قلق المستثمرين بعد «بريكسيت»

قلق المستثمرين بعد «بريكسيت»

index

صوّت البريطانيون للخروج من الاتحاد الأوروبي. ولما أصبحت النتيجة واضحة، أعلن رئيس الوزراء ديفيد كامرون أنه سيستقيل في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة. وهكذا تواجه بريطانيا اليوم فترة من الاضطراب على صعد متعددة. فالاقتصاد على المحكّ، والتناحر السياسي تحت الأضواء، والانقسامات في المجتمع البريطاني ظاهرة للعيان.

عند الإعلان عن نتائج الاستفتاء، هبط سعر الجنيه الاسترليني، إذ ان أسواق العملات كانت تراهن على بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي ولاحظت أنها كانت على خطأ. وصبيحة الاستفتاء، تراجع الاسترليني إلى أدنى سعر له منذ العام 1985 مقابل الدولار. وخلال الأشهر الثلاثة الماضية، انسحبت استثمارات ببلايين الجنيهات من السوق البريطانية، ويبدو أن مزيداً سيلحق بها. وكلّ مرة يتراجع الاسترليني، يكون الخبر سيئاً بالنسبة إلى البعض وساراً بالنسبة إلى آخرين. فهؤلاء المستثمرون الذين يؤمنون بمستقبل بريطانيا في المدى الطويل، يجدونها فرصةً للاستثمار في أصول فيها متدنية السعر. أما هؤلاء الذين يريدون البيع فلا يحالفهم الحظ.

تعبير المملكة المتحدة يعني أن المملكة هي متحدة، إلا أن النتيجة برهنت عن وجود اختلافات كبيرة في أنماط التصويت. والحال أن لندن وكلاً من اسكتلندا وإرلندا الشمالية صوّتت للبقاء في الاتحاد الأوروبي. أما التصويت في باقي انكلترا وويلز فجاء لمصلحة الخروج منه.

والذين حشدوا لتبقى بريطانيا في الاتحاد الأوروبي كانت حجتهم ان قرار الخروج ستكون له تداعيات على الاقتصاد. ويبدو أن معظم من صوتوا للخروج لم يتأثروا بهذه الحجة، ربما لأنهم لم يستفيدوا من النمو الاقتصادي خلال السنوات القليلة الماضية. فالاختلاف بين الأغنياء والفقراء يتزايد، وفكرة أن النخبة دعمت فكرة البقاء، كلها أمور لعبت ضد حملة البقاء.

ويبدو جلياً ان تسعى اسكتلندا إلى الاستقلال عن باقي المملكة المتحدة على أساس أنها تريد البقاء في الاتحاد الأوروبي، تاركةً انكلترا وويلز في حالها. وإن حصل ذلك، ستكون نهاية اتحاد شُكِّل عام 1602، ليضع حداً للحرب بين الشمال والجنوب. ومن شأن التفكك تغيير الساحة السياسية، إذ إن الناخبين الاسكتلنديين ساعدوا، خلال السنوات الخمسين الماضية، على انتخاب حكومات يسارية من وقت إلى آخر. وفي حال استقلت اسكتلندا عن انكلترا وويلز، سيتغير اللون السياسي للبلاد، وستصبح انكلترا يمينية الهوى.

قد يكون هذا الأمر جيداً بالنسبة إلى الأعمال والمستثمرين الدوليين، إذ سيترتب على انكلترا ان تتحلى بالجاذبية لاجتذاب رؤوس الأموال الدولية. ويُرجَّح ان يتسبب تفكك المملكة المتحدة وخروجها من الاتحاد الأوروبي بتباطؤ التعاون الضريبي بين دول أوروبا. قد يستعر تنافس ضريبي، إذ تحاول الدول اجتذاب المستثمرين من خلال تأمين صفقات ضريبية أفضل من الدول المجاورة، على رغم ان الحجة المضادة هي ان الأزمة المالية تميل إلى تشجيع الحكومات على زيادة الضرائب.

ويواجه القادة في باقي الدول الأوروبية، الذين كانوا يواجهون شتى أنواع المشاكل والأزمات، مشكلة أساسية أكثر: هل فشل مشروع الاتحاد الأوروبي بكامله أم ثمة رغبة في مزيد من الانخراط فيه؟ عليهم التفكير ملياً.

وكان «بنك انكلترا» يخطط منذ أشهر لما سيكون رد فعله على قرار الخروج أو البقاء. وما لبثت المخاوف من رد فعل السوق ان تبدّدت. لكن في الأمد القصير، سيتأثر الاقتصاد بالتقلبات التي ترافق أي خطوة إلى المجهول. فالبنوك لن توافق على إقراض الأعمال والمشاريع غير الموثوقة، والاستفتاء سيجعل من كل شيء غير موثوق.

أما الهجرة فستصبح مشكلة كبيرة، إذ يبدو مؤكداً أن الناس سيجدون صعوبة في الانتقال للعيش في المملكة المتحدة في المستقبل. وسيخضع رئيس الوزراء الجديد للضغط لكي يقلص عدد الأشخاص الذين يدخلون إلى البلاد. لذلك ستتأثر الأعمال بتأثر المرونة التي تحتاجها الشركات الدولية. ولا يملك المستثمرون في المملكة المتحدة خياراً جدياً غير الانتظار لمعرفة ما سيحدث، وقد يفضل أصحاب الأصول النقدية نقلها إلى وجهة أخرى.

في الأمد القصير، أي عام 2020، ستحصل انتخابات عامة. إلا أن الفوضى السياسية في لندن اليوم لا تسمح باستباق ما يمكن ان يحدث. قد تكون هذه الانتخابات الأخيرة في المملكة المتحدة الموحدة. وسيترقّب المستثمرون الموجودون فيها الوضع بحذر، وللأسف، قد يعلّق المستثمرون الذين كانوا يفكرون في الاستثمار هنا في المستقبل مساعيهم إلى ان تهدأ الأوضاع بعض الشيء.

ديفيد فريمان
نقلا عن الحياة