الجوار العربي يعمل على إنهاك المنطقة بورقة الطائفية والتطرف

الجوار العربي يعمل على إنهاك المنطقة بورقة الطائفية والتطرف

_84128_122

يتحدّث حسام كصاي، بمناسبة صدور كتابه الجديد “الإسلام الرّاديكالي بين الأصولية والحداثة”، عن دار الفكر: دمشق، في حوار مع “العرب” عن الطائفية التي خصّص لها خمسة كتب أخرى، تناول فيها بالتحليل هذه الظاهرة التي عايشها عن قرب في موطنه العراق، ووصفها بأنها إشكالية وأزمة ووباء ومرض نفسي وغش ديني؛ ويعتبرها ظاهرة جاءت نتيجة لتمازج الديني والسياسي بشكل خاطئ ومغلوط، فالطائفية هي مقبرة الأوطان، وهي الممارسة العملية لنظرية الفوضى الخلاقة التي أعدتها سيناريوهات الغرب.

ويضيف الباحث العراقي موضّحا أن هناك فرقا بين الطائفة والطائفية. الطائفة تصور سام ونبيل، لكن الطائفية هي عملية توظيف لموروث الطائفة المقدس، وهناك خلط متعمد بين كلا المفهومين، بمعنى أن الطائفية هي عملية تزوير للحقائق وتزييف للوعي من أجل جمهرة الطوائف سياسيا، فالطائفية تعتاش على الأزمات والحروب، ولو انتهت الأزمات لانتهت الطائفية، وبالتالي مازال هناك الكثيرون ممن يحافظون على الفوضى والإضرابات حتى يستمروا في كسب ثمار الطائفية من الثروة والمناصب والهيبة والنفوذ.

ويرى كصاي أن السبيل لوأد الطائفية سهل جدا، لكن أطرافا كثيرة تتجنّبه، لأنها لا ترغب في حل هذه الأزمة والذي يمكن أن يكون من خلال الدعوة إلى تبني التحول الديمقراطي أو استنبات الديمقراطية التي من شأنها أن تحل كل الإشكاليات وتقضي على الفساد والتطرف والعنف والطائفية، لكن شرط أن تكون ديمقراطية أخلاقية نابعة من بيئات عربية خالصة تعالج إشكالية عربية بحتة، وليست ديمقراطية مرقطة على طريقة المارينز أو الكومندوز الأميركي التي أحرقت البلاد والعباد.

لإيران وتركيا مصالح جوهرية تسعى كل منهما إلى تحقيقها بعد إتاحة الولايات المتحدة الفرصة لهما للتوغل في البيئات العربية

وانتقد مؤلف كتاب “إشكالية الطائفية في الفكر العربي المعاصر”، آليات الخروج الآمن للعرب من نفق التطرف، انحسار المد القومي وتراجعه واللعب بمقدورات هذا التيار العريض وتوظيفه رومانسيا (سورياليا) لصالح منظمات أو أحزاب وجدت في غيابه الشرعية السياسية لبروزها، فلولا فشل التيار القومي ما كان للتيار الإسلامي “الصحوي” و”الرّاديكالي” أن يظهر بتلك القوة وهو مدجج بعقيدة العنف وعتاد الدين وآيات السيف والقتال.

ومن بين أسباب تراجع الفكر القومي عدم تجديده لخطابه السياسي إزاء الجماعات الإسلامية التي مثلت الفكر الطائفي بكل قسماته وتنوعاته وعناوينه؛ ما تسبب في خسارته لتأثيره وقاعدته الجماهيرية التي جاءت لصالح الطائفية أو الحركات الإسلامية وصعود مفاهيم الطائفية والإسلاموية والصحوة الدينية والأصولية الدينية وغيرها من المفاهيم التي تعد أساسا للطائفية وحجج جماعات التطرف والإرهاب.

ويقول أستاذ مادة الفكر السياسي العربي الإسلامي المعاصر في جامعة تكريت “بلا شك أن خصوم العروبة لا يريدون للعرب السلام والاستقرار فلإيران وتركيا مصالح جوهرية تسعى كُل منهما إلى تحقيقها بعد إتاحة الولايات المتحدة الفرصة لهما للتوّغل في البيئات العربية، إضافة إلى رغبة واشنطن في بروز تطرّف إسلامي يعمل لصالحها ولكن بأسلوب مبتكر ومغاير لطرق الاستعمار القديم”.

