامة وطن قومي لهم على أرض فلسطين، بينما تترك سورية ولبنان للهيمنة الفرنسية، والعراق والأردن وإمارات الخليج للهيمنة البريطانية. هذا فضلاً عن أن بريطانيا كانت بالفعل تحتل مصر والسودان وعدن، منذ أواخر القرن التاسع عشر. أما الذي لم نتعلمه في مدارسنا وجامعاتنا  العربية، فهو أن إحدى صفقات ما بعد الحرب العالمية الأولى، كانت سلخ شُرفة كبرى من الإقليم العراقي، الذي كان تحت الحماية البريطانية، وإعطائه لشاه إيران، رضا بهلوي. وذلك مُقابل حصول بريطانيا على امتيار التنقيب عن النفط، واستخراجه، وتكريره، على الجانب الشرقي من الخليج، وحول مدينة عبدان، التي هي قلب إقليم الأحواز أو عربستان، أو خوزستان، وكلها أسماء لأرض عربية واحدة، الذي كانت تقطنه القبائل العربية منذ القرن العاشر الميلادي. فبريطانيا كانت تخشى من تزايد النفوذ الروسي في المنطقة، فمنحتها أرض الأحواز، مقابل عدم التحالف مع موسكو، ووقف النفوذ الروسي المتنامي على أرضها. ولعل دافع شاه إيران رضا بهلوي لاحتلال الأحواز، يمكن في رغبته في الوصول إلى سواحل الخليج العربي، فإيران لم تكن لها أي إطلالة على سواحله بسبب امتداد حدود الدولة الكعبية عليه.

ولأن المقاومة المسلحة لشعب ما ضد المحتل تعد شكلاً من أشكال الممارسة الثقافية للتعبير عن الهوية الجامعة، والتي لا تظهر إلا في الوقت المحن كالاحتلال مثلاً تنوعت المقاومة الأحوازية بين حمل السلاح والعمل السياسي، والذي بدأ متأخرا عن العمل المسلح. فبعد مرور ثلاثة أشهر تقريبا على ضم السلطات الإيرانية للإقليم قسرا، قام جنود الشيخ خزعل وحرسه الخاص، الذين كانوا يسمون الغلمان، بثورة وسمت باسمهم في 22 يوليو 1925 بقيادة كل من شلش وسلطان، وأرغمت هذه الثورة الجيش الإيراني على الفرار إلى الكويت، وسيطر الثوار على مدينة المحمرة عاصمة الإقليم لعدة أيام، ثم قامت السلطات الإيرانية بقصف المدينة من كل جوانبها حتى استطاعت إخماد هذه الثورة وقتل قادتها.

