الصراع بين أربيل وقنديل

الصراع بين أربيل وقنديل

580

مشروعان كرديان يتصارعان على النفوذ والزعامة وتصدر المشهد الكردي عموما. الأول يقوده الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، والثاني يقوده حزب العمال الكردستاني بزعامة عبد الله أوجلان، وقيادة الحزب التي تتخذ من جبال قنديل على الحدود التركية العراقية الإيرانية معقلا له.
أسباب الصراع ودلالاته
مع أن الصراع قديم بين الطرفين إلا أن هناك عوامل مستجدة تجعله يتفاقم يوما بعد آخر، وبما يفتح المجال أمام الصدام، ولعل من أهم الأسباب:

1- لبعد الأيديولوجي: تأسس الحزب الديمقراطي عام 1946 وفقا لبنية عائلية وعشائرية، وقادت الحزب تاريخيا عائلة البرزاني التي ترى أن لها أحقية الزعامة الكردية، انطلاقا من الإرث النضالي للعائلة منذ عهد العثماني.

في المقابل، فإن حزب العمال الكردستاني الذي تأسس عام 1978 من رحم اليسار التركي يعتقد أن زمن الزعامات العائلية والإقطاعية والدينية للنضال القومي الكردي قد ولى، وأن هذه الزعامات لم تعد صالحة مع المتغيرات والظروف والتعقيدات التي تمر بها القضية الكردية، خاصة وأن هذه القيادات تسببت تاريخيا بنكسات للثورات الكردية، وعليه، يرى أنه لا بد من تأسيس الحركة الكردية وفي مختلف أجزاء كردستان على أسس جديدة بعيدة عن الزعامات العائلية والعشائرية والدينية.

– الخلافات البرامجية والسياسية: انطلاقا من البعد الأيديولوجي، ثمة خلاف برامجي بين الحزبين في كيفية التعاطي مع القضايا الكردية. الحزب الديمقراطي الكردستاني ينطلق من أولوية بناء كيان (دولة) في إقليم كردستان العراق، واعتبار ما يحصل في الإقليم هو شأن يتعلق بكرد العراق فقط، ولا يحق للأحزاب الكردية من الأجزاء الأخرى التدخل في شأن الإقليم، فيما يرى حزب العمال أن القضية الكردية واحدة وإن اختلفت الظروف بين هذا الجزء أو ذاك، وأنه من حقه وباقي الأحزاب الكردستانية المشاركة في بناء الحالة الكردية في أي جزء، كما أنه من حق هذه الأحزاب استخدام أي جزء من الأجزاء الكردية في النضال ضد الأنظمة التي تهيمن على كردستان، وهو ما يرفضه البرزاني، إذ يرى أن هذا السلوك يشكل خطرا على إقليم كردستان لاسيما أن الدول الإقليمية، وتحديدا تركيا وإيران لن تسمحا بمثل هذا الأمر، على اعتبار أنه يشكل تهديدا لأمنهما القومي.

3 – الصراع على الأرض: انطلاقا من الخلافات السابقة، تحول الصراع بين الطرفين في السنوات الأخيرة إلى صراع على مناطق النفوذ، فحزب العمال الكردستاني الذي بنى قواعد ومقار له في جبال قنديل في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وسع مناطق سيطرته تدريجيا، إذ تقول التقارير إنه بات يسيطر على 657 بلدة وقرية كردية في مناطق دهوك والعمادية وزاخو والزاب وقنديل، وقد أقام في هذه المناطق نقاط سيطرة وحواجز، وكذلك لجانا محلية تقوم بإدارة شؤون هذه المناطق وفرض الضرائب على التجارة.

ومع سيطرة داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) على الموصل قبل أكثر من عامين وتقدمه باتجاه سنجار وارتكابه مجازر ضد الإيزيديين بادر حزب العمال الكردستاني عبر أجنحته العسكرية (قوات حماية الشعب – وحدات حماية الشعب – وحدات حماية المرأة – وقوات الكريلا) إلى مواجهة داعش ونجح في وقف هجومه ومن ثم تحرير قرى إيزيدية، ولاحقا بدأ بتنظيم الأمور الإدارية في هذه المناطق وشكل قوة عسكرية من الطائفة الإيزيدية باسم “قوة حماية إيزيدخان”.

وفي المحصلة فإن الحزب بات يسيطر على مناطق واسعة في إقليم كردستان، وهو ما بدأ يشكل حرجا كبيرا للبرزاني الذي طالب مرارا في الفترة الأخيرة حزب العمال بالخروج من هذه المناطق. فيما يرفض حزب العمال ذلك ويواصل مد جسور العلاقة مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني وحركة التغيير بزعامة نوشيران مصطفى، وقد نجح إلى حد كبير في بناء تحالف مع الحزبين، مستفيدا من الأزمة السياسية الناتجة عن انتهاء ولاية البرزاني في رئاسة الإقليم ورفض الأحزاب الكردية التمديد له.

