هل يجب على أميركا مهاجمة الأسد؟

هل يجب على أميركا مهاجمة الأسد؟

download

كشفت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في الأسبوع الماضي عن أن أكثر من 65 مليون شخص شردوا قهراً من منازلهم في العام 2015، وهو رقم وصفته المنظمة بأنه قياسي. ومن بين أولئك من عشرات الملايين الذين هاموا على وجوههم بسبب الحرب والعنف، ثمة أكثر من 20 مليون شخص أصبحوا الآن لاجئين، ونحو 5 ملايين لاجئ منهم من السوريين.
حصدت الحرب الأهلية السورية أرواح نصف مليون شخص تقريباً، وتسببت في تدمير بلدات ومدن بأكملها. وتطورت الحرب تدريجيا لتأخذ شكل حرب متعددة الأوجه، والتي استطاعت استدراج عدد من القوى الأكبر إليها، خاصة الولايات المتحدة وروسيا.
ولذلك، من المهم تذكر هذه الخسائر والكلف عندما يقترح خبراء أو مسؤولون ما تبدو حلولاً راديكالية لإنهاء هذا الصراع الطاحن.
وكانت مذكرة داخلية لوزارة الخارجية الأميركية، وقع عليها 51 مسؤولا حاليا وسربت الأسبوع الماضي إلى صحيفة “نيويورك تايمز” قد أعربت عن خيبة الأمل من سياسة إدارة أوباما السورية، تقترح واحداً من مثل هذه الحلول. وتقدم المذكرة التي تم إرسالها من خلال قناة منفصلة تابعة للوزارة خلال حرب فيتنام مراجعة سريعة للإجراءات الأميركية الخطأ في سورية، وتحث الإدارة على القيام بعمل عسكري ضد القواعد والمواقع السورية.
ويشير مؤلفو المذكرة إلى نقطة خلاف رئيسية قسمت مراقبي سورية وصناع السياسة منذ المراحل المبكرة لتفجر الصراع. فبينما ركزت إدارة أوباما جهودها في البلد الذي مزقته الحرب بشكل حصري تقريباً على إلحاق الهزيمة بما تدعى “داعش”، فإن هناك أولئك الذين يصرون على أن هذا النهج يخاطب جزءاً واحداً من الاضطراب في البلد.
من جهته، قال السفير الأميركي السابق في سورية، روبرت فورد، في مقابلة مع مجلة “ذا نيويوركر”، والتي علق فيها على رسالة الاستياء، أن التركيز على “داعش” لن يفضي إلى كسب قلوب وعقول ما يكفي من العرب السنة السوريين لتوفير حل طويل الأمد ومستدام لهذا التنظيم في سورية”. وأضاف: “ينظر المجتمع العربي السني السوري إلى حكومة الأسد على أنها مشكلة أكبر من داعش”. وتقول منظمات حقوق الإنسان السورية أن تلك الحكومة قتلت من السوريين سبعة أضعاف ما قتله “داعش”.
وكان الرئيس الأسد —الذي حافظ على نبرة منخفضة حتى شهر تموز (يوليو) من العام الماضي— قد كسب خط حياة جديداً في الخريف الماضي، عندما تدخلت القوات الروسية لدعم حملة حكومته لاستعادة السيطرة على البلد المقسم. ومنذ ذلك الحين، حقق الأسد وحلفاؤه تقدماً ناجحاً في مدن وأراضٍ كان قد احتلها “داعش” أو قوات ثوار أخرى في السابق. ومتعهداً هذا الشهر باستعادة “كل إنش” من سورية، يبدو الأسد الآن متشجعاً أكثر بكثير من السابق.
وقال فورد: “الموضوع الآن هو كيفية العودة بالأسد إلى عقلية تموز (يوليو) 2015، حتى نستطيع الحصول على وقف مستدام لإطلاق النار”.
ما بعد الأسد
يصر فورد وغيره من الداعمين للدبلوماسيين المستائين على أن الفكرة ليست إزاحة الأسد عن السلطة، وإنما إجباره هو ونظامه على العودة إلى المفاوضات بنوايا طيبة. ومن المؤكد أن هذه المقترحات ليست شيئاً جديداً. فلأعوام حتى الآن، ما تزال الإدارة تجري مناقشات داخلية حول استحقاقات استهداف الأسد وقواته. وعلى الرغم من أن كاتبي ورقة الاستياء وأنصارهم هو طيبوا النوايا بلا شك، فإن نتيجة هذه الضربات -وافتراض أنها ستجبر الأسد على السعي إلى السلام- تبدو تصوراً ساذجاً في هذه المرحلة من الصراع.
كتب محلل السياسة الخارجية، علي غريب، في مجلة “ذا نيشن”، أن “من المؤكد أن القوة الكبيرة لسلاح الجو الأميركي ستضعف قدرات الأسد الهجومية. لكن المشلكة الأكبر مع ذلك تكمن فيما سيحصل تالياً. ماذا يحدث إذا استمر الأسد في رفض الانخراط في عملية دبلوماسية ذات معنى؟ لا تعطينا المذكرة أي شيء حول هذا السؤال. إنها تأخذ كشيء مسلم به تقريباً أن وقف إطلاق النار وحده سيقود الأسد إلى إعادة التفكير في عناده الدموي الطويل. ويبدو توسع المهمة عند تلك النقطة حتمياً تقريباً”.
