النظام الإيراني ينضح بما فيه

النظام الإيراني ينضح بما فيه

225ced49b5d606fd924d5e5beb129bf3_XL

إذا كان الإنسان يضرب به مثل “الإناء ينضح بما فيه”، فالدول والأنظمة أيضا تنضح بما فيها؛ وإيران نضحت في العراق والمنطقة مياه غسيلها وبزلها وملأت أرضنا بالأملاح حقيقة واستعارات معنى.

صادرات ثورة ولي الفقيه على طريقها البري للوصول إلى تحرير القدس، تعرضت إلى مطب صناعي، فسارعت بالإيعاز إلى مهندسيها وحجاج الولاية بإخراج ألسنتهم الملحية للتحذير من إقامة الإقليم الطائفي في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى، واعتبرته عائقا طبيعيا بوجه دول المقاومة والممانعة وتواصلها والذي تمثله بلدان الهلال الخصيب سابقا والهلال الطائفي في إيران والعراق وسوريا ولبنان حاليا.

ولأنهم مع وحدة العراق وترابه ووحدة أرض المقاومة، فهم ضد مخطط الصهيونية الساعي إلى إقامة الإقليم العازل؛ لذلك تم تكليف قاسم سليماني برئاسة فيلقه الهندسي لتعبيد الطريق إلى القدس، والذي باشر عمله في صلاح الدين وأدى واجبه ثم انتقل إلى الفلوجة بكل إمكاناته وحشده وإصراره على “تسوية” الموصل تماما، وإجبار سلطة المركز المحتلة لكرادة مريم في بغداد على إصدار تعليمات بالموافقة على مشاركة الحرس الثوري العراقي في قاطع عمليات نينوى.

ليس تهكّما لكن شر “ملالي طهران” ما يضحك؛ فبعد دعوات زبائنها من الأحزاب وزعماء كتلها السياسية في برلمان احتلال العراق وترويجهم لإقامة إقليم الجنوب ومحاولتهم ترك بغداد تحترق أثناء الحرب الأهلية بعد تفجير المرقدين في سامراء عام 2006 في حادث مدبّر، وما تلا هذه الحرب من جرائم وتصفيات وأعراس دم أقدمت عليها ميليشياتها الطائفية ووأدت بأفعالها كل أمل في التعايش السلمي؛ تبدو إيران هذه الأيام مهتمة جدا بوحدة العراق، كاملة وغير منقوصة، في محاولة لتبرير زج قواتها رسميا في معارك تحرير المدن العراقية المستباحة من إرهاب تنظيم داعش، لتكمل بحالتها الإرهابية ما بدأته أميركا باحتلال العراق، وما مهدت له القوات الأمنية ثم القطعات العسكرية النظامية بانسحابها أمام أعداد قليلة، عدّة وعددا، من المهاجمين في هزيمة غير مسبوقة ووصمة عار لزعيم حزب الدعوة رئيس الوزراء لدورتين متلاحقتين لحكومة الاحتلالين الأميركي الإيراني، الذي وفر الغطاء المطلوب لتسليح تنظيم الدولة داعش بما لا تحلم به الجيوش النظامية، وفتح باب الإرهاب واسعا، واضعا المنطقة في أتون الصراعات الإقليمية والدولية، مهيّئا كل مستلزمات إبادة وتهجير الأقليات الدينية والإثنية، وإعلاء أصوات ودوافع انفصال إقليم كردستان، وطموحات ومسوغات لن تقف عند حدود المحافظات الثلاث، أربيل وسليمانية ودهوك، بل ستجر الويلات مستقبلا لشعب العراق؛ وبوادر اشتعال الأزمات قائمة وضحاياها لن تغفلهم الأخبار.

كوميديا العداء الإسرائيلي الإيراني، والأميركي الإيراني، والسوري الإسرائيلي، والإيراني الداعشي، والسوري الداعشي، والإسرائيلي الداعشي، وكل خلطة البهارات المتجانسة والمتنافرة؛ لن تستقيم أبدا في خواتيم الخدمات والمنافع المتبادلة والغرام من خلف الأبواب المفتوحة، ربع ربع أو نص نص؛ وتبادل الهدايا تحت جنح الظلام.