وبالتالي فطالما أن الصراع اليوم هو صراع مصالح وليس صراع حضارات كما برره المستشرق الأميركي صموئيل هنتنغتون، فإن الجميع “الجوار العربي” – تحديدا – له مصلحة قصوى في إنهاك وإضعاف العرب بورقة الحس الطائفي والمذهبي.

ويضيف “من هنا ندعو وباسم المصلحة العربية وبما أن غالبيتنا السكانية عرب إلى تكوين كتلة ممانعة توحد العرب تحت كلمة واحدة، فقد جربنا حكم رجال الدين والتيارات الإسلامية منذ أكثر من خمسة عشر عاما تقريبا والنتيجة تشرد وضياع وفوضى وخراب وتقسيم للمُقسم وتفكيك لمفكك وتجزئة للمُجزئ”.

الوضع غير مطمئن في العراق

يرى حسام كصاي أن الوضع الأمني والسياسي في العراق ينذر بالشؤم ومبعث للحزن واللا طمأنينة، فرغم التقدم الذي تحقق على صعيد الأرض وتطهير الجغرافيا من بداوة الفكر الظلامي الداعشي، إلا أنه مازال هناك ما هو أخطر من تطهير الميدان ألا وهو تطهير العقل والسلوك والتفكير، فمن سيطهّر الأنفس والأرواح التي تلوّثت بالطائفية والتطرف الديني والعنف الأصولي القائم على “فتاوى مُعلبة” وتفسيرات الموتى.

ويضيف أن القوة العسكرية -أي قوة عربية أو أجنبية- مهما بلغت من سطوة وتقنية فإنها لا تقوى على القضاء على تنظيم مثل داعش وفكره المتشدّد إلا بمناوبة أو مشاركة القوى الناعمة (التوعية والتبشير والهداية والتعليم والفن والأدب)، فالعنف الطائفي والتطرّف الديني أصبحا وظيفة الغالبية في العراق، وتحوّل الدين من غاية إلى وسيلة وبالتالي رفعت عنه القداسة وأصبح مجرد لعبة شطرنجية وتابو منتهك.

وإلى جانب الطائفية، يعاني العراق، من التطرف الإسلامي السني، الذي يصفه الباحث العراقي بأنه أكثر قضايا الساعة تعقيدا وأشدّها خطرا على المنطقة ككل، مشيرا إلى أن العنف الأصولي بات يتسبب في وفايات أكثر من تلك التي تسببت بها الأوبئة. وينتقد في كتابه الإسلام الرّاديكالي بين الأصولية والحداثة، الادعاءات الغربية الأورو- أميركية التي يرى أنها شوهت صورة الإسلام، من أجل سيادة العالم وقمع المشروع الحضاري للإسلام الحقيقي.

ويصف الكتاب بأنه بمثابة صرخة بوجه التطرف الديني والعنف الأصولي والإرهاب العالمي، وضد مموّلي هذه المشاريع من الغرب ومن الجماعات الإسلامية المتشددة التي أشعلت العالم.

ويقول “نسعى في هذا المنجز إلى إنصاف الإسلام ورّد الاعتبار له من خلال تعرية الإسلاميين المتشدّدين؛ إذ ليس هناك إسلام مُتطرّف قطعا؛ وهو ما توصّلنا إليه في ثنايا هذا البحث؛ وإنما يوجد مسلمون أو بالأحرى (إسلاميون متطرّفون)؛ ومن الضروري أن نفكك ذلك الخطاب من أجل تبرئة ساحة الإسلام ‘المبكر’ أولا وإنقاذ البشرية من مرض التطرّف ثانيا؛ وهذا التصور لا يتم إلا من خلال التحرّي من ذلك علميا وأكاديميا وفقا لمناهج النقد العلمي والعملي”.

وبخصوص الإسلام السياسي وثورات الربيع العربي؛ يقول إنه مؤمن بأنّ الثورات العربية قد تكون جُزءا من مخطط الفوضى الخلاقة أو مرحلة لاحقه لها، والنتيجة التي تمخضت عنها في دول الثورات أعطت الدافع لهذه القناعة باعتباره باحثا براغماتيا ينظر إلى النتائج لا إلى الأسباب والشعارات، حيث تعرضت تلك الثورات لعملية سطو منظم وسرقة واختطاف لمكتسباتها على يدي الإسلاميين، بمعنى أن الثورات العربية بدأت بربيع عربي قومي وانتهت بخريف إسلاموي راديكالي، وليس هناك أدل على ذلك ما يحدث في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا اليوم.

