رغم هزيمة تنظيم الدولة.. العراق مرشح لمزيد من الفوضى

رغم هزيمة تنظيم الدولة.. العراق مرشح لمزيد من الفوضى

x25161_mosolg.jpg.pagespeed.ic.u2PDBBY9ea

رأى الكاتب والمحلل “ياسين فواز”، في مقال نشرته صحيفة “فوربس” الأمريكية، أنه على الرغم من الهزائم المتلاحقة لتنظيم الدولة أمام القوات العراقية المدعومة من الميليشيات الشيعية فإن هزيمة التنظيم ولو بشكل كامل لن تؤدي إلى استقرار العراق.

يفقد تنظيم الدولة الأرض، ويتجهز الكثير من الناس في الغرب للاحتفال والعودة إلى أوطانهم، ولسوء الحظ فإنه في حال النصر أو الخسارة يبدو أن العراق مرشح لمزيد من عدم الاستقرار، وتبدو الولايات المتحدة منغمسة بشكل أكبر في الصراعات بمنطقة الشرق الأوسط.

الفوضى في بغداد جلية للجميع، وحكومة رئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي” ضعيفة، وتتصدى بالكاد للمتظاهرين الذين وصلوا إلى ما يفترض أنه المنطقة الخضراء الآمنة، وينتظر نوري المالكي الذي سبق ” العبادي” في الحكم في ترقب، آملًا في استعادة السلطة مرة أخرى، بالرغم من أن حكمه العلماني مكن تنظيم الدولة من الاستيلاء على مناطق واسعة من البلاد.

وكشف “تحرير الفلوجة” الأخير، التي سيطر عليها تنظيم الدولة قبل عامين عن اليأس من “العبادي” في تحقيق النجاح، ومع ذلك فقد حثته الولايات المتحدة على التركيز على الموصل، لكن “العبادي” اختار الفلوجة الأكثر رمزية، والتي تمثل بؤرة المقاومة الطائفية منذ الغزو الأمريكي للعراق، ومن شأن الفشل في السيطرة على الفلوجة أن يكون مدمرًا، ومن المرجح أن يقضي على حكومة العبادي، لكن في نفس الوقت يثبت الانتصار أنه بنفس درجة السوء.

وسيصرف الانتصار في الفلوجة نظر العراقيين عن عجز الحكومة لفترة طويلة، إلا أن الفصائل التي نحت خلافاتها جانبًا لدعم حملة الفلوجة بدأت في الشجار مرة أخرى، في الوقت الذي أودى هجوم مميت في بغداد، الأحد الماضي، بحياة ما يزيد عن 200 شخص.

وأضعفت تداعيات الحادث الحكومة العراقية في الداخل والخارج، مع مطالبة رئيس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة الحكومة العراقية بحماية المدنيين، والأكثر أهمية من ذلك هو استقالة وزير الداخلية العراقي محمد الغبان، بعد الكشف عن استخدام أفراد الأمن العراقي لأجهزة مزيفة للكشف عن المتفجرات، ووزير الداخلية السابق هو عضو في منظمة “بدر” المدعومة إيرانيًا، وهو ما قد يمثل تراجعًا للنفوذ الإيراني في السياسة العراقية، بالرغم من أن هذا الأمر مستبعد نظرًا لتغلل النفوذ الإيراني.

وعلى رأس هذه المشاكل، كان هناك سؤال، من يحكم الفلوجة الآن بعد الاستيلاء عليها؟، في حين أن أي خطأ قد يؤدي إلى مزيد من استياء المسلمين السنة، وانتهاء المطاف بهم في صفوف تنظيم الدولة.

ولم يعد العراق دولة مستقلة، وذابت قوات أمنه عند مواجهة تنظيم الدولة المتحالف مع البعثيين السابقين والقبائل العراقية، التي تثير الخوف في نفوس قوات الأمن ذات الأغلبية الشيعية، والميليشيات التي تسيطر عليها إيران أكثر من الجهاديين، وترجع جذور هذا الخوف إلى القرن السابع الميلادي، وبالرغم من أن الكثير من السنة أدرك سوء الصفقة مع تنظيم الدولة فإنهم ما زالوا لا يثقون في النظام العراقي.