حكومة المنطقة الخضراء ودستورها وميليشياتها وممارساتها وشعاراتها وطقوسها ورشاواها وتبعيتها وعمالتها وإثارتها لمشاكل التاريخ وحوادثه، وحشدها الطائفي وقاسمها ومهندسها وحجاج ولاية الفقيه الإيراني، وما جرى من إهانة لمكون كبير من الشعب، استهدف حياتهم ومدنهم وكرامتهم، يدفعهم دفعا للبحث عن ملاذ آمن.

إيران تجتاح المنطقة وتضع العراق والعرب في مرمى مكائدها، وتنصّب نفسها مدافعا عن وحدة تراب العراق، وذلك يعني أنها لم تعد تفكر في ارتداء خمار الطائفية، بل أسفرت تماما عن وجهها ومطامحها القومية الفارسية، وهو لب وجوهر مشروعها وصادراتها على أوتوستراد القدس.

تستغل إيران قضية العرب المركزية فلسطين، لأنها تدرك وقع آثارها النفسية على عقل وقلب كل عربي وتتلاعب بهذا الحقل المغناطيسي الجاذب لحماستهم، فتحرك أقطابها تحت راية فيلق القدس، وشعارات إبادة المدن وتغيير ديموغرافيتها تحت لافتة الوصول إلى القدس، ومن أجل القدس توجهت كل أسلحة الجيش السوري إلى صدور الشعب السوري صاحب ملكيتها، الذي تجرع الفقر والظلم من أجل تحرير الجولان والإبقاء على حد أدنى من السيادة والكرامة، وساهمت تلك الأسلحة مع أسلحة ملالي طهران في إبادة الآلاف من شعب العراق وتدمير مدنه في حرب الثمانينات، أو في إطلاق وحوش القاعدة أو داعش الذين قلبوا كل المعاهدات الدولية والإقليمية لصالح إبقاء النظام السوري على رأس السلطة، وخذلان المعارضة المسلحة المعتدلة، وتشتيت وسائل الحل السياسي كما تشتتت وجهات فوهات البنادق، وسخرت الآلة الطائفية لإيران ومنحها براءة اختراع وإنتاج واسع لحماقاتها وادعاءاتها وتزويرها بتعاملها اللزج لتضيع الحقائق وسط الحرائق.

هذا العداء الإيراني لإسرائيل توج بمطالبة أتباع ولاية الفقيه بتغيير اسم بابل إلى اسم الحسن بن علي بن أبي طالب؛ ولكم أن تتفحصوا وتختبروا حجم كمية السم في العسل أو العكس وتتعرفوا على أسرار التقارب بين إسرائيل وإيران، خاصة إذا اطلعتم على الجرح الذي تسببه بابل لإسرائيل ومدى الاستفزازات التي كان يشكلها مهرجان بابل وشعاراته المرفوعة قبل احتلال العراق، وما جرى أثناء اتخاذ مدينة بابل الأثرية كقاعدة عسكرية للقوات الأميركية وأحداث أخرى تتحشد للدفاع عن مستوى العلاقات وتخادمها بين إيران وإسرائيل.

سقط الخمار الطائفي عن وجه الولي الفقيه، عندما كشف عداء نظامه القومي الفارسي للعراق وللعرب، ومثالنا الأخير ما يتعرض له شط العرب ومدينة البصرة سنويا، من بداية يونيو إلى أكتوبر، نتيجة لغلق تدفق نهر الكارون وتحويله وخزن مياهه في الأراضي الإيرانية، بما يؤدي إلى زيادة نسبة الأملاح إلى أكثر من 2500 جزء بالمليون وهي النسبة المحددة لصلاحية الإرواء، وتصل إلى 8000 أو 13000 جزء، وتنفق عندها أسماك المياه العذبة وتتلف المزروعات، ومع قلة المياه الشحيحة أصلا من دجلة والفرات، تتسرب مياه الخليج المالحة إلى داخل البصرة مسببة ظاهرة اللسان الملحي وتمتد إلى ما يقارب 60 كلم، يضاف إليها تصريف مياه البزل الإيرانية؛ إيران تنضح بمشروع ولايتها بما فيه، لتؤكد أن الإرهاب ليس طبعة دينية واحدة فقط، إنما ملاحق وكراسات ونفخ سحال.

حامد الكيلاني

صحيفة العرب اللندنية