وتوالت الانتفاضات والثورات مثل ثورة الحويزة 1928، وانتفاضة حيدر بن طلال (1930م)، وثورة بني طرف 1936، وثورة عشيرة كعب الدبيس عام 1940م، وانتفاضة جاسب بن الشيخ خزعل (1943م)، ومعركة الشيخ عبد الله بن الشيخ خزعل 1944، وثورة بني طرف 1945م، وثورة الشيخ مذخور الكعبي عام 1946م، وثورة عشيرة النصار 1946، وغيرها الكثير، وانتفاضة الشيخ يونس العاصي (1949م).لكن أشهر هذه الانتفاضات هى انتفاضة 15  نيسان/إبريل 2005م، حيث اشتركت فيها كافة القوى العربية في الأحواز.ورغم قوة بعض هذه الانتفاضات السابقة، وتعدد عملياتها، فإنها لم تحقق تغييرًا ملموسا، نتيجة قلة العدة والعدد، مقارنة بالقوات الإيرانية. أما العمل السياسي، فقد بدأ بإنشاء أول حزب سياسي منظم يعبر عن الأحواز عام 1946 عرف باسم حزب السعادة، وكان هدف الحزب الأساسي هو نشر الوعي بين الشباب العربي، وتعريفهم بحقوقهم، وواجباتهم. غير أن السلطات الإيرانية استطاعت احتواء هذا الحزب، وأصبح أمينه العام حسين فاطمي وزيرا للخارجية في عهد رئيس الوزراء الدكتور محمد مصدق، في مطلع خمسينيات القرن العشرين. وبعد انحسار هذا الحزب، تشكلت منظمات ثورية وسياسية أخرى، حاولت إكمال ما بدأه حزب السعادة.
لذا عندما قامت الثورة في إيران شارك الأحوازيون بها، حيث سيطروا على المنشآت النفطية والاقتصادية في إقليهم، مما عجل بسقوط حكم محمد رضا بهلوي في 11شباط/فبراير عام 1979م. ومع نجاح الثورة ظن الأحوازيون بأن المظالم التي وقعت عليهم في العهدين السابقين ستزول عنهم، لاسيما وأن الثورة اتخذت من مبادىء الشريعة الإسلامية! منطلقاً لحكمها، فسارعوا بتأسيس مؤسسات المجتمع المدني ومنها على سبيل المثال أنشئوا مراكز ثقافية في مختلف المدن الأحوازية، إلا أن ردّة فعل النظام الإيراني الجديد بقيادة آية الله الخميني قد اتسمت بمداهمة جميع هذه المراكز وقتل المتواجدين فيها.
إلا أن معاناة الأحواز إزدادت جراء السياسات العنصرية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة للثورة الإيرانية ضد تلك القومية وعلى مختلف المستويات، فقد ضم أجزاء من الإقليم إلى المحافظات الفارسية، كفارس وأصفهان وغيرهما، بدعوى التنظيم الإداري للدولة. وحرمان الشعب الأحوازي من مياه الشرب النقية والزراعة من خلال تحويل مسارات الأنهار وروافدها،  كما عانى  الإقليم من  الخدمات الأساسية والتحيز ضد أبنائه، في الوظائف المهمة والرواتب، بل وفرص التعليم، والرعاية الصحية. وسعت السلطات الإيرانية المستمر للقضاء على اللغة العربية، وإحلال  اللغة الفارسية محلها، وتغيير أسماء عدة مدن من اللغة العربية إلى اللغة الفارسية، مثل مدينة الفلاحية إلى شادكَان، ومدينة عسكر مكرم التاريخية إلى بند قير، والصالحية إلى انديمشك، بل تغيير اسم الإقليم نفسه من عربستان (بلاد العرب) إلى خوزستان (أرض الحصون)، رغم أن من سماه باسم عربستان هو شاه إيران السابق رضا بهلوي. والتباطؤ في ترميم وإعادة بناء وإعمار ما دمرته الحروب السابقة في الإقليم كالحرب العراقية- الإيرانية، وما خلفته من ألغام وهدم بعض البيوت الأحوازية، والتي تمثل التراث الأحوازي العربي القديم، بدلا من إعادة ترميمها كآثار مهمة تحكي أصول التاريخ العربي للإقليم.
أما عن موقف النظام الإيراني من الأحواز السنة تتصف بالتضييق على المذهب السني هو السمة الرئيسية في تعامل السلطات الإيرانية معه في إيران بوجه عام، وفي الأحواز بوجه خاص، فقد فرضت السلطات الإيرانية على إدارات المدارس الثانوية والمتوسطة في الإقليم التبليغ عن أي طالب عربي أحوازي يظهر عليه التحول، أو الانتماء إلى المذهب السني. واقتحام بعض المساجد، واعتقال روادها بدون أسباب واضحة، وفق ما تواتر في تقارير منظمات أحوازية.ولم يكن موقف مثقفي إيران أفضل حالا من سلطاتها. ففي 5-تشرين الأول/أكتوبر2011م  قال المفكر الإيراني الدكتور، الأستاذ بجامعة طهران، صادق زيبا: “.. إن نظرة الفرس دونية لغيرهم، خاصة العرب، وقال أيضا: “أعتقد أن الكثير منا سواء أكان متديناً أم علمانياً يكره العرب.. كما أن الكثير من العرب يكرهوننا أيضاً”، مدعيا أن ذلك لأسباب تاريخية.ورغم أن طهران دائما ما تنفي هذا التوجه، وتصر على أن ما تقوم به لا يتجاوز عدم السماح لأي أقلية من تجاوز نظرة الدولة الاستراتيجية، كي لا تدخل في دوامة من الصراع مع العرقيات الأخرى، كالأكراد، والبلوش، والأتراك، والأذريين، وغيرهم، فإن انتشار البطالة، وانعدام أو نقص الخدمات في مناطق الأقليات، خاصة السنة منهم

قد يختلف قطبا السياسة الإيرانية “التيار الإصلاحي وتيار المحافظين” فيما يتعلق بالسياسات الداخلية والخارجية للدولة، لكنهما يتفقان على اضطهاد وتنكيل القومية العربية في الأحواز، فالرئيس “الاصلاحي” محمد خاتمي الذي تفاءلت القوميات غير فارسية ومنها العربية لقدومه لشغل منصب رئيس الجمهورية على أمل أن يرفع الظلم الذي لحق بالأحواز، إذ هو يعمل على تكريس ذلك الظلم، وذلك عندما سربت وثيقة سرية صادرة عن مكتبه دعت إلى تهجير عرب الأحواز من مدنهم واستبدالهم بمئات الآلاف من الإيرانيين الفرس. هذا الأمر دفع الأحوازيون في 15 نيسان/ابريل 2005م، لينتفضوا من جديد ضد سياسات التمييز العنصرية التي تمارسها الدولة الإيرانية عبر حكومة الرئيس صاحب حوار الحضارات، وقد سقط أثر تلك الانتفاضة العديد من القتلى والجرحى كما اعتقلت الحكومة الايرانية ما لايقل عن ثلاث ألاف أحوازي. وقد زادت سوء أوضاع القومية العربية الأحوازية في عهد الرئيس السابق محمود أحمد نجاد والرئيس الحالي حسن روحاني، وقد أشار إلى ذلك، الدكتور كريم عبديان بني سعيد، رئيس منظمة حقوق الإنسان الأحوازية كلمة قال فيها إن “منطقة الأحواز عانت من الاضطهاد السياسي والثقافي والاقتصادي من قبل نظامي الشاه والجمهورية الاسلامية في إيران، ويعاني السكان الأصليون من التمييز العنصري وانتهاكات حقوق الإنسان إلى درجة جعلت منهم الحكومات الإيرانية المعاقبة مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة”.

