هل يفقد تنظيم “داعش” توازنه المالي في عام 2016؟

هل يفقد تنظيم “داعش” توازنه المالي في عام 2016؟

4812

يواجه تنظيم “داعش” صعوبات مالية جمة على خلفية تصعيد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية هجماته العسكرية ضد مواقع التنظيم في كلٍّ من سوريا والعراق، فضلا عن استعادة القوات العراقية عدة مدن كان يسيطر عليها التنظيم. وبناءً على ذلك فَقَدَ تنظيم “داعش” نحو نصف الأراضي التي كان يسيطر عليها منذ عام 2014 بحسب التقديرات الأمريكية. وجراء هذه الخسارة، ضعُفت القدرات المالية للتنظيم بشكل ملفت؛ حيث تراجعت إيرادات النفط والضرائب وغيرها. وإزاء هذا التراجع اضطر التنظيم بالفعل لضغط نفقاته من ناحية، وقد يتجه من ناحية أخرى لفرض مزيد من الضرائب على السكان المحليين مع التوسع في جنى الأموال من الأنشطة غير المشروعة.

ورغم نجاح جهود المجتمع الدولي في تضييق الخناق على تمويل “داعش”، إلا أنه حتى الآن لا يزال يحتفظ ببعض قدراته المالية، وهو ما يقتضي من المجتمع الدولي الاستمرار في تكثيف الهجمات العسكرية على البنية الاقتصادية للتنظيم، وتشديد محاصرة مصادر تمويله الخارجية.

صعوبات مالية:

شنّ التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية منذ سبتمبر 2014 نحو 13 ألف ضربة جوية ضد مواقع تنظيم “داعش” بالأراضي العراقية والسورية، مما أفقده نحو نصف الأراضي التي يسيطر عليها. كما استعادت القوات العراقية مدن كان يسيطر عليها التنظيم، أبرزها مدينتا تكريت والفلوجة مؤخرًا. وكنتيجة للخسارة العسكرية لـ”داعش”، فقد تعرض التنظيم لصعوبات مالية كبيرة جراء تراجع موارده المالية بشكل ملف للنظر، لا سيما النفط.

وفي هذا الصدد، كشفت بيانات لشركة “آى إتش إس” الأمريكية للأبحاث أن إيرادات “داعش” الشهرية تراجعت بنحو 30% من 80 مليون دولار في منتصف 2015 إلى 56 مليون دولار في مارس 2016، وهو ما يعني تدهورًا كبيرًا في إيراداته السنوية التي تتراوح بين مليار دولار إلى ما يقل عن 3 مليارات دولار كأقصى تقدير. وبمقارنة الموارد المالية لعامى 2014 و2015، توضح بيانات مركز تحليل الإرهاب الفرنسي أن إيرادات التنظيم الكلية تقلصت بنحو 17.4% في عام 2015 لتصل إلى 2.4 مليار دولار، وخلال الفترة نفسها انخفضت إيرادات النفط بنحو 54% لتمثل ضربة كبيرة لهذا المورد الذي يشكل ربع إيراداته تقريبًا. وفيما يلي تأثيرات الهجمات العسكرية على مصادر الإيرادات الرئيسية:

شكل (1): تراجع الموارد المالية لتنظيم “داعش” (بالمليون دولار)


Source: ISIS Financing in 2015, Center for the Analysis of Terrorism, Paris, May 2016.

1- تراجع النفط: أسفرت الضربات الجوية للتحالف الدولي ضد “داعش” عن تدمير كبير لسلسلة إمدادات النفط والغاز الطبيعي من حقول النفط والمصافي، علاوة على الشاحنات الناقلة، حيث تم تدمير 1170 هدفًا خاصًّا بالبنية التحتية للنفط، وبناءً على ذلك -كما تشير إليه التقديرات- فقد تراجع الإنتاج الإجمالي للنفط إلى 21 ألف برميل يوميًّا حاليًّا مقابل قدرات إنتاجية سابقة تتراوح بين 80 و120 ألف برميل.

2- انخفاض الضرائب: كنتيجة لفقدان “داعش” أكثر من نصف الأراضي التي كان يسيطر عليها في السابق، فقد تراجع عدد سكان المناطق التي تقع تحت سيطرة التنظيم من 9 ملايين إلى 6 ملايين شخص، وبالتالي فذلك يعني فقدان موارد أكبر من الضرائب المفروضة على الأشخاص والأنشطة التجارية.

3- تشديد حركة الأموال: علاوةً على ما سبق، فقد تعرضت البنية التحتية المالية لـ”داعش” للتدمير أيضًا، حيث أشار الجنرال الأمريكي بيتر جيرستن، نائب قائد العمليات والاستخبارات بوزارة الدفاع الأمريكية، في أبريل 2016، إلى أن التحالف الدولي نفذ حوالي 20 غارة على مخابئ أموال لـ”داعش” أدت إلى خسارته ما يصل إلى 800 مليون دولار.

