إذا اندلعت حرب بين روسيا ودول البلطيق سيكون الناتو الطرف الأضعف

إذا اندلعت حرب بين روسيا ودول البلطيق سيكون الناتو الطرف الأضعف

_84602_rus3

تأتي قمة رؤساء دول وحكومات أعضاء حلف شمال الأطلسي (ناتو) التي تنعقد في العاصمة البولندية وارسو، في الفترة من 8 إلى 9 يوليو الجاري، مختلفة على مستوى الملفات المطروحة للنقاش والتحديات المحطية بها وأيضا على مستوى الأحداث التي استجدت عشية هذه القمة، بدءا من الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وتصاعد التوتر بين روسيا ودول وسط وشرق أوروبا من جانب روسيا، والتهديد الإرهابي المتصاعد في دول الحلف وفي الدول الحليفة له، وغير ذلك من التغيرات الجديدة للمواقف الدولية التي أصبح الحلف معها مجبرا على اتخاذ نمط مختلف عن طريقة تعامله طوال العقود الماضية. ويرى سيث جي جونز، مساعد مدير المركز الدولي لسياسات الأمن والدفاع في مؤسسة راند الأميركية، في حوار مع مايكل لامبرت، الباحث بمعهد البحوث الاستراتيجية، التابع للمدرسة العسكرية الفرنسية، أن من أكبر التحديات التي تواجه حلف الناتو اليوم هو الضعف الذي ينتاب أنشطته، والذي تعترف به أغلب دول الحلف.

ويتجلى هذا الضعف بالأساس في عدم قدرة الناتو على الرد الصارم على التهديد الروسي لدول البلطيق وجارتها الجنوبية بولندا. ويذكّر جونز، بسلسلة من المناورات التي تم إجراؤها بين صيف 2014 وربيع عام 2015، ويشير إلى أن معهد راند درس الشكل والنتيجة المحتملة للغزو الروسي على المدى القريب لدول البلطيق، وكانت النتيجة أنه “استنادا إلى الوضع الحالي، لا يستطيع الناتو الدفاع بنجاح عن أراضي أعضائه الأكثر هشاشة وعرضة للخطر”.

وكانت المخاوف من غزو روسي، والتي ولدت مع ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في 2014، الحدث الذي أدى إلى تدهور العلاقات بين موسكو والغرب بشكل كبير. ومنذ ذلك الحين تركزت المناورات الكبرى للحلف على الدفاع عن هذه المنطقة بينما يرى الخبراء أن التدريبات العسكرية الروسية التي جرت في كالينينغراد وبيلاروس متطورة ومخيفة. وقد أعلنت موسكو أن ثلاث فرق جديدة سيتم إنشاؤها في جنوب غرب روسيا وسيتم نشر أسلحة جديدة للتصدي لتعزيز القدرات العسكرية الغربية التي تعتبر خطيرة، بالقرب من حدود البلاد.

ويضيف جونز، في الحوار الذي نشرته مجلة “نيو إسترن يوروب”، التي تصدر كل شهرين، وحمل عددها الأخير، الذي يصدر بالتزامن مع قمة الناتو، عنوان “الكل للواحد والواحد للكل”، “القوات الروسية تحتاج إلى ستين ساعة على الأكثر للوصول إلى ريغا عاصمة لاتفيا وتالين عاصمة إستونيا. وهذا يعني أن الناتو سوف يواجه الأمر الواقع وسوف يضطر إلى اللجوء إلى العمليات التقليدية وغير التقليدية في محاولة لتحرير عواصم دول البلطيق وبولندا، إذا تم الاستيلاء على أي من هذه الأراضي”.

في مرحلة ما قد ينظر الروس إلى الأسد على أنه مستهلك، ولكن لا يحصل ذلك إلا عندما يشعرون بأن الدولة قوية بما يكفي للتعامل مع تسوية جديدة وزعيم جديد

ورغم أن احتمال وقوع مثل هذه التطورات ليس عاليا، إلا أنه في الحقيقة يعتبر نقطة ضعف، ما يعني أن هذا التهديد يحتاج إلى المعالجة. وبالتالي، يجب أن يكون النقاش في وارسو حول كيفية التعامل مع هذا التهديد المحتمل. سوف تتمحور القضية الأولى حول نشر قوات عسكرية في بولندا ودول البلطيق، وكيف ينبغي أن يتم ذلك. والمسألة الثانية، حول الرسالة التي سوف ترسلها هذه القوات إلى موسكو.

وستضم قمة الحلف، التي وصفتها السلطات البولندية بأنها الأكبر في تاريخ المؤسسة، 18 رئيسا و21 رئيس حكومة و41 وزير خارجية و39 وزير دفاع؛ وإضافة إلى أعضاء الحلف سيحضر قادة الاتحاد الأوروبي والدول الشريكة مثل جورجيا وأوكرانيا وأفغانستان. وينوي قادة الدول الأعضاء في الحلف الذين يجتمعون في وارسو، خفض هذا الخطر.