تتسم  المواقف العربية والإقليمية في الأغلب الأعم بالسلبية والتجاهل، باستثناء موقف الرئيس المصري الأسبق الراحل جمال عبد الناصر، عندما طلب من جامعة الدول العربية في كانون الأول/ ديسمبر 1964 تشكيل لجنة تقوم بإدارة وبحث أوضاع الخليج العربي، ومن ضمنه إقليم الأحواز، وقامت هذه اللجنة بتغيير اسم الإقليم من (خوزستان) إلى عربستان “الأحواز”، وركزت اللجنة على ضم عربستان إلى العالم العربي. غير أن الأمر انتهى عند هذا الحد، وطوى الإهمال قضية الأحواز مرة أخرى. والملاحظ هنا أن العرب لم يحسنوا استخدام ورقة الأحواز في الضغط على إيران التي تلعب بكل ما لديها من أوراق ضدهم. ولكي يحسن العرب استخدام هذه الورقة، فهناك عدة خطوات يمكن اتخاذها، وهي تبدأ بمد سُبل التواصل مع الإقليم العربي، سواء اجتماعيا، أو ثقافيا، أو سياسيا من أجل تحفيزه على الصمود والتمسك بهويته،  والتعريف بهذه القضية في المناهج الدراسية بالبلاد العربية المختلفة، مع عمل بعثات دراسية لطلبة الأحواز إلى البلاد العربية التي ترغب في ذلك، أسوة بطلبة فلسطين المحتلة. وهذا ما يمكن تقديمه الآن، في ظل الظروف الدولية والمشهد الإقليمي المتأزم، ولكن ربما تتوافر في  المستقبل  سُبل أخرى للدعم أكثر فاعلية.
 إن التنوع القومي والديني في إيران، كان يمكن أن يكون مصدر قوة وإبداع، لو أن القائمين على أمور ذلك البلد كانوا أكثر عدلاً وإنصافاً في إدارتهم للشأن العام. لكن الممارسة العملية للنظام الإيراني ضد القوميات ومنها القومية العربية تؤكد على المُعاملة التمييزية المُتعالية من الجماعة الفارسية المُهيمنة على مقاليد الأمور. فالنظام الإيراني مبني على عنصري القومية الفارسية والمذهب الشيعي، وإلغاء التعدد العرقي والثقافي والديني القائم وبالتالي انتهاك حقوق القوميات غير الفارسية وسائر الأقليات العرقية والدينية التي تشكل فسيفساء المجتمع الإيراني. وأن هذا البناء يعود إلى قرون رغم تغير النُخبة الحاكمة؛ من إيران الصفوية، إلى إيران الشاهنستناهية، إلى إيران الخمينية، وأن ذلك هو الذي يُفسر نزعة النظام الحاكم في اختراق بُلدان الجِوار، ومُحاولة السيطرة عليها. وها هو واقع الحال في القرن الحادي والعشرين، وقد اخترقت إيران بالفعل أربع بُلدان عربية، هي العِراق، وسورية، ولبنان، واليمن. وتُحاول أيضاً اختراق كل من البحرين والسعودية، وبقية بُلدان الخليج العربي.لذا بات من الأهمية بمكان  العمل على احتواء النظام الإيراني، وتقليم نزعته الطائفية التوسعية. خُلاصة القول، يعيش النظام الإيراني نتيجة سياساته التمييزية وممارسة العنف ضد تنوعه القومي -الأحواز نموذجاً- والديني، قلقاً إجتماعياً قد يؤدي إلى حالة من عدم الإستقرار ما يعزز حالة التفكك الداخلي. فإيران القوية إقليمياً والتي تتخذ من حروب الوكالة الطائفية وسيلة للتمدد في الإقليم العربي، تعاني ضعفا داخليا. فقوة إيران وخاصة في المشرق العربي مبنية على توظيف البعد الطائفي في العراق ولبنان وسوريا واليمن وبعض دول الخليج العربي، وليس لأنها قادرة على استغلاله بالشكل الأمثل، وإنما يساعده في ذلك حالة الضعف العربي. فهو ليس على مستوى متماسك داخلياً كي يشن حروبها الطائفية علينا، وإنما نحن قد مكناه على ذلك.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية

 

 

.