ومن أجل عزل المصارف الخاضعة لسيطرة التنظيم عن النظام المصرفي العراقي والعالمي، تحرك المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الصدد في مسارين رئيسيين: يتمثل الأول، في شن التحالف الدولي هجمات مكثفة على المنشآت المصرفية الواقعة بالمناطق التي يسيطر عليها التنظيم، على غرار الهجوم الذي وجهه التحالف في فبراير 2016 لمبنى فرع البنك المركزي العراقي بالموصل، ومبنى فرع المصرف العقاري، وكذلك مبنى أحد فروع مصرف الرشيد، بجانب تدمير مبنى ديوان الزكاة والصدقة التابع لتنظيم “داعش” في المدينة.

وينصرف الثاني، إلى تضييق الخناق على المنشآت المالية الخارجية الداعمة للتنظيم، وفي هذا الصدد أصدر البنك المركزي العراقي في ديسمبر 2015 قرارًا بحظر مشاركة 142 مكتبًا للصرافة في العراق في مزادات العملات الأجنبية التي تشتبه الولايات المتحدة الأمريكية في أنها على صلة بالتنظيم. ومما تجدر الإشارة إليه هنا، أن الإجراءات السابقة ربما لن توفر الضمانات الكافية لمصادر التمويل القادمة لـ”داعش” من الخارج، حيث يرتبط بشبكة مالية معقدة ببعض الدول المجاورة يصعب على المجتمع الدولي تتبعها.

تأثيرات مستقبلية:

دفعت الصعوبات المالية التي يتعرض لها التنظيم، لا سيما في الشهور الأولى من العام الجاري، إلى تبني إجراءين رئيسيين هما:

1- انخفاض النفقات العسكرية: يُعتقد أن تراجع الموارد المالية للتنظيم أثر بشكل ملحوظ على نفقات التنظيم، لا سيما العسكرية، حيث انخفضت رواتب مقاتلي “داعش” التي تتراوح في العادة بين 400 و1200 دولار شهريًّا إلى النصف تقريبًا. وكآثار أخرى، أشارت وزارة الدفاع الأمريكية في بيان إلى أن انخفاض القدرات المالية للتنظيم لم تؤدِّ فقط إلى انخفاض عدد المتطوعين الجدد في صفوف التنظيم من ألف شهريًّا قبل عام إلى نحو 200 مقاتل حاليًّا وإنما ساهمت أيضًا في ارتفاع أعداد المنشقين عن صفوف “داعش”، وهذا ما يؤكده رئيس مجموعة العمل المالي (فاتف) جي يون شي بأنه في ضوء الصعوبات المالية لـ”داعش” أصبحت مهمته أكثر صعوبة في تجنيد مقاتلين جدد، أو الحفاظ على المقاتلين الحاليين، لا سيما الذي ينخرطون في الحرب لأسباب مادية فقط وليس لأسباب أيديولوجية أو دينية.

2- البحث عن موارد إضافية: باتت الخيارات المالية أمام التنظيم لجنى الأموال محدودة في ضوء تراجع النفط (المصدر الرئيسي للتنظيم)، ومن ثمّ فربما يتجه التنظيم مضطرًا لتحصيل موارد إضافية عبر فرض مزيد من الضرائب والرسوم على الخدمات الأساسية والأنشطة التجارية، وعبور الشاحنات وغيرها. كما من المرجح أن يعزز التنظيم من جهوده لجمع مزيد من التبرعات الخارجية مع انخراطه في الأنشطة غير المشروعة، كالاختطاف، وتجارة المخدرات، والآثار، وغيرها، أملا في الحصول على مزيد من الأموال. وكان التنظيم، في فبراير 2016، قد أفرج عن 42 مواطنًا عراقيًّا مسيحيًّا بعد أن حصل على فدية يعتقد أنها تقترب من 18 مليون دولار، وهو اتجاه يبدو أنه سوف يستمر فيه خلال الفترة القادمة.

وفي النهاية، يمكن القول إن تنظيم “داعش” فَقَدَ كثيرًا من توازنه المالي في ضوء الهجمات العسكرية للتحالف الدولي التي أفقدته نصف الأراضي التي يسيطر عليها، بيد أن ذلك يحتاج لجهود أخرى ليس فقط من خلال تكثيف الهجمات العسكرية ضد البنية الاقتصادية للتنظيم، وإنما أيضًا عبر محاصرة مصادر شبكات التمويل المعقدة التي تربطه بالخارج.

المركز الاقليمي للبحوث الاستراتيجية