ولا شك أن سؤال “ماذا سيحصل تالياً” هو سؤال محير، حتى أن أكثر مؤيدي مذكرة وزارة الخارجية إقناعاً يفشلون في مخاطبته بشكل كاف.
يقول فريدريك هوف، من مجلس الأطلسي: “إذا قرر (الرئيس أوباما) أن السلبية الأميركية في وجه مجزرة ضخمة تسبب انهياراً سياسياً مميتاً لم تعد قابلة للاستدامة، فإن عليه أن يوضح رغباته لوزير الدفاع آشتون كارتر، وأن يطلب من وزارة الدفاع طائفة من الخيارات التي تجعل من الأصعب على الأسد فعل أسوأ ما عنده”. ويضيف: “ربما يكون الأمر أن توجيه صواريخ كروز إلى قواعد الطائرات العسكرية السورية سيحتل رأس القائمة. لكن هذه مسألة يجب أن يبين فيها المحترفون العسكريون رأيهم ويقدموه للرئيس حتى يقرر”.
ومع ذلك، أبدى البنتاغون تردداً في زيادة دور أميركا في الحرب، في تكرار لمقولة الإدارة عن الفراغ السياسي الذي سيعقب الإطاحة بالأسد على الأرجح. ومع أن المنتقدين أشاروا بذكاء إلى أن العيوب العديدة لسياسة الإدارة السورية التي تكون في بعض الأحيان صلبة، فإن الدعوة إلى ضربات بصواريخ الكروز مثل تلك التي اقترحتها المذكرة التي قدمها الدبلوماسيون، تبدو مثل نصف إجراء آخر في حرب مليئة أصلاً بالجهود غير الحاسمة بنفس المقدار.
الانفصال عن الواقع
إن بشار الأسد هو قاتل بلا ضمير، والذي أعلن الحرب الشاملة على شعبه الخاص، معولاً على التجويع والحصار والحرب الكيميائية في محاولته استعادة السيطرة على سورية. وقد جعلت تكتيكاته منه شخصاً غير مناسب كلية لحكم الشعب السوري. وربما يثبت التاريخ أن أولئك الذين شنوا حملة في العام 2013 من أجل أن تنهي الولايات المتحدة حكم سلالة عائلته قصير العمر كانوا على حق.
لكن الوقت الآن ليس العام 2013، وليس بشار الأسد هو اللاعب الوحيد الساعي إلى أن يكون له قول في مستقبل سورية. وبينما انتهج نظام الأسد تكتيكات تزداد بشاعة ويأساً في الجهود الرامية إلى التمسك بما تبقى، فكذلك يفعل المقاتلون والفصائل الأخرى في البلد أيضاً. وقد أفضت إضافة قوات روسية وإيرانية إلى خلق رقعة شطرنج سورية معقدة، وواحدة لا نهاية واضحة لها في الأفق. ومع حالة عدم اليقين السائدة، ربما يكون أفضل مسار عمل —مع أنه الأقل إرضاء- هو العمل مع موسكو وطهران لإنقاذ وقف إطلاق النار المترنح الذي كان قد أرسي في وقت سابق من العام الحالي.
يقول محررو “المونيتور” أن تحسين الجهود في التنسيق بين واشنطن وموسكو وطهران قد خفض حدة العنف وجلب المساعدات للسوريين المعوزين. ومن المرجح أن تجهض مهاجمة الأسد الآن، مهما كان ذلك مرضياً، جل -إن لم يكن كل- التقدم المتواضع الذي تم إحرازه. ويقول المحررون:
“بالإضافة إلى احتمال نسف إطار العمل الدبلوماسي والخيط الرفيع من الأمل والمساعدات التي قدمت للشعب السوري، فإن هذا التفكير على أساس الطائفة أولاً سيقوي المجموعات الجهادية المسلحة التي تصطف مع الفرع السوري لتنظيم القاعدة… وقد عمدت مجموعة أحرار الشام بشكل خاص والمجموعات السلفية الأخرى التي عمقت التنسيق مع “جبهة النصرة” بانتهاك وقف الأعمال العدائية منذ شباط (فبراير) الماضي. ويجب تذكر أنه يجري التحقيق الآن بشأن استخدام “جيش الإسلام” غاز الكلور في شمالي حلب”.
لا يملك أي لاعب مفرد —لا الأسد ولا حلفاؤه ولا الأكراد الصاعدون ولا أحرار الشام ولا “داعش”—احتكاراً للقوة أو الشرعية للحكم في سورية، ومن المرجح أن تفعل إزاحة الأسد الآن القليل جداً نحو التخفيف من الانقسامات الطائفية والقبلية التي ما تزال تتراكم بسبب سنوات الحرب.
وهذه حقيقة وطنت واشنطن نفسها عليها منذ وقت طويل، وربما قبل الأوان. ومع ذلك، اختفى رعب الأزمة الإنسانية التي مزقت سورية في الأشهر الأخيرة في ظل الواقع الجيوسياسي. ومع أن الأسد يستحق بلا شك حصته من العدالة، فإن من المرجح أن قوس التاريخ يميل في اتجاه وجهة نظر موسكو وطهران.

كيفن سوليفان

صحيفة الغد