قرار أميركي يلزم شركات البترول الإفصاح عن مدفوعاتها إلى الحكومات

قرار أميركي يلزم شركات البترول الإفصاح عن مدفوعاتها إلى الحكومات

oil

ألزمت اللجنة الأميركية للأوراق المالية والبورصات شركات النفط والغاز والتعدين المسجلة في البورصات الأميركية بأن تفصح سنوياً وعلانيةً وتفصيلياً عن كل مدفوعاتها إلى الحكومة الأميركية وكل الحكومات الأخرى التي تنفذ في بلدانها أعمالاً استخراجية تهدف إلى الحصول على ثروات طبيعية.

وأضافت في قرار أصدرته اللجنة الحكومية الناظمة في واشنطن يوم 27 حزيران (يونيو)، بناء على طلب تلقته من الكونغرس في 2010، أن الشركات الاستخراجية يجب ان تقدّم معلومات تفصيلية مهمة «إلى المستثمرين وأن تساعد سكان المناطق في البلدان ذات الثروات الطبيعية الغنية على محاسبة حكوماتهم وتحميلها مسؤولية تأمين إدارة معقولة لقاء بلايين الدولارات التي تحصل عليها سنوياً من ريع الصناعات الاستخراجية». وتأخرت اللجنة ست سنوات في إصدار قرارها هذا، ما جعل منظمات المجتمع المدني تحتج على التأخير وتلجأ حتى إلى القضاء لإجبار اللجنة على إصدار القرار.

وينص قرار اللجنة الناظمة على أن تقدم لها كل الشركات الاستخراجية – الأميركية والأجنبية – المسجلة في البورصات الأميركية والتي تعمل في أي دولة في العالم تقريراً علنياً خلال 150 يوماً من انتهاء السنة المالية، حول المدفوعات التي قدمتها إلى الحكومات المعنية وذلك من خلال تقديم معلومات عن كل مشروع على حدة. وفرضت اللجنة على الشركات عدم الالتزام بالقوانين الأجنبية التي تستثني من الإفصاح بعض المعلومات.

ويبدأ تنفيذ القرار بعد سنتين من الآن تقريباً (نهاية أيلول – سبتمبر 2018). ويفرض القرار الإفصاح عن المعلومات حول أي مبلغ دُفِع إلى حكومات خلال السنة المالية ويعادل 100 ألف دولار على الأقل. وتشمل المدفوعات التي يجب الإفصاح عنها الضرائب، نسب الأرباح، الرسوم المالية (بما فيها رسوم تسجيل العقود)، الحصص الإنتاجية، العلاوات المالية، حصص الأرباح، الدفعات المخصصة لتغطية تكاليف تشييد البنية التحتية ذات العلاقة بالمشروع، وأي دفعات لتمويل مشاريع اجتماعية محلية، في حال نصت عليها العقود.

ويشمل القرار الشركات المتفرعة عن الشركات الأم. كذلك ينص على أن الإفصاح عن المعلومات يجب أن يتبع عملية الإفصاح نفسها المطلوبة من الأسواق في أوروبا وكندا. ويشمل القرار الإفصاح عن كل عمليات التطوير التجاري في مجالات النفط والغاز والمعادن. ويفرض الإفصاح عن كل الدفعات المماثلة التي تجريها الشركات التابعة أو الكيانات التي تسيطر عليها الشركة الأم.

وتنبع صلاحيات اللجنة من إشرافها على البورصات المالية الأميركية المتعددة وتنظيمها إياها، وإيداع كل الشركات المسجلة في البورصات الأميركية حساباتها الختامية لديها كل سنة، فهي مسؤولة وفق القوانين المرعية عن إصدار القوانين اللازمة لكل البورصات الأميركية، كما أنها مسؤولة عن معاقبة المخالفين للقوانين والأنظمة المرعية. ويأتي القرار الجديد من ضمن حملة عالمية للشفافية والمحاسبة لتطاول الشركات الاستخراجية. ويضم قرار اللجنة الناظمة تعليمات تفصيلية أدق مما هو مطلوب حالياً تقديمه من الشركات الاستخراجية المسجلة في البورصات الأميركية.

يُذكَر أن مئات الشركات العالمية تطرح أسهمها في البورصات الأميركية للاستفادة مالياً في حال ارتفاع قيمة الأسهم. وتتميز الاتفاقات الاستخراجية بكثير من السرية، بل تنص الغالبية الساحقة من عقود الشركات مع حكومات الدول المنتجة على بند خاص يفرض على الأطراف الموقعة سرية تامة وعدم الإفصاح عن أي معلومات عن فحوى بنود العقد، ما يجعل الحصول على معلومات دقيقة وشاملة حول الاتفاقات، خصوصاً النفطية، أمراً صعباً. وهذا أثار كثيراً من اللغط حول أرباح هذه الشركات، وحجم الريع النفطي الذي تحصل عليه الدول المنتجة.

واستفادت الشركات الاستخراجية من هذه السرية في التغطية على كثير من معلوماتها المالية، كقيمة الأرباح العالية التي تحققها على حساب الدول المنتجة، وقيمة النفقات أو الرواتب العالية لموظفيها. وجعلت هذه السرية من الصعب على الأطراف الشعبية في الدول المنتجة، كالقوى المعارضة في البرلمانات أو الخبراء المحليين أو الأحزاب أو منظمات المجتمع المدني، الحصول على صورة شاملة ودقيقة للريع الذي تحصل عليه الحكومات لقاء الاتفاقات التي تبرمها مع الشركات الاستخراجية الأجنبية. وعلى هذه المجموعات منذ الآن البحث عن هذه المعلومات التي ستصبح علنية وسيمكن الحصول عليها.

هل سيعني هذا توقف الفساد؟ هناك شكوك في هذا الأمر إذ استطاع بعض الشركات وأصحاب الملايين التهرب من دفع الضرائب بمساعدة محاميهم ومحاسبيهم الذين تخصصوا في تبني طرق ملتوية لتفادي القوانين المرعية. وهذا ممكن جداً ان يتكرر في هذه الحالة. لكن أيضاً وكما دلت التجارب، فإن استقلالية القضاء ونفوذه في بعض الدول جعله يقف بالمرصاد لهذه الحالات، فاضطر بعض المعنيين إلى دفع غرامات باهظة فيما أُلقِي القبض على مخالفين وأُودِعوا السجون لفترات طويلة. لذلك يمكن القرار الجديد أن يردع الفساد، ويقلص حجمه.

وكانت النرويج بادرت إلى فرض هذا النوع من الشفافية على الشركات الاستخراجية عام 2015، وتبنت دول أوروبية قرارات مشابهة في كانون الثاني (يناير) الماضي. لكن المشاركة الأميركية في هذه الحملة بقيت ضرورية نظراً إلى الدور الكبير والمهم الذي نؤديه البورصات الأميركية مقارنة بأسواق الأسهم الأخرى.

ويُذكر أن قرار اللجنة الناظمة الأميركية يتناغم مع فحوى القرارات النرويجية والأوروبية وبنودها، ما يعني توافر مقاربة مشابهة في التقارير المالية التي ستقدمها الشركات إلى البورصات المختلفة، إذ يتناغم قرار اللجنة مع الحملات العالمية للشفافية والمحاسبة.

وليد خدوري
نقلا عن الحياة

Save

Save