الأبعاد الكردستانية والإقليمية
مع تراكم الخلافات بين الحزبين، انتقل الصراع بينهما إلى الساحات الكردية الأخرى على شكل صراع على مناطق نفوذ وتأكيد الزعامة، وقد تجلى هذا الصراع على النحو التالي:

– المناطق الكردية في سوريا: منذ تأسيس أول حزب كردي سوري عام 1957 (الحزب الديمقراطي الكردستاني) ارتبط كرد سوريا بالحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق بزعامة البرزاني الأب ثم الابن، وبقيت الساحة الكردية السورية هكذا إلى أن برز حزب العمال الكردستاني في الساحة مطلع التسعينيات كحزب منافس للزعامة البرزانية، ومع الزمن نجح في بناء أحزاب موالية له، ولاسيما حزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة صالح مسلم، وقد نجح الحزب مع بدء الأزمة السورية في تأسيس جناح عسكري له تحت اسم وحدات حماية الشعب، وتدريجيا فرض سيطرته على الساحة الكردية السورية، وأقام إدارة ذاتية قبل أن يعلن عن إقامة فيدرالية.

ومع صعود نجمه على وقع محاربة داعش دخل الحزب في صراع مع البرزاني الذي لجأ إلى ممارسة المزيد من الضغط على الإدارة الذاتية، إذ أغلق معبر سيمالكا الذي يربط بين المناطق الكردية السورية وإقليم كردستان، وهو ما أدى إلى فرض حصار شديد على المناطق الكردية السورية، مما أدى إلى أزمة معيشية، فضلا عن صعوبة التنقل بين المناطق الكردية السورية وإقليم كردستان العراق.

ولعل البرزاني كان يأمل بأن تجبر هذه الضغوط حزب الاتحاد الديمقراطي على تقاسم السلطة بين أحزاب المجلس الوطني الكردستاني التي تتخذ من أربيل مرجعية لها، وإلى الابتعاد عن حزب العمال الكردستاني، إلا أن هذه الإجراءات فاقمت عمليا من الصراع بين الجانبين، خاصة في ظل اللهجة الندية من قبل الاتحاد الديمقراطي للبرزاني وزعامته.

– كرد إيران: الصراع بين الجانبين امتد إلى ساحة كرد إيران، وقد تجلى هذا الصراع على مستويين، الأول هو قيام حزب الحياة الحرة – بيجاك بعمليات عسكرية في داخل إيران انطلاقا من مناطق في قنديل، وهو ما دفع بإيران مرارا إلى قصف هذه المناطق، وإلى مطالبة حكومة إقليم كردستان بطرد جماعة بيجاك، فيما تحظى الأخيرة برعاية حزب العمال الكردستاني ودعمه.

ويتعلق المستوى الثاني بالأحزاب الكردية الإيرانية ولاسيما الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة خالد عزيزي، وقد برز الخلاف بين الجانبين عندما حاول الأخير بدعم من البرزاني إقامة معسكر له في منطقة جبال قنديل، وهو ما رفضه حزب العمال ودخل في اشتباك مسلح مع عناصر الحزب الكردي الإيراني، وحال دون إقامة هذا المعسكر.

-كردستان تركيا: يرى حزب العمال الكردستاني أن البرزاني لا يراعي المصالح القومية الكردستانية، وأنه يفكر بشكل ضيق بمصالح حزبه وعائلته وزعامته، وأنه انطلاقا من هذه السياسة دخل في تحالفات مضرة بالقضية الكردية، ولاسيما تحالفه مع الحكومة التركية ومحاولته التنسيق معها لضرب مشروعه داخل تركيا، عبر إنشاء أحزاب ومنظمات بديلة كالحزب الاشتراكي الكردي بزعامة كمال بورقاوي ودعم الحركات الإسلامية الكردية.

في المقابل يرى البرزاني أن نهج حزب العمال يضر بالجهود السلمية لحل القضية الكردية في تركيا، وأن إقليم كردستان مجبر على إقامة علاقة إستراتيجية مع تركيا، بسبب أن الإقليم مرتبط اقتصاديا مع تركيا حيث يتم من خلالها تصدير النفط والغاز إلى الخارج، فضلا عن أن تركيا في عهد أردوغان فتحت الطريق أمام الحل السلمي للقضية الكردية، وأن حزب العمال يتهرب من هذا الحل بسبب ارتباطاته غير المعلنة مع النظامين الإيراني والسوري.