وتعتمد بغداد على قوات الميليشيات؛ لإبقاء سيطرتها على البلاد، وأكثر الميليشيات أهمية هي الميليشيات المدعومة إيرانيًا والمعروفة بالحشد الشعبي، والتي كان لها دور حيوي في استعادة المناطق المفقودة، لكنها مسؤولة عن فظائع ارتكبتها بحق المدنيين السنة، وبالرغم من الضغط الأمريكي لإبقاء “الحشد” خارج الفلوجة فإنهم تعاونوا مع جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، سلاح النخبة الأكثر تدريبًا ومهارة، إلا أنه تحت ضغط كبير بسبب اعتماد بغداد عليه كقوة رأس الحربة، وقتل واختفى عشرات المدنيين العراقيين بعد أن سلموا أنفسهم للميليشيات، وحتى بعد إعادة السيطرة على الفلوجة لم يظهر هؤلاء المختفون مرة أخرى.

وكان رد الحكومة العراقية على هذه المشكلة هو التغاضي الكامل عنها، حيث قال وزير الداخلية العراقي، العضو البارز في منظمة بدر الشيعية، التي اشتركت في معركة الفلوجة، إن “الانتهاكات محدودة، وعلى أي حال لا يمكن منعها”، ومثل هذه التصرفات السيئة ستبقى على المظلومية الطائفية، وسيشجع على صعود نسخة جديدة من المتطرفين السنة في المستقبل.

ولكن النفوذ الضار لميليشيا الحشد الشعبي الموالية لطهران عوضا عن بغداد سيتجاوز الفلوجة بكثير، ولن يستطيع “حيدر العبادي” تجاوز أحد أبرز الفرق المسلحة في البلاد، وهو الآن غير قادر على منع حشد من المدنيين من اقتحام البرلمان، ولم تستطع حكومته مقاومة الميليشيات المسلحة تسليحًا جيدًا، وفي الغالب لن تتدخل إيران بشكل واضح، لكن السياسة العراقية ستظل خاضعة للمصالح الإيرانية.

علاوة على ذلك فإن المجموعات التي لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة القادرة على حشد الشيعة لن تحل حتى بعد إعادة بسط السيطرة على الفلوجة، وتطالب بدلًا من ذلك بأن تكون قوة رئيسية في صياغة مستقبل العراق، وهذا المشهد لا يقلق فقط السنة بل يقلق المسؤولين في الجيش والحكومة ذات الأغلبية الشيعية المتخوفان من سيطرة الميليشيات الشيعية على العراق على غرار الحرس الثوري في إيران، وحزب الله في لبنان، ونتيجة ذلك ستكون مزيد من الاضطهاد والتمييز ضد السنة، وهو ما سيشعل الكراهية، وعدم الاستقرار على المستوى البعيد، وهو ما سيشكل مصلحة كبيرة لإيران، فكلما زاد ضعف الحكومة العراقية، كلما زاد خضوعها للجار الأقرب لها.

ولا يبشر بالخير، بالنسبة لاستقرار المنطقة، هو أنه حتى في حال هزيمة تنظيم الدولة بشكل كامل فإن العراق سيكون بعيدًا عن الاستقرار، وليس الدولة الديمقراطية الموالية للغرب التي في أذهان الحالمين في واشنطن.

وسيلعب الحشد الشعبي دور الطابور الخامس، بدلًا من هذه الأحلام، تحت سيطرة إيران، وسيكون متاحا لزعزعة استقرار العراق وجيرانها، طالما أن ذلك في مصلحة إيران، وهو ما سيؤدي في الغالب إلى استمرار غليان الصراع السعودي الإيراني، وسيمنع ذلك واشنطن من العودة بقواتها إلى الديار، بغض النظر عن الوعود التي سيقطعها الرئيس المنتخب في نوفمبر المقبل.

فوربس – التقرير