وفي إطار إعادة هيكلة الحلف، هناك أربع كتائب مستعدة ليتم نشرها في دول البلطيق وبولندا. وهذا الوجود المتقدم للحلف جزء من استراتيجية الردع والحوار التي يتبناها. وتضم كل كتيبة بين 600 و800 جندي. ويؤكد جونز أنه يجب أن يكون الناتو واضحا بشأن أن هذه التدابير دفاعية وليست هجومية. وهناك تفاعل مهم من موسكو في هذه المرحلة، وحول الرسالة التي يتم إرسالها وكيف تشعر موسكو تجاه هذه التطورات. ولذلك، فإن الرسالة التي يتم نقلها إلى موسكو سوف تكون بنفس أهمية القرارات التي تم اتخاذها بشأن القوات الدائمة.

الدولة الإسلامية في الجنوب

من أكبر الأخطار التي تهدد الناتو هي التهديد الروسي في الشرق وتهديد تنظيم الدولة الإسلامية في الجنوب. وكانت هناك بعض التعليقات التي تحاول الجمع بين هذين التهديدين، كما يعتبر الكثير من المسؤولين والخبراء أن التدخل الروسي في سوريا هو وسيلة لتفاقم الأزمة في أوروبا وممارسة الضغط على تركيا والدول الأوروبية. في ردّه على هذا الموقف يقول سيث جي جونز إنه عندما يتعلق الأمر بسوريا، يبدو أن نوايا الروس واضحة. تتعرض موسكو إلى تهديدات من الجماعات الإسلامية مثل عناصر تنظيم الدولة الإسلامية وغيرهم من المتطرفين، بما في ذلك في منطقة القوقاز، وبالتالي لديهم دافع يحركهم للسعي إلى إلحاق الهزيمة بهذه الجماعات.

وفي الوقت نفسه، يعتبر نظام الأسد حليفا لروسيا، وكذلك لإيران، لذلك فإنه في مواجهة التراجع في أوكرانيا لفائدة الغرب، فإن فقدان الأسد لصالح التحالف الأوروبي-الخليجي-الأميركي سوف يكون خطوة بعيدة جدا. هناك الكثير من الأسباب التي تفسر سبب قلق الروس من التوجه الموجود في سوريا. وعموما، بات مؤكدا أن قرار الكرملين في عام 2015 للمشاركة بشكل مباشر في الحرب الدائرة في سوريا كان محاولة لمنع الإطاحة بالأسد. في مرحلة ما قد ينظر الروس إلى الأسد على أنه مستهلك، ولكن لن يحصل ذلك إلا عندما يشعرون بأن الدولة قوية بما يكفي للتعامل مع تسوية جديدة وزعيم جديد.

وتطرق الحوار إلى حملات الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وموقف دونالد ترامب تجاه حلف الناتو والرغبة في تقليص المشاركة في شؤون الحلف، الأمر الذي ردّ عليه جونز بقوله إن الغالبية العظمى من البيروقراطية السياسية في الخارجية الأميركية سوف تدفع نحو الرد بقوة ضد أي محاولة لتقويض سياسة حلف الناتو. ولا يعتقد الخبير الأميركي أن أي شخص بمن في ذلك الرئيس، لديه القدرة على تقويض مصالح الولايات المتحدة، وتقويض مشاركتها في حلف الناتو، الذي يجد نفسه وسط عملية صعبة لإعادة تحديد أولوياته.

حلف الحاضر والمستقبل

شهد حجم التحديات التي يواجهها حلف الناتو، سواء كانت تقليدية أو جديدة، توسعا ملحوظا، ويجد الحلف نفسه أمام ضرورة التعامل مع هذه التحديات دون توفر المزيد من الموارد. ويقوم مختلف أعضاء الحلف بتصنيف الأولويات بالنسبة إلى هذه التحديات بشكل مختلف، إذ تشعر البلدان الموجودة في الجنوب بخطر عدم الاستقرار في الشرق الأوسط أكثر مما يشعر به من هم في الشمال، ومن ثم يعطون أولوية أكبر لإدارة الأزمات. وبشكل مشابه ونظرا إلى الأحداث الأخيرة، يولي من هم في الشرق اهتماما حينيا للدفاع عن الأراضي. ويجب ألا يؤدي هذا التنوع في الأولويات إلى عجز الناتو عن اتخاذ القرار، بل بالعكس يمكن أن يستخدم ذلك لتحديد الخصائص والقدرات الموسعة – القديمة والجديدة منها– التي على الناتو أن يكتسبها من أجل مواجهة هذه التحديات.

صحيفة العرب اللندنية