في التداعيات والسيناريوهات
لعل من أهم تداعيات هذا الصراع، هو عدم انعقاد المؤتمر الوطني الكردستاني الذي كان مقررا عقده في أربيل قبل سنتين، بهدف تأسيس مرجعية سياسية كردية واحدة، تقوم بوضع إستراتيجية للقضية الكردية وكيفية طرحها في المحافل الإقليمية والدولية.

وفي التداعيات أيضا انقسام الساحات الكردية في سوريا والعراق وإيران وتركيا بين المشروعين، وفتح المجال أمام الصدام، انطلاقا من جملة سيناريوهات، لعل أبرزها:

1- سيناريو مطالبة البرزاني بخروج حزب العمال من سنجار، وهو ما يرفضه الأخير بحجة أن خروجه سيقوي داعش الذي قد يفكر بالهجوم على المنطقة من جديد.

2- سيناريو المطالبة بالخروج من قنديل، إذ طالب البرزاني وكذلك نجله مسرور مرارا في الفترة الأخيرة بخروج حزب العمال من قنديل، على اعتبار أن هذا الوجود بات يشكل عامل توتير للعلاقات مع تركيا.

وفي المقابل يرى حزب العمال أنه لا يحق للبرزاني المطالبة بخروجه من هذه المنطقة، وأن من حقه استخدام أي منطقة كردية في الدفاع عن القضية الكردية، خاصة وأن قواعده في قنديل تعود لأكثر من ربع قرن، ويعتقد في العمق أن طلب البرزاني هذا يأتي في إطار الرضوخ للضغوط التركية، ولا يستبعد أن يقوم البرزاني بمشاركة تركيا في الحرب ضده، كما حصل في عام 1996.

– سيناريو إرسال البيشمركة الكردية السورية إلى الداخل، فمع تواصل الأزمة السورية، لجأ البرزاني إلى دعم وتأسيس قوة عسكرية من كرد سوريا باسم بيشمركة روج آفا، وتقول التقارير إن عدد هؤلاء يتراوح بين 4 إلى 5 آلاف مقاتل، وقد تم إعدادهم كقوة حماية عسكرية في المناطق الكردية بسوريا إلا أن حزب الاتحاد الديمقراطي يرفض دخول هؤلاء كقوة مستقلة، ويشترط انضمامهم إلى صفوف وحدات حماية الشعب كأفراد، وهو ما يرفضه المجلس الوطني الكردستاني.

وقد حاول المجلس إرسال مجموعات من هذه القوات سرا إلى المناطق الكردية السورية إلا أن وحدات حماية الشعب اشتبكت معها وقتلت العديد من عناصرها، ولعل ما قد يجعل من هذا الموضوع أحد عناوين الاختلاف أو الصراع في المرحلة المقبلة، ما يقوله حزب الاتحاد الديمقراطي من أن هذه القوة باتت مرتبطة بالائتلاف الوطني السوري، وأنه تم الاتفاق خلال زيارة رئيس الائتلاف أنس العبدة مؤخرا إلى أربيل على نقلهم إلى إعزاز شمال حلب عبر الأراضي التركية.

خلافا لسيناريو الصدام، ثمة من يرى أن كل حزب يحرص على عدم الصدام المباشر نظرا لقناعته بأنه لن يحقق نصرا في هذه المعركة، بل إن أضرارها ستكون كارثية على الطرفين، وعليه، فإن كل طرف سيعمل على استنزاف الطرف الآخر على شكل انتظار الظروف والأحداث لفرض موقفه ومشروعه.

ربما يعتقد البرزاني أن الحرب التركية ضد حزب العمال ستؤدي إلى ضرب الحزب في العمق وشل قدراته، فيما يرى الأخير أن المشروع السياسي للبرزاني فقد مصداقيته، وأن الخلافات مع باقي الأحزاب الكردية في إقليم كردستان العراق ستؤدي إلى وضع حد لزعامته بعد أن انتهت المدة القانونية لرئاسته، كما يعتقد أنه أصبح قوة متجذرة ولم يعد بإمكان البرزاني ولا حتى تركيا القضاء عليه، خاصة وأنه انفتح خلال السنوات الأخيرة على الغرب من بوابة الحرب على داعش.

في جميع الأحوال، يمكن القول إن الصراع بين المشروعين بلغ مرحلة متقدمة، وبغض النظر عن أسبابه، فإنه بات يهدد بتفجير الساحات الكردية من جهة، والسماح بالمزيد من التدخلات الإقليمية والدولية في القضية الكردية من جهة أخرى.

خورشيد دلي

 الجزيرة نت