ويعتبر كصاي أن الإسلام الرّاديكالي كان نتاجا للظاهرتين الأصولية الدينية والحداثة الغربية؛ وليست واحدة منهما دون الأخرى أو بالأحرى أنه نتاج للأصولية في بعض جوانبه؛ ونتاج للحداثة في جوانبها الأخرى؛ فالإسلام الرّاديكالي هو ابن الأصولية الغربية نشأ وترعرع في بيئات معادية للإسلام المُبكر؛ كما هو ابن فشل الحداثة.

وتشترك جميع الأصوليات الدينية في التطرّف والغلو؛ وبكونها جماعات مُتشدّدة تتمسك بحرفية النص الديني، وتغلق باب الاجتهاد، وتقدم النقل على العقل، أو تلغي العقل نهائيا، وتحاربه، في حين يعتبر الإسلام السياسي برأيه أكبر مؤامرة سياسية على العالم العربي، لكن مع ذلك، يرى كصاي، مؤلف كاتب “الإسلام والديمقراطية: تشوهات الأصل والصورة”، أن تجربة الإسلام السياسي تجربة فاشلة، لكنها كانت ضرورية من باب رب ضارة نافعة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها عرّت حقيقة تلك الأفكار البالية وأسقطت الأقنعة الملتحية في مصيدة التجربة وأثبتت فشلها السياسي وزيفها الديني، وأظهرت أن نظرية النص والرّصاص لا وجود لها في الإسلام، وأن القرآن أكبر من أن يختصر بآيات السيف والقتال، وهو دين رحمة ووعظ وهداية وليس دين سيارات مفخخة واختطاف رهائن وحرق مساجد.

ويؤكد الباحث العراقي “لقد نفعتنا تجربة الإسلام السياسي لأنها على الأقل عرفتنا بحجم هؤلاء المتطرفين، وأعطتنا انطباعا عن فكرهم وتصوراتهم التي مازالت تُقيم في كُهوف مؤثثة بالظلام والخيبة، فالإسلام لا يُمثلهُ شخص أو جماعة، الإسلام دين عالمي يدعو إلى المحبة والسلام، وهم يدعون إلى العنف والسلاح”.

معالجة إشكالية التطرف

فاز حسام كصاي بجائزة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) للشباب العربي 2015، على بحثه “إشكاليَّة التطرّف الديني في الفكر العربي المعاصر”، والذي قدّم من خلاله أطروحات وآليات يمكن أن تساعد في معالجة داء التطرف. وهو يعتقد أن الآليات الكفيلة بمعالجة التطرف الديني في البيئات العربية وتجفيف منابعه تكون بضرورة التحول الديمقراطي على أن تكون ديمقراطية عربيـة خالصة متصالحة مع الدين.

ومن بين الآليات الأخرى التي يقترحها، تبني الوسطية الإسلامية والتي تعني أخذ منافع العلمانية وإيجابيات الثيوقراطية لتشكيل الدولة العربية المعاصرة، ومن ثم إعادة تجديد الفكر الديني باعتبار التجديد ضرورة دينية واخلاقية وسياسية؛ إضافة إلى التأكيد على التكامل بين العرب وإطلاق الحريات الدينية وجعل “الدين لله والوطن للجميع” لاعتبارات فقه الواقع والرهانات وليس لاعتبارات التأويل الغربي لتلك المقولة، ومن ثم تحسين شروط معيشة الفرد العربي وإعادة النظر في مناهج التدريس، باعتبار التعليم هو “المناعة الصحية” ضد التطرف والأصولية.

وختم حسام كصاي، حواره مع «العرب»، مشيرا إلى أن المرحلة القادمة ستكون أشد خطرا على الأمن العربي إنْ لم نجد مدخلا للخروج من هذا النفق المرعب، والذي يزداد ظلامية كلما أوقد المتطرفون والطائفيون النيران والحرائق.

صحيفة العرب اللندنية